محرقة الحسنات
|
خولة القزويني
سيداتي.. سادتي : إليكم هذه القصة، وفي القصة عبرة..
(س) و(ص) صديقان حميمان، كانا يتابعان نشرة الأخبار في ملتقى الأصدقاء الأسبوعي ، حدث بينهما جدال سياسي، وارتفعت وتيرة النقاش إلى درجة الحدة والانفجار لكنهما في النهاية انتهيا وكل منهما متشبث في رأيه وافتراقا بعد أن إنفض المجلس. في اليوم التالي اتصل ( س) بـ (ص) ولم يرد وكرر المحاولة طوال اليوم فإذا باتصاله رجعه الصدى، توقف عن الاتصال مغتاظاً وطفق يثرثر مغتابا صاحبه (ص) متهماً إياه بكل ما هو سيئ وبغيض قائلاً للآخرين "لقد حقد علي وغضب أثر هذا النقاش الذي أخرجه خاسراً".
ولم يتورع هذا الصديق وهو ينتظر رد الآخر من إثارة الأقاويل حول صاحبه (ص)، التقاه صدفه في أحد الأسواق، أعرض عن صاحبه (ص) الذي أقبل عليه يحيه: السلام عليكم. (س) يرد باقتضاب، (ص): ما بك يا صاحبي؟. تركه (س) غاضباً.. فكّر (ص): "أبسبب ذاك الجدال العقيم تغيرت معاملته!؟". وتبعه حتى السيارة: ما بك يا عزيزي؟. ردّ : أرجوك دعني أذهب فأنا مشغول. وفي إحدى لقاءات الاصدقاء كان ( س) جالساً وقد سمع ضمن ما سمع أن صاحبه (ص) قد سرق هاتفه قبل فترة في أحد الاماكن..
أطرق (س) متأسفاً على ظنه السيئ بصديقة واستغابته بين الناس.
انتهت القصة (وهي حكاية من أرض الواقع).هذا ما يحدث إجمالاً في حياتنا وبشكل آلي رتيب، حتى لم نعد نفطن إلى حجم الدمار النفسي الذي ينهش بأرواحنا وهي تنشحن يوماً بهذه الطاقة العدائية للآخرين. نصلي، نصوم، نقرأ القرآن، ، نتعبد، نتهالك في أعمالنا العبادية، لكن في موقف بسيط وبطرفة عين نحرف كل هذا المخزون الإيجابي من أعمالنا الخيرة. وقد لفت نظري وأنا أقرأ وصف الناس وأحوالهم في آخر الزمان أن سرائرهم تخبث وبواطنهم تفسد رغم سمات العبادة البادية عليهم، قد يقرأ من القرآن الكريم في رمضان ويختمونه عشرة ختمات وفي لحظة خاطفة يباغتهم الشيطان بهذا الخاطر الشرير فيلوث قلوبهم ويغسل عقولهم ويشوه رؤاهم.
ما أحوجنا إلى الشجاعة الذاتية لمواجهة أنفسنا قبل الآخرين ونتوغل إلى منابت الروح لنجتنب الآفات التي نتخر في أعمالنا الصالحة وتعمل على شحذ هذه الرذيلة باستمرار، كما نبني أحكاماً سلبية وجائرة في حق الآخرين ولا نسمح لمؤشرات العقل أن تنطلق باتجاه الخير.إن ظن السوء دمر أُسر، وخرق أزواج وباعد بين أحبة وشوه مشاعر خلان، وخرّب صداقات، ولو كنا ندرك أن ظن السوء أول ما يدمر صاحبه لما انغمرنا في هذه الرذيلة إلى درجة الاعتياد والآلفة. فهي رذيلة تحزن المرء، وتكدر النفس، وتزعج الخاطر، وتوحش الروح وتجعل الإنسان مهزوز الثقة بنفسه وبالآخرين.. فلنفتح صحائف عمرنا ونتدارك ضياع الأعمال في زمن يقربنا إلى الموت كقطار ينهب المحطات دون كابح، وإن أولى الأعمال بنا تصفية الأجواء، وتنقية النفوس، وتهدأة الخواطر.. فلا يمكن أن نغرس بذرة طيبة فوق أرض ملوثة. احرث باطنك بصدق وهمة لتستأصل هذه الآفات وحينما تزرع أعمالك الصالحة، سيكون حصادك مثمراً في النهاية، اطمئنان روحي، وسلام داخلي، وروح مشعة بالحب.
قال أمير المؤمنين الامام علي عليه السلام: "احملا اخاك على سبعين محمل خير".
|
|