"الرجال قوّامون على النساء"..
فهم الأدوار بين الرجل والمرأة مقدمة لصلاح الأسرة والمجتمع
|
• ضياء العيداني
إن رباط الوالديّة المتمثل بـ(الأبوة والأمومة) وثيقٌ جداً لا يعكر عليه شيء وطاعتهما ملزمة للأولاد إلا في المسألة العبادية وهي الشرك بالله تعالى، وهو ما تقوم الأسرة على أساسهما، فنجاح العلاقة بينهما وفهم ادوارهما يؤدي الى نجاح الأسرة والعكس بالعكس، فهما التركيبة المصغرة التي تكون منها المجتمع، ولهذا فإن الاسلام أعطى لكل منهما واجبات وحقوق، اذا لم تتحقق فشلت الأسرة وفشل المجتمع، وهذه الحقوق والواجبات سنّها ربنا تعالى في كتابه المجيد، بشكل يتناسب مع قدرات وطاقات وبنية كل منهما، فجعل الأم مركزاً للحنان والعاطفة حتى تستطيع ان تؤدي دور الحضانة والرعاية العاطفية والتي تشبع روح الطفل بما يحتاجه في مستهل حياته من الحنان والراحة والنفسية والاستقرار، بينما أعطى الرعاية الذهنية والعقلية للأب. هذه الرعاية ورد ذكرها في القرآن الكريم في لفظ (القيمومة)، حيث قال تعالى في سورة (النساء) الآية 34: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ...".
*معنى القيمومة..
جاء في المعجم الوسيط: (القوّام: قوام كل شيء عماده ونظامه وما يقيم الإنسان من القوت، وقوّام الأمر ما يقوم به وهو قوام أهل بيته يقيم شأنهم، والقوامة: القيام على الأمر أو المال أو ولاية الأمر، والقيّوم: القائم الحافظ لكل شيء وهو من أسماء الله الحسنى، والقيّم: السيد وسائس الأمر ومن يتولى أمر المحجور عليه، وقيم القوم الذي يقوم بشأنهم ويسوس أمرهم)، وذكر ابن منظور في لسان العرب: (القيّم السيد وسائس الأمر، وقيّم القوم الذي يقومهم ويسوس أمرهم، ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وهذه المرتبة مختصة بالرجل دون المرأة.
*القوامة في القرآن الكريم
سوف نستعرض هنا بعض ما ذكره المفسرون في المقصود من الآية الشريفة: "الرّجال قوَّامونَ على النّساء بَِما فضَّل اللهُّ َبعضهم على بعض وبَِما أنفقوا ِمن َأموالهم"، فقد ورد في (التبيان) للشيخ الطوسي: (الرّجال قوَّامون على النّساء" بالتأديب والتدبير "بَِما فضَّل" الرجال على النساء في العقل والرأي)، وما ذكره الشيخ الطبرسي في (مجمع البيان) "الرّجال قوَّامون على النّساء" (أي قيمومة على النساء، مسلطون عليهن في التدبير والتأديب، والرياضة والتعليم "بَِما فضَّل اللهُّ بعضهم على بعض" وهذا بيان سبب تولية الرجال عليهن: أي إنما ولاهم الله أمرهن لما لهم من زيادة الفضل عليهن، بالعلم والعقل وحسن الرأي والعزم، "وبَِما أنفقوا من أموالهم" عليهن من المهر والنفقة، كل ذلك بيان علة تقويمهم عليهن، وتوليتهم أمورهن).
أما العلامة الطاطبائي في تفسيره (الميزان) قال بعد ذكره الآية: (والقوام من القيام وهو إدارة المعاش، والمراد بالفضل هو الزيادة في التعقل فان حياته حياة تعقلية وحياة المرأة عاطفية، وإعطاء زمام المال يداً عاقلة مدبرة أقرب إلى الصلاح من إعطائه يداً ذات مشاعر عاطفية)، وفي تفسيره (من هدى القرآن) يقول المرجع الديني السيد محمد تقي المدرسي في تفسير الآية بأن (هناك ثلاثة مستويات من الولاية، وتختلف آراء الفقهاء في بعضها:
1/ حق الرجل في الاستمتاع. فاذا رفضت المرأة، فان للرجل ان يعاقبها لاسترداد حقه.
2/ ولاية الرجل على تطبيق احكام الشرع على زوجته، فاذا رفضت حداً من حدود الله، فان الرجل يقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالاسلوب المناسب.
3/ ولاية الرجل في تسيير أمور البيت بما يراه صالحاً، وعلى المرأة ان تطيعه مادامت حقوقها مضمونة، وبالرغم من ان الشريعة قد رغّبت في التشاور بينهما، إلاّ ان كلمة الفصل تكون للرجل.
*الحكمة من قوامة الرجل؟
إن إسناد القوامة إلى المرأة دون الرجل، أمر ينافي ما تقتضيه طبيعة التكوين الفطري لكل منهما، وهو يؤدي قطعاً إلى اختلال ونقص في نظام الحياة الاجتماعية لما فيه من انعكاس لطبائع الأشياء، لذلك لابد من ان يكون الرجل هو القيّم في الأسرة، وكون جعل القوامة للمرأة ينافي ما تقتضيه الطبيعة التكونية لكل منهما فلأجل وجود تفاوت تكويني بين الرجل والمرأة يجعل من جعل القوامة للمرأة خروجاً عن المقتضيات الفطرية والاستعدادية التي تختلف بها المرأة عن الرجل، حيث ذكر الباحثون في علم النفس والمهتمون بشؤون المرأة عدة نقاط تمتاز بها المرأة عن الرجل:
1 - ان المرأة سريعة الانفعال والتأثر بدرجة أكبر من الرجل، وغالباً ما تتصرف تحت تأثير انفعالاتها وعواطفها.
2 - المرأة أشد تأثراً بالمشاهد العاطفية والمأساوية من الرجل.
3 - المرأة أكثر التزاماً بالأعراف السائدة وتتخوف من مواجهة التقاليد حتى وإن كانت خاطئة.
4 - مشاعر الرجل تجنح كثيراً للمعارضة والعنف، وعلى عكس ذلك تكون المرأة، فهي غالباً ما تجنح للسلم وتتخوف من استعمال العنف حتى مع ألدّ أعدائها.
5 - قدرة الرجل على كتمان السر أو تلقي الأخبار المزعجة أكبر من قدرة المرأة على ذلك.
6- الرجل أقدر من المرأة على تحصيل العلوم البرهانية العقلية إلا انه لا يتميز عنها في العلوم المتصلة بالآداب والفن والذوق.
هذه الفوارق الطبيعية والتكوينية بين الرجل والمرأة لها تأثير مباشر على طبيعة المسؤوليات والوظائف الملقاة على عاتق كل واحد منهما، وإغماض النظر عن ذلك سوف يسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية وتحميل المرأة فوق طاقتها وإهدار لحريتها وكرامتها.
اما بالنسبة للشرع الاسلامي، ففي الآية الشريفة "الرّجال قوَّامون على النِّساء بَِما فضَّل اللهُّ َبعضهم على بعض وبَِما أنفقوا من أموالهم"، نرى ان الله تبارك وتعالى قد علل جعل القيمومة للرجل بتعليلين: أحدهما تكويني والآخر تشريعي.
أما التعليل التكويني فقد أشار إليه بقوله تعالى: "بَِما فضَّل اللهُّ بْعضهم َعلى بعض"، أي ان الرجال قوامون على النساء بسبب ما امتاز به الرجال من فضل على النساء، فيُفهم من هذه الآية الشريفة ان هناك أموراً تكوينية فطرية جعلها الله تبارك وتعالى في الرجل دون المرأة أدت إلى التمايز التكويني بينهما، فكان الرجل أفضل من المرأة في بعض الموارد، وكانت المرأة أفضل من الرجل في موارد أخرى، فإن الله تعالى خصّ الأنثى بتفضيل في تكوينها لا يوجد في الذكور، فهي تمتلك من الرقّة والجمال والعاطفة والجاذبية وغير ذلك ما لا يمتلكه الذكور، فيما فضل الله الذكور على الإناث بالقوة والحزم والقدرة على المواجهة ما لا تمتلكه الإناث، وفيما نحن فيه وبسبب الاختلاف التكويني الذي امتازت به المرأة عن الرجل، كان الرجل في مورد القيمومة أفضل من المرأة.
أما التعليل التشريعي، فقد أشار إليه تعالى بقوله: "وبما أنفقوا من أموالهم" أي إنما جُعلت القوامة للرجل بسبب ما يمتاز به تكويناً عن المرأة، وبسبب التشريع الذي فرض على الرجل من دفع المهر والإنفاق على الزوجة، يحتم ان تكون القوامة بيده.
حدود القيمومة:
ان القيمومة على المرأة لا تعني التسلط والهيمنة ولا تبرر الاستبداد والظلم، وليس معناها وجود سلطة كاملة ومطلقة عليها بلا حدود ولا قيود، بحيث يكون الزوج مالكاً لها وله الحق في التصرف كيف شاء في زوجته وأولاده، بل المراد منها نحو من الولاية حددها الفقهاء ومنهم العلامة الطباطبائي حيث يقول: (قيمومة الرجل لزوجته ليست بأن لا تنفذ للمرأة فيما تملكه إرادة ولا تصرف، ولا تستقل المرأة في حفظ حقوقها الفردية والاجتماعية والدفاع عنها والتوسل إليها بالمقدمات الموصلة إليها، بل معناها ان الرجل إذا كان ينفق ما ينفق من ماله بإزاء الاستمتاع فعليها ان تطاوعه وتطيعه في كل ما يرتبط بالاستمتاع والمباشرة عند الحضور، وان تحفظه في الغيب فلا تخونه عند غيبته، ولا تخونه فيما وضعه تحت يدها من المال والسلطة التي منحها إياها، في ظروف الأسرة والحياة المشتركة).
إذن، بعد ان عرفنا المقصود من القيمومة في الشريعة الإسلامية، ولماذا جعلت للرجل دون المرأة، وعرفنا ضوابطها وحدودها، نعرف مدى تفاهة المقولة التي اخذ يرددها دعاة تحرير المرأة والتي تؤكد على ان جعل القيمومة بيد الرجل معناه تسلّط الرجل وهيمنته في الأسرة وإذلال للمرأة كونها ستكون كالعبد بين يديه، بل ان معنى القيمومة في الإسلام هو ان تكون المرأة داخل الأسرة كالجوهرة الثمينة والتي يجب على الزوج المحافظة عليها اشد الحفاظ.
|
|