تحت الضوء
(تصحيح الحجاب) و إصلاح النفوس
|
*محمد علي جواد تقي
مبادرة حسنة وخيّرة أقدم عليها (الارشاد الديني النسوي) في المخيم الحسيني الشريف بكربلاء المقدسة على اطلاق حملة (تصحيح الحجاب) الاسبوع الماضي، وأهم أثر له – باعتقادي- إدراك النسوة الزائرات او من يتجولن في شوارع المدينة المقدسة بان هنالك من يراقب ويهتم بالامر، وليس كما يتصور البعض، ان كربلاء المقدسة وبعد سقوط الطاغية يجب ان تتحول الى محط رحال الوافدين بغض النظر عن انتمائهم وعقيدتهم، لانها (مفتوحة على الجميع بعيداً عن المسميات الطائفية...)! كما أعرب عن اعتقادي ان الخطوة جاءت متأخرة بعض الشيء، فقد مضت ثماني سنوات من عمر الحوزات العلمية العاملة و وجود مكاتب مراجع الدين وانتشار المؤسسات الثقافية، مع وفرة لا بأس بها من الامكانات المادية والكوادر المهنية، لكن نشهد وما نزال جهل الناس بالمكانة المرموقة للمرأة في الاسلام، فالمرأة الكبيرة في السن وهي تصطحب اطفالها وتثقل وجهها بالمساحيق تتصور انها تكسب احترام الناس باخفاء التجاعيد والندوب! او الفتاة التي ترتدي الملابس الضيقة او تحاول التفنن في (موديلات) الحجاب، تتصور انها تواكب التطور والعصرنة، وليست من المتشبثين بالماضي، بدعوى ان كل جديد مرغوب وجميل ومفيد...! لكن يكفي ان تكون هنالك حملات اعلامية بسيطة تنقل للمرأة العراقية الملاحم البطولية التي تسطرها اخواتها المسلمات في بلاد الغرب، وكيف انهن يتحدين كل الضغوط بالتخلّي عن الدراسة الجامعية او فرصة العمل وغير ذلك، في سبيل الالتزام بالحجاب، فلماذا تهتم المرأة في الغرب بحجابها، ولا تهتم به المرأة في العراق وحتى في كثير من بلادنا الاسلامية؟
ان المشكلة تكمن في القناعات والمتبنيات، فالمرأة والفتاة عندنا لا تشعر بالقيمة الحقيقية والعظيمة لارتدائها الحجاب، والسبب انها تجد نفسها على الاغلب في شاشات التلفاز او على صفحات (النت)، وما نشهده من ظواهر تزعجنا او تثير مشاعرنا الدينية، هي بالحقيقة افراز طبيعي وحتمي لتلك القناعات التي تتكون من الافكار والثقافات المستوردة. لذا عندما نأمر – مثلاً- بعدم ارتداء الملابس الضيقة، فان النسوة يلتزمن بالأمر المفروض بلا نقاش، لكن هل يعني ذلك اننا حققنا الهدف المرجو بتكريس الثقافة الدينية وحماية المجتمع من الانحراف الاخلاقي؟
طبعاً؛ قبل مواصلة الحديث مع هذا التساؤل، لابد من التأكيد على ان أزياء النساء ليست المسؤولة بالكامل عن شيوع الفساد الاخلاقي في أي مجتمع، فقد أثبتت الدراسات في هذا المجال ان جملة عوامل نفسية واجتماعية وثقافية هي التي تقف وراء التحلل الخلقي والانزلاق نحو الرذيلة. وإذن؛ فلابد من (اصلاح النفوس) بعد (تصحيح الحجاب)، فكما ان حفظ الظاهر مطلوب، فان المطلوب ايضاً سلامة الباطن والضمير والنفس التي بامكان الانسان ان يزكيها ليكون من المفلحين المنجحين كما وعدنا القرآن الكريم في (سورة التين)، "ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دسّاها" هذا الباطن والضمير والنفس الطيبة هي التي تجعل من العباءة السوداء – الزينبية حسب تعبير احد علماء الدين- الخيار المفضّل للجميع، وهي التي تدفع صاحبات صالونات التجميل ومحال بيع الالبسة النسائية لرفع الصور المثيرة من واجهات محلاتهم، وليس الاكتفاء بوضع ورقة بيضاء على الوجوه او تلوينها بالاسود وما الى ذلك...! من مظاهر عدم القناعة والتطبيق القسري للقرار.
وبما اننا على اعتاب شهري محرم وصفر واكتساء كربلاء المقدسة رداء السواد لاحياء ذكرى واقعة عاشوراء الحسين، نقول: ليست قدسية كربلاء وشخصية الامام الحسين عليه السلام تفرض على النساء والفتيات الالتزام بالحجاب والتخلّي عن الاثارات عن قصد او دونه، إنما هنّ من يجب ان يتوجهن بقلوبهن كما يتوجه الزائرون باقدامهم نحو المرقد الشريف، ليتعرفوا على العلاقة الوطيدة بين الحجاب وبين واقعة عاشوراء، كما يتفاعلن بحكم العاطفة مع العقيلة زينب سلام الله عليها. وهذا يتحقق باقامة الندوات والمؤتمرات حول فلسفة الحجاب وتأثيره في المجتمع والانسان وتبيين بعده الحضاري. حتى تكون كربلاء المقدسة بل وسائر المدن المقدسة في العراق، حاملة لمشعل الثقافة الدينية الاصيلة، ولتنتقل هذه الشعلة من العراق الى سائر بلاد العالم.
|
|