رسالة الى الآباء.. القدوة الحسنة في الأسرة أو مواجهة الأزمات
|
*سعد الشمري
يحرص الاسلام دائماً على تقديم النموذج الحيّ والقدوة الحسنة للناس ليتمكنوا من اختيار الأفضل لنظام حياتهم، وهذا من أسرار نجاح الدين الاسلامي في اختراق القلوب والعقول منذ خمسة عشر قرناً، وهو نقطة امتياز هامة افتقدتها بقية الديانات السماوية، التي عُرفت في مراحل من تاريخها بالقمع والتنكيل تارةً والتضليل والتحريف تارةً أخرى، لنشر عقائدها وهيمنتها على مشاعر الناس. بينما ذكّرنا الله تعالى في كتابه المجيد إن الرسول الذي بعثه هو من بين الناس وليس غريباً عنهم، واللافت أن القرآن الكريم أشار الى هذه القضية ثلاث مرات منها قوله تعالى: " لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ" (آل عمران /164)
وعندما نريد بناء الأسرة السليمة والمجتمع المتماسك، نرى تأكيد الاسلام على النموذج الحيّ والقدوة الحسنة التي يجب أن تحمل راية التغيير وتتقدم المسيرة ليأتي الابناء ويسيروا على النهج، ومن دون ذلك لن تكون ثمة فائدة لأي نظرية أو نصيحة مهما كانت كبيرة ومهمة، فهي تذهب أدراج الرياح لأن لا صلة لها بأرض الواقع.
لنأخذ الأب مثلاً. فهو القدوة الذي يقلده ابناؤه حيث يعيش في بيته على طبيعته بغير تكلّف وهو الأمر الذي يجعله يتصرف على حقيقته ويظهر كوامنه أمام أفراد أسرته مما نرى إن الولد يقلد أباه تبعاً لذلك.
الحنان وليس الحقد والكراهية
والاب الناجح هو الاب الرحيم العطوف بابنه واسرته الذي يمنحهم الحب والعطف والحنان ويشملهم برعايته وبقلبه الكبير بحيث يشعرون بالسعادة الى جنبه، على عكس الاب القاسي الذي يلقن أفراد أسرته الحقد والكراهية والتوتر، طبعاً ربما لا يجد الأب غضاضة من سلوكه الشائن داخل الأسرة وما يترك من آثار على محيط الأسرة، لكن قد يأتي اليوم الذي يكون بحاجة الى الاخلاق والمُثل، عندما يتعلق الأمر بالسمعة والمكانة الاجتماعية عندما تتعرض للخدش والاساءة، كما نلاحظ في حالات الإدمان على المخدرات أو التسيّب الاخلاقي أو غير ذلك، فيحاول الأب أن يصلح الفجوة بترميمها ببعض النصائح، لكنها تكون هواء في شبك إذا كان قد صرف دهراً من عمره في اغراق أرضية الأسرة بالتعاليم والعادات غير الصحيحة، مما جعلها رخوة ومهددة بالانهيار.
من هنا على الأب أن يزرع في نفوس أفراد أسرته الود والحنان حتى يكون ذلك صورة مطبوعة في القلوب وليس فقط كلمات تسمع في الآذان، وكما يُقال: (الكلام الذي يخرج من القلب يدخل الى القلب، والكلام الذي يخرج من اللسان لا يتعدى الآذان)، ومن الطبيعي فان الود والحنان ونشر المحبّة يقطع الطريق على أي اختراق للعائلة من ظواهر شاذّة وأمراض اجتماعية، لأن الابناء يشعرون أن ليس لديهم فقراً من الناحية النفسية والروحية.
الحفاظ على هدوء الأسرة
عرفنا إن الأب هو القدوة والمثل الوحيد لأفراد الأسرة، فهم لا يعرفون أحداً سواه يدخل الى البيت يومياً في المساء فيتداول معهم شؤون البيت ومختلف نواحي الحياة، من جانب آخر، معروف لدينا إن الأب عندما يدخل الى بيته يعود محملاً بهموم الشارع ومشاكل العمل والناس و... وهذا ما قد يدفعه للاصطدام مع أيٍ من افراد الأسرة وفي المقدمة الزوجة وأيضاً الاولاد، والبعض يحاول أن يجعل من البيت ومحيط الأسرة المكان الذي يفرغ فيه غضبه وانتقامه على الحياة والمجتمع، في حين إن افراد الأسرة لا شأن لهم بما يجري في الخارج، الامر الذي يتعين على الأب في هذه الحالة أن يتحلّى بقدر كبير من الذكاء والصبر والفطنة، فالتسرّع والتكبّر في هذه الحالة قد يؤدي به ما لا يحمد عقباه.
فالأب الناجح هو الذي يتمكن من أن يكون داخل أسرته مثالاً للهدوء والاستقرار والتعقّل، وهو بالتأكيد سيثير انتباه أفراد الأسرة، بأن كيف له أن يدعو للهدوء وهو قد جاء من غابة المشاكل والأزمات في ظل الظروف الصعبة والمعقدة التي نعيشها حالياً؟
هذا السؤال بحد ذاته بداية ومفتاح التأثير والنفوذ الى قلوب الاولاد ذكوراً وإناثاً، وأول فائدة على هذا الطريق أنهم سيتضامنون معه في أي مشكلة أو غصّة يتعرض لها ويحاولون أن يرفعوا عنه همومه ويرويحونه. وأمام هذا الطريق المعبّد بالودّ والحنان، يكون من السهل على الأب التحدّث للشاب الفتى عما يجب فعله وما لايجب فعله و يعلمه الكثير من تجارب الحياة وطريقة التعامل مع الآخرين، كما يمكنه الحديث بكل ثقة وجدارة مع ابنته الشابّة عن مواهبها وكفاءاتها في محيط البيت ومستواها الدراسي وما تطمح اليه في المستقبل، وكيف هي علاقتها بالأم و.... والقائمة تطول.
لكن للأسف الشديد هنالك تصور مغلوط في أذهان الكثير حول علاقة الأب بابنائه، بان الركون اليهم والتحدث اليهم بلطافة وعفوية، يُعد استخفافاً بشخصية الأب، بل يتصور الكثير بان هذه الطريقة تفتح الباب أمام تمادي الابناء وتطاولهم وتشجيعهم على التصرف غير اللائق، ولكن اذا اتبع الأب سياسة حكيمة وذكية في هذا المجال، فانه لن يسمح بأن تنقلب السماحة والعفو الى تطاول وتمادٍ في السلوك والتعامل بينه وبين الأولاد. وبالنتيجة يكون موفقاً في خلق شخصية نموذجية داخل البيت أمام أبنائه وأيضاً زوجته، وقادراً على توفير أجواء السعادة والدفء في محيط الأسرة.
|
|