الشاشة الصغيرة .. هل تبقى متحدية قيم الأسرة؟
|
*إعداد / إيمان عبد الأمير
التلفاز والحاسوب والإنترنت والألعاب الإلكترونية من أكبر التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في تربية أبنائها في وقتنا الحاضر، وكثير من الأسر تحتار في الموقف الذي تتخذه تجاه هذه المستجدات، فإما أن تمنعها وتحارب وجودها في البيت، وفي ذلك انعكاسات وافرازات خطيرة، أو أنها تنساق وراء كل جديد وتترك الطفل يتعامل معها دون قيد أو شرط، وفي ذلك النتيجة الأخطر والأسوء، فنحن في الحالة الأولى لا يمكن أن نحرم أبناءنا أن يعيشوا زمانهم، أو أن يكونوا أبناء عصرهم، لأن هذه المحاولة فضلاً عن أنها ستبوء بالفشل، ستضع الأبوين في زاوية حادة وحرجة تكون نهايتها الاستسلام، أما الحالة الثانية فخطرها أعظم، لأنها تترك الباب مفتوحا لخطر جسيم يمكن أن يداهمها، ويؤثر على قيمها ومبادئها.
وكما يقال: (خير الأمور أوسطها)، فلا المنع والقمع، ولا الحرية المطلقة، إنما أمرٌ بين أمرين، فلابد من وضع الخطوط الحمراء التي تنسجم مع العقل والمنطق والذوق العام والتي لا يرفضها عاقل وانسان سويّ، وفي الوقت ذاته لابد من فتح نافذة للحرية والانطلاق لكن الى رحاب المعرفة والعلم واكتساب الخلق الفاضل، وذلك بالاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة أمامنا ومن نافلة القول هنا، إننا نشهد الكثير من ابناء هذا الجيل من كان يعيش في اجواء محافظة للغاية ومحددة بأطر وضوابط لكن عجزت كل هذه الاجراءات عن تعليم الطفل أو الشاب كيفية التعامل الصحيح والاخلاقي مع أقرانه ومع المجتمع.
*ضوابط الاستخدام
من المهم أن نتذكر قبل أن نتخذ أي سياسة أسرية حيال هذا الموضوع، أن التلفاز والحاسوب والإنترنت والألعاب الإلكترونية وغيرها، ما هي إلا أدوات وكيفية استخدامها هو الذي يحدد حكمنا عليها بالفائدة أو الضرر، وبالمنع أو السماح. ومن المهم أيضا أن تتعامل الأسرة مع هذا التحدي كما تتعامل مع أي مشكلة تربوية أخرى، وذلك بأن تقدر حاجة الطفل إلى الضبط، فالطفل يحتاج أن يضبط سلوكه في التعامل مع هذه المستجدات، وعملية الضبط تحتاج إلى عدة شروط لكي تكون فعالة وهي :
1- ضرورة وضوح الضوابط التي تحكم استخدام هذه المستجدات، أي أن نتحدث مع أطفالنا قبل شراء الجهاز عن الضوابط التي يجب أن يسيروا عليها ليُسمح لهم باستخدامه .
2- نشترك مع أطفالنا في وضع هذه الضوابط، فنحاور ونقنع ونعلل والطفل يستجيب أكثر إذا فهم وشعر بمشاركته في القرار.
3- ضوابط الاستخدام يجب أن تشمل عدد ساعات الاستخدام وأيامه، ويمكن أن تشمل الضوابط المحتوى، أي مضمون اللعبة أو البرنامج أو الموقع، ويجب ألا نتهاون في صرف أطفالنا عن ألعاب العنف أو تلك التي تحتوي على ما يخالف قيمنا ومعتقداتنا، وإقناعهم بذلك.
4- ضرورة الثبات والاستمرارية في تطبيق الضوابط التي تم الاتفاق عليها مع الأطفال، والتذبذب يؤدي إلى عدم إحساس الطفل بالأمن وانعدام ثقته بوالده لأنه لا يعرف ما الذي يريده .
يتفق كثير من الآباء والأمهات على ضرورة التقليل من جلوس أطفالهم أمام التلفاز أو الفيديو أو استخدام الأجهزة لإلكترونية المختلفة، ولكنهم يتساءلون عن كيفية تحقيق ذلك، وقد أشرنا إلى أهم الضوابط التي ينبغي للأسرة أن تراعيها عند السماح بدخول مثل هذه المستجدات إلى البيت، ولكن لابد من التنبيه إلى أننا لا يمكن أن نقلل ساعات مشاهدة التلفاز إذا كان مفتوحًا طوال الوقت، أو إذا كان موجودًا في غرف النوم ! ولا يمكننا التحكم باستخدام جهاز الحاسب أو الإنترنت وهو موجود في غرف الاطفال الخاصة، إذن، لابد أن نضع هذه الأجهزة في مكان عام في البيت مثل الصالة أو غرفة المكتبة أو ما أشبه ذلك، ليعرف الطفل إنه الآخرين شركاء فيما يشاهده.
*البديل قبل المنع
قبل التفكير في اجراءات المنع والحظر، لابد من تعيين البدائل حتى يعرف الطفل أو الشاب ان الوالدين حريصان عليه حقاً، وكل ما يقومان به هو لمصلحته وحسب، وفيما يأتي بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد الوالدين لتقديم بدائل ممتعة ومفيدة لأطفالهم:
1- اكتشفوا هوايات طفلكم وطوروها، ابحثوا عن ميوله وشجعوها، فكل طفل لديه اهتمام في جانب معين، طوروا هذه الاهتمام ليصبح هواية، وابحثوا عن دورات أو كتب أو معلمين، ولا تبخلوا بشراء الأدوات التي تعزز هذه الهواية .
2– التشجيع على مطالعة سيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (صلوات الله عليهم) لما فيها من الدروس والعبر المهمة في الحياة، وأيضاً لابأس بمطالعة سيرة بعض الرجال العظماء والناجحين، لاسيما المعاصرين منهم والقريبين على اذهان الاطفال ليكونوا لهم قدوة في حياتهم. وفي برنامج المطالعة لا يجب أن ننسى تلاوة القرآن الكريم في كل الأوقات.
3- بامكان الأم أن تفتح أبواب المطبخ على مصراعيه أمام الفتاة، لتخوض غمار الطبخ والاستمتاع بإعداد الوجبات الخفيفة مثل السلطة أو خفق اللبن أو غيرها من الاعمال السهلة وغير المحذورة، والأهم من ذلك تحمّل الأخطاء والزلّات التي لابد أن تصدر وتحدث ومن دون ذلك سيحدث النفور واللجوء الى تلكم الأجهزة والاعتكاف عندها.
4- التشجيع على ممارسة الرياضة بشكل مشترك بحيث يشعر الطفل ان القضية ليست درساً روتينياً يتلقاه انما هي ثقافة عامة. ويمكن أن يتم ذلك في باحة المنزل أو حتى داخل صالة الشقة بأداء تمارين رياضية خفيفة.
5- عوّدوا اطفالكم على كتابة مذكراتهم في دفتر صغير، فمن شأن هكذا خطوة أن تنمي لديهم الشعور بالمسؤولية أزاء كلما يجري، وأن يدرجوا مشاعرهم وأحساساتهم أزاء كلما يشاهدونه أو يمرون به خلال اليوم والاسبوع، وبذلك تكون لديهم موسوعة معرفية جميلة وسهلة ربما تنافس ما يجدونه من القنوات الفضائية أو على مواقع الانترنت، فالطفل هنا سيجد نفسه بانه قد كوّن ارشيف من المعلومات والافكار، وهو ليس بالفقير الذي يستجدي الاثارات والافكار من افلام الكارتون أو غيرها.
هذه الخطوات وغيرها هي التي يجب أن نتبعها ليجد الطفل والشاب هويته وشخصيته داخل الأسرة، وبعد هذا لن نخش أبداً من أي وسيلة مهما نفذت وقدمت من زخارف وبهارج وإثارات.
|
|