الإسلام و قيمة التواصل في العلاقات الاجتماعية
|
*يونس الموسوي
قيمة التواصل، تعد حاجة إنسانية لاغنى عنها. والناس يتواصلون فيما بينهم برغم إختلاف عقائدهم ومذاهبهم، فيتزاورون ويتعانقون ويتخذ بعضهم بعضاً أخاً في الإنسانية أو في الدين أو في المذهب، فيأتمنه على أمانته، ويطلب إليه حاجته، ويستقرضه من ماله، ويتزوج من بنات عشيرته، وهذا ليس بدعاً من القول، فنحن في العراق قد شهدنا الكثير من هذه الأمثلة التي أصبحت شائعة فالشيعي يتزوج من السنية والسني يتزوج من الشيعية، وكان ذلك دلالة على قيمة التواصل بين الناس برغم اختلاف الآراء والمذاهب.
هذه القيمة ثابتة لأنها تشتمل على أبعاد إنسانية تفوق كل عوامل التفكك التي تفرقهم، والواقع ليس هناك ما يستدعي لتفرقهم وتفككهم، فالدين والمذهب لم يكونا يوماً من عوامل التفريق والتمييز بين الناس، هذا إذا فهم الناس حقيقة الدين وتمسكوا بمبادئه وقيمه، وإن شاء الله سنتعرض خلال هذه المقالة إلى التأكيدات الدينية والمذهبية بشأن التواصل مع الآخر وليس الآخر الموافق وحسب ، بل الآخر المغاير. لكننا يجب أن نقول أولاً: أن الدين الإسلامي يعتبر قيمة التواصل من القيم الضرورية والازمة لحياة الناس، وفي هذا جاء في الحديث عن الامام الصادق عليه السلام: (عليكم بالصلاة في المساجد وحسن الجوار للناس وإقامة الشهادة وحضور الجنائز، إنه لابد لكم من الناس، إنّ أحداً لايستغني عن الناس في حياته، والناس لابد لبعضهم من بعض). (الكافي، ج2، ص625).
وهنا يقرر الإمام الصادق عليه السلام بأن الاستغناء عن الناس هو أمر خارج عن كونه جائزاً أو غيرجائز، وإنما هو شيء محال من وجهة الحياة الإنسانية، فكل الناس يحتاج بعضهم إلى بعض وهكذا خلقوا ووفق هذا النظام وجدوا.
حتى مع جميع الإختلافات التي احتوت شؤونهم وشملت عناصرهم مثل إختلاف لونهم ولسانهم وقبائلهم، وحتى الإختلافات الفكرية والدينية والعقائدية، يجب أن لا تتغير من طبيعتهم الإنسانية، ولاتجعلهم يتصرفون بشكل مغاير عن سلوكهم تجاه الآخر الموافق، فالدين الإسلامي على سبيل المثال لايأمر أتباعه بالصدق تجاه بعضهم الآخر والكذب على الآخر المغاير بالدين، ولا يأمرهم بالأمانة فيما بينهم، والخيانة مع غيرهم. وهذا هو ما يأمرنا به ديننا ومذهبنا، فعن صفوان بن يحيى، عن أبي أسامة زيد الشحام قال: قال لي أبو عبدالله – الصادق عليه السلام-: (اقرأ على من ترى إنه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام وأوصيكم بتقوى الله عزوجل والورع في دينكم والإجتهاد وصدق الحديث وأداء الأمانة وطول السجود وحسن الجوار فبهذا جاء محمد (ص) أدّوا الأمانة إلى من إئتمنكم عليها براً أو فاجراً، فإن رسول الله(ص) كان يأمر بأداء الخيط والمخيط، صلوا عشائركم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم وأدّوا حقوقهم فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل: هذا جعفري فيسرني ذلك ويدخل عليّ منه السرور وقيل: هذا أدب جعفر، وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره وقيل: هذا أدب جعفر، فوالله لحدثني أبي عليه السلام ان الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة علي عليه السلام فيكون زينها آداهم للأمانة وأقضاهم للحقوق وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائهم، تسأل العشيرة عنه فتقول: من مثل فلان لأنه لأدانا للأمانة وأصدقنا للحديث). (الكافي، ج2، ص636).
هذه هي صفات الشيعة الجعفرية، ومن يريد أن يفرح الإمام الصادق عليه السلام فيجب أن يتصف بهذه الصفات، وهي صفات أغلب المسلمين من جميع المذاهب والفرق ما عدا جماعة واحدة وهم (الوهابية) التي كفرت المسلمين ومزقتهم، لكن فكرها طارئ على الإسلام، ويجب أن يواجهها المسلمون بقوة المنطق والفكر قبل أن يستفحل أمرها ويشتد عودها فتقصم ظهر الإسلام بفكرها التكفيري المنحرف عن الإسلام، فهؤلاء يستعملون التقية ضد المسلمين ويكذبون ويغدرون ويخونون، وكل حرام يصبح لديهم حلالاً إذا كان ذلك يحقق أهدافهم.
وما عدا هذه الجماعة الضالة فأن جميع المذاهب والفرق الإسلامية تأخذ بقيمة التواصل الإنساني، وتتبع كل قيم الخير والإيمان في معاملة بعضهم للبعض الآخر، المغاير في المذهب والعقيدة، وربما كانت هذه القضية من الناحية النظرية غير مستساغة نوعاً ما، لكننا إذا نظرنا إلى الواقع في العراق – مثلاً- وفي مدينة بغداد تحديداً وبقية المدن العراقية سنلاحظ حقيقة التواصل الإنساني والإسلامي بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة، ولابد أن نعرف بأن هذا التواصل لم يأت من فراغ، بل كان هو نتيجة لمبادرة كبار علماء الشيعة والسنة والتواصل فيما بينهم وتفريغ الشحنات الطائفية من بعضهم الآخر.
والرواية التي نقلناها عن الإمام الصادق عليه السلام هي أيضاً تثبت بأن التواصل بين أبناء المذاهب الإسلامية كان سائداً حتى في تلك الفترة الصعبة من حياة الأمة، يعني برغم كل المحاولات السياسية من قبل الأنظمة الفاسدة التي كانت حاكمة في ذلك الوقت من أجل خلق بذور الشقاق والنفاق بين أتباع المذاهب والمدارس الإسلامية المختلفة غير أن جميعها باءت بالفشل، وأصبح الإمام الصادق عليه السلام يفتخر بذلك الشيعي والموالي الذي أصبح قدوة في الأخلاق الإيمانية لكافة المسلمين، وهو بالطبع سيتألم وسيحزن عندما يذمون الجعفرية ويقولون بأن أخلاقهم سيئة.
ونستخلص من كل ما مرّ نتيجة مهمة هي: يجب أن لايمنع الخلاف من التواصل بين المسلمين فالخلاف الفكري أو العقائدي أو السياسي أو غيره يمكن أن يقع بين المسلمين أنفسهم، وبين المسلمين وبقية الأديان الأخرى، غير أن هذه الإختلافات يجب أن لاتمنع التلاقي فيما بينهم، وأن يمارسوا العيش المشترك بل ويتحابوا ويتوادوا ويتآخوا في الدين إن كانوا مسلمين وفي الإنسانية إن كانوا من غيرهم فالانسان اما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في عهده الشهير لواليه على مصر مالك الأشتر – رضوان الله عليه-.
ومن يقرأ الفقه الإسلامي سيجد ابواباً واسعة من الفقه وهي تتحدث عن موضوع التواصل بين المسلمين أنفسهم وما اختلف من مذاهبهم، أو بين أتباع الأديان المختلفة، فهناك أحكام خاصة بالنسبة إلى الزواج بين أفراد هذه الطوائف والأديان، وأحكام أخرى بالنسبة إلى التعامل التجاري معهم، بالإضافة إلى السلوكيات الأخلاقية والإنسانية المتعلقة بالأمانة والوفاء بالعهد وغير ذلك.
و الأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام لا يوصون فقط بالإلتزام بالخلقيات الإسلامية تجاه أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى بل ويدعو إلى أكثر من ذلك من قبل مشاركتهم في أحزانهم وأفراحهم والمشاركة في تشييع موتاهم وعيادة مرضاهم وهكذا. وقد وردت أحاديث وروايات ومنها على سبيل المثال: عن معاوية بن وهب قال: قلت لأبي عبدالله – الصادق- عليه السلام: كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس؟ قال: تؤدون الأمانة إليهم وتقيمون الشهادة لهم وعليهم وتعودون مرضاهم وتشهدون جنائزهم. (الكافي، ج2، ص635).
وما يلزم التعارف أن يستمع الفرد أو القوم إلى الذين يخالفونهم في الدين والمذهب، ويأخذوا بكلامهم كله ولايحرفوا منه شيئاً، ولايبطلوا آخر، وإنما هو نقاش وجدال بالتي هي أحسن، بعد الاستماع إلى كل ما يقال، وأن تتحقق المعرفة الكاملة بكل عقيدة الآخر، فليس من المعقول أن يثار الجدل من دون معرفة حقيقية ويمكن التأكيد بأن أغلب إختلافات الناس ومن ثم نزاعاتهم هي نتيجة الجهل بعقيدة الآخر، وخاصة إذا كان الخصم يستخدم أساليب ملتوية لتضليل الناس عن حقيقة ما يعتقد به الآخر، فهذا إنسان: نفسه مريضة وليس غايته الحقيقة، وإنما مراده هو تحقيق الغلبة بشتى الطرق والوسائل حتى وإن كانت بوسائل غير شريفة.
إن الإسلام العزيز وضع أمامنا خيارات كثيرة للتواصل مع الآخر الموافق والمغاير، وإن الإلتزام بما أتى به نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيطور منظومتنا الفكرية والعلمية وسيجعلنا أكثر قدرة على مواكبة العصر، كما إنه سيساعدنا على فهم فكرنا وفكر الآخر بصورة أفضل.
|
|