قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

بين مُنكرٍ معروف ومعروفٍ مُنكر
غريبي مراد
ورد في الحديث أنّ النبي الأكرم (ص) قال لأصحابه: "كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ فقال: نعم، وشرّ من ذلك؛ كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشرّ من ذلك؛ كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً". قد يتركز ذهننا بخصوص كلمة " نساؤكم" أو "شبابكم"، لأننا في الغالب الأعم نرمي بتقاعس الكبار والرجال والمسؤولين على كاهل المرأة والشباب. وحتى نفهم هذا الواقع المعقد من المرأة والشباب، نعود لوصايا الرسول الأعظم (ص) في أواخر أيامه، حيث كان هناك إلحاح نبوي بخصوص الاهتمام بالنساء والشباب، وعلى ذات النهج نقرأ في أحاديث قادتنا أئمة الهدى عليهم السلام كجدّهم المصطفى (ص) يؤكدون ضرورة الاهتمام بهذين الصنفين من المجتمع الإسلامي (النساء والشباب)، يا ترى لماذا؟
ببساطة، تمثل النساء والشباب، عاملين مهمين في ميلاد مجتمع مدني صالح، لأن النساء يمثلن حاضنة مشروع المجتمع الجديد والمدني، والشباب هم بذرة المجتمع الجديد في أرض رجال الإصلاح. الحديث السابق قرأته مرارا وتكرارا، متأملا في الآفاق التي أراد النبي (ص) أتباعه وأصحابه عبر الزمن الإسلامي أن ينتبهوا لها ويركزوا فيها جيدا، وجل أحاديث النبي الأكرم (ص) والأئمة من ذريته الطيبة عليهم السلام أجمعين، ليست بالصعبة أو المبهمة لمن أراد الرشاد، سوى في حالة واحدة، إذا اصطدمت النفس مع الحقائق والأبعاد والأهداف التي ترسمها تلك الوصايا والكلمات العظيمة، لكن لو اخذ بها المسلمون وفق المنهج الاستيعابي الذي رسمه لهم نبيهم (ص) منذ بداية مشوار الدعوة إلى الحق والعدل، لاستطاعوا صياغة الشخصية الإسلامية الإنسانية، التي تقدر على إيجاد المجتمع الإسلامي الأمثل. بصراحة: وبمرارة كل ما ذكره النبي الأكرم (ص) هو واقعنا العربي والإسلامي الراهن، حيث كل شيء متناقض ومموّه، صار المنكر معروفا، والمعروف منكرا، وهذه الحقيقة النبوية التي عدّها من مورثات النهضة الإسلامية بدلا من تسميتها بالمعجزة لأن رسول الله (ص) معنا ما دمنا معه من خلال سيرته العظيمة وأحاديثه ووصاياه وما دمنا مع الثقلين كمرجع في صحة البقاء مع النبي (ص)...
من هنا.. ، يبدو من الضروريّ إعادة بناء علاقتنا بالنبيّ (ص)، لنستعيد فيها كلّ عناصر شخصيّة النبيّ (ص) وصفاته، لنجعل منها برنامج عمل حياتيا؛ لأنّها الصفات والعناصر التي يُراد لكل شخصيّة إسلاميّة أن تحتويها، ليوْلد المجتمع الإسلامي القوي والآمن بمعروف الوحدة ومعروف الأخوة ومعروف الحوار والتعايش والتسامح والطاهر من المنكر الطائفي والتكفيري والفتنوي، حينها لا يتجرأ أي مسلم على إقصاء المسلم الآخر، وكما قال تعالى: (إنّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ)، والله من وراء القصد.