من أعلام الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة
السيد محمد طاهر الموسوي البحراني
|
*حسين هاشم آل طعمة
من المفاخر الطيبة لمجتمعاتنا الإسلامية ولا سيما في المدن المقدسة وهو وجود أسر دينية كريمة تتوارث العلم والآداب والأخلاق الفاضلة من الأجداد والآباء، وكانت وما زالت هذه الأسر من على مر الأزمنة والقرون محافظة على حرمة الدين الإسلامي الحنيف والشريعة السمحاء، لذا ببركة هذه الأسر العلمية تقوم دعائم أكثر الحوزات العلمية الشريفة في المدن المقدسة، ومن هذه الاسر العلمية الدينية الكريمة في مدينتنا كربلاء المقدسة، هي أسرة السادة آل البحراني والتي استوطنت كربلاء في القرن الثاني عشر الهجري ويعودون بالنسب الى السيد محمد الحائري بن السيد إبراهيم المجاب بن السيد محمد العابد بن الإمام موسى الكاظم (ع).
ومن هذه الأسرة الكريمة نسلط الضوء على علم من علمائها الأجلاء الأفاضل وهو سماحة الورع والحجة الفقيه آية الله السيد محمد طاهر بن السيد محمد الموسوي البحراني (قدس الله سره).
ولد في مدينة كربلاء عام 1302 هـ (1884 م) ونشأ في كنف أسرته العلمية في أجواء علمية و روحانية مفعمة بالإيمان والولاء الصادق لآل البيت الأطهار (عليهم السلام).
*قمة العلم وقمة التواضع
قضى السيد الأجلّ زهرة شبابه والشطر الأوفر من حياته في تحصيل مختلف العلوم على يد أساتذة ونوابع بارعين، فدرس الفقه والأصول عن والده العلامة السيد محمد الموسوي البحراني، وعند خاله العلامة السيد الميرزا محمد على المرعشي الشهرستاني وعند العلامة آية الله السيد إسماعيل الصدر والعلامة السيد محمد باقر الطباطبائي والعلامة الشيخ عبد الكريم اليزدي الحائري والعلامة السيد محمد الفيروز آبادي ودرس علم الكلام عند سماحة السيد أبي القاسم التبريزي الملقب بالعلامة.
وحضر أبحاث كل من المرجع الديني الكبير آية الله العظمى محمد تقي الشيرازي الحائري (قائد ثورة العشرين) والشيخ فتح الله الملقّب بشيخ الشريعة والشيخ عبد الله المامقاني. وأما عن إجازاته في الإجتهاد وفي رواية الحديث فقد نالها من أصحاب السماحة العلماء الأعلام وهم آية الله السيد إسماعيل الصدر وآية الله الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي و والده آية الله السيد محمد البحراني وآية الله الشيخ فتح الله الاصبهاني وآية الله السيد أبو الحسين الأصفهاني.
لقد كانت سيرة السيد البحراني، سيرة علم وأخلاق فاضلة، فقد كان ذكياً متوقد الفكر واسع الصدر. وكان يلقي الدرس على طلبة العلم وتخرج من محضر درسه جمعاً من العلماء سواء من مدينة كربلاء أو النجف أو إيران أو غيرها، وتصدى لإمامة الجماعة في الحائر الحسيني الشريف ولم يتجاوز العقد الثالث من عمره وذلك عندما سافر والده الى الحج وذلك بإيعاز من الفقيه الكبير السيد إسماعيل الصدر حيث إقتدى به في الصلاة ثلّة من العلماء الأعلام وجمعاً غفيراً من الناس. وبعد وفاة الده سنة 1355 هـ (1936 م)، إزدادت المسؤوليات الدينية على السيد البحراني.
وأما عن مؤلفاته ومصنفاته الدينية والعلمية فكانت كثيرة منها: شرح على كتاب تشريع الأفلاك في الهيئة، و دورة فقهية استدلالية، وحواشي على كتاب فرائد الاصول للشيخ الأنصاري (رضوان الله عليه).
وعلى الرغم من وفرة علمه كان يتجنب الرئاسة الدينية وحمل أعباء المرجعية مع ما فيه من مؤهلات تؤهله لهذا المنصب، وكانت له في ذلك وجهة نظر منها هو فسح المجال لغيره من العلماء الأعلام للتصدي لهذه الرئاسة وتحمل أعباء المرجعية ليوفر أكبر قدر ممكن من الوقت ليتوجه به للتعبد والدعاء والتوجه الى الله (عز وجل).
*الذرية المجاهدة
إن المتتبع لسيرة السيد البحراني يجده مثالاً للتقوى والزهد في الحياة الدنيا والإخلاص في العبادة عاملاً بعلمه بعيداً عن مباهج الدنيا الفانية وزخرفها الزائل متواضعاً عفيفاً عطوفاً على الخاص والعام.
وأعقب السيد البحراني من الأولاد ثمانية، خمسة منهم ذكوراً وثلاثة إناث، وهم كما يلي: السيد محمد علي وهو فقيه وعالم له مؤلفات عديدة مقيماً لصلاة الجماعة في الصحن الحسيني الشريف، والسيد عماد الدين وهو عالم وفقيه وكان ناشطاً في دعوته للدين متحمساً لنشر مبادئ الحق في المجتع وكان كثير اللقاء بالنخب المثقفة من الشباب المؤمن وكان محرضاً لهم في بيان الحق والصبر على المكاره وبسبب هذا النشاط المستمر اعتقل من قبل حزب البعث الحاكم وأعدم وقضى نحبه شهيداً وذلك في عام 1982 م، والسيد علاء الدين والسيد جمال الدين والسيد مهدي جلال الدين.
ومن المواقف التي يشهد لها أهالي كربلاء المقدسة المشهودة، تلك الوقفة الشجاعة التي وقفها السيد عماد الدين بوجه النظام البعثي البائد عندما طلبوا منه عام 1981 بأداء صلاة الغائب على الجنود الذين سقطوا ضحية الحرب العراقية – الايرانية، وكان طلباً غريباً من نوعه، إذ ان هذه الصلاة لا يؤديها أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، إنما يؤدون صلاة الوحشة على الميت، فرفض بشكل قاطع أن يقف في حرم الامام الحسين ويصلي مكتوف الأيدي صلاة لا يؤمن بصحتها بتاتاً! فما كان من جلاوزة النظام الجائر إلا أن اعتقله في جنح الظلام ولم يعثر له على أثر طيلة سنوات حكم صدام، حتى سقط الصنم وظهور الجرائم والبشاعات على السطح، فتم التعرف عليه مدفوناً في إحدى المقابر الجماعية.
كانت وفاة عالمنا السيد البحراني يوم الأربعاء بعد الظهر في 6 صفر عام 1384 هـ (1964 م) عن عمر يناهز الثمانين عاماً قضاها في البر والتقوى وفي خدمة الإسلام والمسلمين، وشيع جثمانه الطاهر وحمل على الأكف من داره الكائنة في طرف المخيم الى الحضرة الحسينية والعباسية لتجديد العهد بهما ومن ثم الى مثواه الأخير في مقبرة السادة آل البحراني الكائنة في طرب باب الخان قرب الحضرة العباسية حسب وصيته.
ــــــــــــــ
المصدر:
الفقيه الطاهر في ذمة الخلود: عرض وجيز لحياة العلامة الفقيه سماحة آية الله الحجة الورع الحاج السيد محمد طاهر الموسوي البحراني، تأليف لجنة من الهيئة العلمية في كربلاء (1386هـ).
|
|