الغدير و ثقافة الولاية
|
*حسين الشمري
لم نجد في التاريخ يوماً ان الرسول صلى الله عليه وآله صرح وصدح بهذه العبارات التي تفوح منها آيات الاستبشار والفرح والسرور وهي (هنئوني. . هنئوني)! الاّ عيد الغدير الأغر وهو اليوم الذي عدّ أهم الاعياد الاسلامية لأنه يوم الولاية والامامة الذي اكمل الله تعالى علينا نعمته ودينه، والذي عبر عنه المصطفى صلى الله عليه وآله في حديث صريح: (يوم غدير خم افضل أعياد أمتي وهو اليوم الذي امرني الله تعالى بنصب اخي وابن عمي علي بن ابي طالب عليه السلام علما لأمتي يهتدون به بعدي وهو اليوم الذي اكمل الله فيه الدين واتم النعمة ورضي لهم الاسلام دينا).
ان يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام ليس يوماً تاريخياً كسائر الايام، بل هو عامل لكشف الحقائق وخير وسيلة لتكريس الوعي والثقافة الاصيلة في نفوس المسلمين التي طالما جهد الحكام وأهل السلطة على تشويهها وابعاد هذا اليوم الأغر عن أمير المؤمنين عليه السلام. ورغم ما فعلوه خلال العصور الماضية، لكن بفضل العلماء المجاهدين والطليعة المؤمنة الواعية ظلت جذوة الحق متوقدة في النفوس، وبقت شريحة لايستهان بها من المسلمين تحمل هذا الوهج الايماني، ولو ان جميع المسلمين توصلوا الى حقيقة الولاية لما كنا نشهد كل هذا الضياع والمآسي والتخلف الذي يتخبط فيه المسلمون في ارجاء العالم.
وفي الوقت الحاضر لا يماري احد من المسلمين ولا طائفة في حديث الغدير بتفاصيلها وقاله النبي الأكرم صلى الله عليه وآله في عودته من حجة الوداع، فقد سجلت كتب السيرة والحديث هتاف الرسول الأكرم أمام حشود المسلمين (من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه.. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله...). كما يؤكدون ان ذلك كان تنفيذاً للأمر الالهي بنزول الوحي بالآية الكريمة: "يا ايها الرسول بلغ ماانزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس...".
وجاء في العديد من المصادر السنية ومنها كتاب للشيخ الغزالي، ان عمر بن الخطاب قال لأمير المؤمنين وهو ينفذ ما أمره رسوله الله بالمبايعة، (بخٍ. بخٍ يا ابا الحسن لقد اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة). لكن المشكلة ان بين هذه المصادر وبين ثقافة المسلمين ثمة حاحزٌ من التخلف والفكر الجاهلي الذي حال دون فهم مسألة الولاية التي ارادها رسول الله لأمير المؤمنين عليه السلام، لذلك يتساءل المسلمون اليوم ودائماً؛ (إن كان حقاً ما تقولون، فلماذا تخلّى الامام علي عن الخلافة وتركها لغيره)؟! بل هنالك من ابتدع تحليلاً آخر وهو يدعي الحب والمودة للامام علي عليه السلام، فيقول: ان الامام زهد بالخلافة طوعاً، لأنه لم يجمع اجماع الأمة عليه بل على غيره!!
من هنا علينا ان نتعرف على الغدير من (صاحب الغدير) نفسه، فنحن عندما نراجع احداث ذلك اليوم التاريخي الرهيب، نصبّ جام غضبنا على من تخلّف عن جنازة الرسول الأكرم وانشغل بمصالحه السياسية، في حين اننا يجب ان نسلط الضوء ايضاً على المجتمع الاسلامي برمته على الاقل أولئك الذين سمعوا مقالة نبيهم في منطقة (غدير خم)، وحسب بعض المصادر التاريخية فان عددهم كان يصل الى مائة الف مسلم، فاين ذهب هؤلاء عندما كان الامام علي مشغولاً بتجهيز النبي الاكرم؟ واين هم ايضاً من (سقيفة بني ساعدة) التي تمت فيها المؤامرة على الاسلام؟
ان الامام علي عليه السلام يريد منّا ان يكون ايماننا و ولايتنا ليست لفظية وظاهرية، انما تنبع من الاعماق ومن الوجدان، وبذلك نتمكن من الدفاع عن هذه الولاية، فالايمان هو العمل والتضحية والجد والمثابرة، وليس فقط اظهار العواطف وترديد الكلام وحسب. ولذلك سيرة حياة أئمتنا عليهم السلام في التاريخ محاطة بهالة من النور يستضيء بها العلماء والمصلحون والثائرون على مر التاريخ، لأنها كانت توفر الحياة الكريمة للانسان وتضمن له السعادة في الدنيا والآخرة.
هذه الثقافة لو كانت موجودة عند بضعة آلاف من المسلمين آنذاك لما تمكن الآخرون من حرف مسار التاريخ وعصيان أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وتضييع الحق وتحكيم الباطل لتكون مسيرتنا حتى هذا اليوم ولا ظهور الامام الحجة المنتظر عجل الله فرجه، محكومة بمظلومية الحق وتسيّد الباطل.
|
|