حتى لا نفقد الأمل.. الخيار بأيدينا
|
ماتشهده الساحة السياسية من مناكفات و ازمات أخذت تزداد وتيرها في في الاونة الاخيرة، باتت تتوالد كالطحالب في مرحلة مفصلية وحساسة،وتثير مخاوف و ضوضاء يبدو أن الساسة فضلا عن المواطن، باتوا مدمنين عليها الى درجة تجعل صوت الحق والحكمة والرشد يضيع بين أصوات الباطل والنزق السياسي. فلا يكاد يمر اسبوع إن لم نقل يوم واحد الا والمشهد السياسي (وبالتالي البلاد) في أزمة إلى أخرى، ومن مشكلة إلى مشكلة أعقد ، يراد لها وفق اجندات خارجية وداخلية ايضا أن تبقى مستعصية على الحل والعلاج وأن تكرّس مزيدا من الانقسام والخلافات، ومزيدا من فقدان الثقة في ما بين الساسة وكتلهم، وبين السلطتين الحكومية والنيابية، وبين هاتين والمجتمع، بل وبين افراد ومكونات المجتمع ذاته. حتى صار السؤال المطروح اليوم بين عامة الناس هو: هل نفقد الأمل؟ ماذا نفعل لم يتبق لنا غير الآمال في ان يعيش هذا الوطن في استقرار وسلام ويتوجه ساسته وابنائه نحو البناء والتنمية والتقدم.
قد لايخفى على أي مراقب اليوم أنه صارت لدينا شريحة واسعة من المواطنين والمواطنات ممن يعبرون بطرق ومواقف شتى عن فقدانهم الأمل في الاصلاح ، لاسيما السياسي، الذي هو مدخل مهم ورئيس لكل اصلاح آخر، وأصابهم الاحباط وهم يشاهدون يومياً ما يحدث لبلدهم، بل وكادوا يفقدون الثقة بمعظم (حتى لانقول (بكل) اللاعبين على ساحتنا السياسية وغيرها، وصار الكثير منهم قاب قوسين أو أدنى من الوصول لمرحلة اليأس. فهم ـ للاسف ـ ولأسباب غير خافية، ضعفت ثقتهم بمجالس المحافظات وبدورات البرلمان والحكومات المتعاقبة، بعد أن تسبب الكثير من الساسة والنواب والمسوؤلين وطريقة ادائهم، فضلا عن الاحداث والازمات وماتحركه بعض الايادي الداخلية والخارجية ، بتوليد شبه قناعة لدى هذه الشريحة من الناس بعدم قدرة هذه السلطات على ادارة دفة السلطة التشريعية والتنفيذية، وفشلها في مواجهة الأزمات التي تمر بها البلاد واحدة تلو الأخرى، وبعد أن حامت حولها وبشكل كبير، شبهات الفساد والمحسوبيات وحالة الصراع والخلافات والتأزيم الدائم، فأختلط الحابل بالنابل وأصبحت مصالحهم واجنداتهم كما خلافاتهم ،متشابكة، لدرجة لم يعد المواطن البسيط يعرف من الصادق فيهم، فصاروا جميعهم في نظره متهمين الى أن يثبت العكس !؟.
لا أحد يستطيع أن يلوم هذه الشريحة من الناس ان هي وصلت لهذه المرحلة المتقدمة من الاحباط، فكل ما يدور من حولنا يدفعنا في ذلك الاتجاه. الانقسامات وصلت أوجها، والشكوك لم يسلم منها أحد، هذا يُخوّن، وذاك يشكك في ذاك، بالمواقف والاجندات والنزاهة والوطنية والفهم والكفاءة، هذا يدّعي صحّة رأيه، وذاك يصرّ على خطئه، هذا يحاول أن يؤكد ويسوّق لانجازات، او اخفاقات، والأخر ينفي بكل طريقة، وكل منهم قد يصل الى حد استخدام (الغاية تبرر الوسلية) للكسب السياسي وإثبات احقيته وصدقه مقابل الأخر، حتى أصبحنا نعيش فوق صفيح ساخن قد يحرقنا جميعاً في أي لحظة ان لم يتم تدارك الأمر، وعندها لا ينفع النّدم.
يجب أن لاتترك الامور بانتظار أن يأتي الزمن بحلول لها، فتغيير نهج التعامل ، وتغليب المصلحة العامة يجب أن يكونا من ضمن أولويات المرحلة ، وتحصين جبهتنا الداخلية يحتمه الواقع مهما كان ثمنه مرتفعاً، ففي نهاية المطاف هي التي ستحمينا من الشرور أنى كان اتجاهها ومصدرها.ان استمرار الوضع على ما هو عليه والدفع به لمزيد من التأزيم والانقسام والتفتيت لن يخدم الشعب والبلد ولن يخدم الحريصين على مستقبله ولن يستفيد منه سوى المتربصين بنا شرا وسوءا، اكانوا من الخارج ام أي فئة ممن تعتاش على هذا التأزيم والتشتيت الحاصل، لذا يجب علينا ان ننتبه الى هذه الحقيقة وان نعمل على تغييرها ونكتفي بما آلت اليه الأمور من تصدع ومن ضعف للثقة وتشكيك وتشكيك مضاد لا يتوقف، وذلك قبل فوات الأوان. فالأحداث التي تشهدها البلاد بشكل متواتر تشير بلا لبس إلى أننا نتجه إلى وضعٍ لانحسد عليه وتهيئ لمرحلة قد تجعل الجميع في مهب الريح إذا لم تعالج القضايا بإرادة قوية وروح وأفق ورؤية بعيدة حكيمة وجامعة ، ولا أحد اليوم يستطيع أن يبرِّئ أحداً من ذنب مما يجري وـ لاسمح الله ـ مما سيحل عندما نصل إلى مرحلة أكثر خطورة وفوضوية وتشرذما ، فالجميع مشارك، والكل لعب ادواراً سيئة وانتهازية في بعض الاحيان حكومة وبرلمانا، كتلا وقوى واحزابا ومسؤولين وشخصيات سياسية، في بغداد وكردستان وباقي المحافظات، الجميع يحاول أن يفصل الامور والقضايا بما فيها الدستور والقوانين والاحداث على مقاسه ومصالحه ويدعي أنه في ذلك يمثل حق ومصلحة الشعب والبلد ، فيما هو ويمزق الصف ومعه البلاد والعباد، ويعتقد أنه الفرقة الناجية التي تملك الحق والحقيقة، بينما الواقع أن الكل يشارك بطريقة ما في حفلة المزالق السيئة هذه.اليوم نحن في وضع مأزوم ومشهد يشبه الرمال المتحركة، والعناد والتناطح سمة الأغلبية من المُمسكين بخيوط اللعبة السياسية، والعتب والشجب والإدانة للمواقف والأفعال المجانبة للحكمة والرشد لن تجدي نفعاً، ولن تُنقِذ مركباً يتهادى دون هدىً بين الأمواج العاتية..ومع كل ذلك يجب أن يظل الأمل سمة الشعوب الحية، والعمل من أجل تحقيق الأمل في اصلاح الامور وقيادة البلد الى بر السكينة والهدوء في ظل أوضاع المنطقة المتوترة يجب أن لا نيأس منه..
نعم، لن نفقد الأمل؟ بل يجب أن نستجمع كل قوتنا لكي لا نفقده،لذلك المواطن والبلد اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: اما أن يفقد الأمل وينتظر ما يخبّئه له القدر، لا نحرّك ساكناً كالشعوب المغلوبة على أمرها، ونترك البركة والهرج والمرج تقودنا الى حيث تشاء وعلى (حس الطبل..) كما يقال، ونترك حاضر ومستقبل البلد والشعب والاجيال القادمة يضيع من بين أيدينا، ولانظن أننا كذلك. واما أن نبقي على بصيص من الأمل، نعمل متّحدين من أجله، عاقدين العزم على تغيير ما يمكن تغييره من واقعنا السيىء ومعالجة أسبابه، واضعين اختلافاتنا ومصالحنا الذاتية الضيقة جانبا، كي نصل في يوم ما نحن وأبناؤنا من بعدنا لذلك النور الموجود في نهاية النفق. والخيار دائماً وأبداً يبقى بأيدينا نحن لا بيد غيرنا.
|
|