من أين .. إلى أين؟
|
أمين أحمد
يُروى أن أحد الملائكة طلب من الله عز وجل أن يكون آدمياً ليوم واحد، لكي يتحسس حقيقة هذا الكائن المميز الذي فضله الله عز وجل على الملائكة، وأمرهم بالسجود له، فكان له ما أراد وخرج من الحالة الملائكية، ودخل في الحالة الآدمية بكل ما فيها من مشاعر وأحاسيس ومحتوى نفسي وعقلي وروحي وصراعات نفسية داخلية، ولكن ما إن استقر به المقام في الحالة الآدمية، ورأى ما رأى، حتى طلب من الله عز وجل أن يعيده فوراً إلى حالته الملائكية، هرباً من هول ما رأى.
ومما لا شك فيه أن هذه الرواية تشير إلى الأبعاد العميقة المحيطة بعالم الإنسان ومهمته القيادية المميزة في الكون، علماً بأن أي تجاهل لهذا المحتوى الروحي الثري للإنسان قد يعرضه لمخاطر كونية جمة، وتذكيراً بهذا الأمر يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (يا بن آدم خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي)، بناء على ذلك فقد كان لزاماً إرسال الأنبياء عليهم السلام لتزويد الإنسان بالمعرفة اللازمة للقيام بذلك الدور الكوني الخطير، سواء ما تعلق منها بالمنشأ أو المعاد أو أساسيات بناء المجتمع والشخصية الإنسانية، يقول الإمام علي عليه السلام في هذا الشأن: (رحم الله امرأ أعد لنفسه، واستعد لرمسه، وعلم من أين وفي أين وإلى أين؟). وعلى الرغم من أهمية هذا الأمر، فإن الواقع يشير إلى وجود نوع خطير من التهاون بشأن حقائق المبدأ والمعاد في حياة الناس بصورة عامة، فالخوض مع الخائضين والعمل بلا علم هو سيد الموقف، وهو الأمر الذي يفتح المجال لبروز تنازع وصدامات جاهلية تستنفد الطاقات الفكرية والعملية للبشر، وتحوّل الأرض إلى جحيم يُرى، وجحيم لا يُرى، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا المشهد المضطرب الذي رآه في ليلة الإسراء حيث يقول: (فلما نزلت وانتهيت إلى السماء الدنيا نظرت أسفل مني، فإذا أنا برَهَج ودخان وأصوات، فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: وهذه الشياطين يحومون على أعين بني آدم ألا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض، ولولا ذلك لرأت العجائب) . ومما يجدر ذكره، أن غياب الرؤية أو إهمال الرؤية المتاحة يساهمان في خلق اتجاهين متطرفين في المجتمع. ففي حالة غياب الرؤية، فإن المرء يجعل الدنيا هي كل شيء، والغاية تبرر الوسيلة، فلا مبدأ ولا معاد ولا حساب، وفي هذه الحالة فإن إرادة الإنسان تتجه نحو إيجاد نموذج قاصر لشكل الدولة والمجتمع والشخصية الإنسانية، ويشير الباري عز وجل إلى هذه الحالة القاصرة بقوله: (وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر، وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون).
|
|