التدبر في القران الكريم .. خطواته والياته (1)
ضرورة التدبر..
|
*السيد سجّاد المدرّسي
أول تساؤل يطرأ على ذهن المتأمل في شؤون الحياة هو هل ان الله خلق الخلق ليتركهم يسرحون ويمرحون ويعيشون حياةً لاهدف يحكمها ولا غاية تحددها؟ وهل خلق الانسان لكي يتخبط في معيشته تخبطاً عشوائياً من دون هداية؟
اذا كانت اجابتك على هذين السؤالين بالنفي، سأوجه لك سؤالاً ثالثاً: اذن بأية وسيلة يعطي الرب خارطة الطريق للبشر، وبماذا يهديه السبيل المفروض اتباعها؟
فلنرجع معاً الى الاسئلة واحداً تلو الآخر لنعرف الهدف من الخلقة والوسيلة التي يمكننا ان نعرف الهدف في هذه الحياة.
لم يخلق الله شيئاً في هذا الكون الرحيب الا لحكمة دقيقة، كما ان الرب خلق السماوات والارض بالحق، ولم يتخذ الخلق لعباً، تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً فهو الحكيم وهو الحق الذي لا يريد الا الحق.
وخلق الانسان ايضاً لا يخرج عن اطاري الحق والحكمة، اذ ان الانسان هو حجر الزاوية في هذه الخلقة كما في الحديث القدسي (خلقت الاشياء لاجلك)، وفي نفس الوقت خلق الانسان لهدف سامٍ اذ ان الله خلقه لاجله (وخلقتك لاجلي). فلم يخلق الانسان ليعيش بضعة سنوات ثم يدفن تحت التراب او يحرق بالنار لينثر رماده في الهواء، او... بل خلق ليرتفع الى درجة يستقبل الرسائل من الرب تعالى حيث تبتدأ الرسالة بالجملة التالية: (من الحي الذي لا يموت الى الحي الذي لا يموت).
هذا عن الايدولوجية، اما الاستراتيجة، أي الهدف الابعد، فهو كما يقول ربنا عزوجل: "وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون" أي (ليطيعون). فهناك هدفية في الخلقة والحياة ولم يترك الرب العباد سدىً، بل ارسل اليهم الرسل والانبياء ليؤدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته، والاهم من ذلك ليفعلوا دور العقل في الانسان حسبما يقول امير المؤمنين عليه السلام: (وليثيروا لهم دفائن العقول).
وقد أكمل الرب كل الرسالات برسالة النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) والتي انطلقت من تعاليم الرب الواردة في القران الكريم وهو الذي خلّفه النبي الاكرم هادياً ونوراً وثقلاً أكبراً بجانب الثقل الاصغر.
والمسلمون الاوائل كانوا بقرب من النبي الاكرم والائمة الطاهرين (عليهم السلام) فكانوا ينتهلون من المعين الصافي العلوم والمعارف الربانية كما انهم كانوا يرجعون في صغير مسائلهم وكبيرها الى القران الكريم، واذا ما كانت تواجههم صعوبة في فهم معانيه بعد التأمل في الايات اسرعوا الى النبي (صلى الله عليه وآله) او المعصوم (عليه السلام) ليبين لهم معاني القران الكريم.
لكننا اليوم تركنا القران الكريم بحجة اننا فقدنا العترة المبينة لمبهمات القران، والمفسرة لاياته الكريمة، متناسين أوامر القران الكريم بالتدبر في القران كقوله تعالى : "أفلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها"، حيث استنكر الرب على الانسان – سواء المسلم أم غيره- ابتعاده عن التأمل في ايات القران.
ومن هنا فاننا نجد ان العلماء لا يقتصرون على استخراج الاحكام الشرعية من آيات الاحكام، او معرفة القصص التاريخية من خلال الايات المتحدثة عن قصص الانبياء، بل ان القران كتاب حياة يحوي بين دفتيه السنن الالهية الحاكمة والمهيمنة على الخليقة. واذا ما وصل الانسان الى معرفة السنن الالهية فسيكون بامكانه التناغم معها لكيلا يسير على الطريق المعاكس للذي رسمه الرب للبشر.
فضلاًُ عن ذلك فان القران هو الميزان الذي يمكن للمرء معرفة مكانته عند الله تعالى، وهل انه من اهل الجنة او النار، ولا يكون ذلك الا عبر العودة الى القران الكريم متدبرين آياته، خاضعين لتعاليمه، حيث قال الامام الصادق عليه السلام : (اعرضوا انفسكم على القران).
ومما مضى نعرف اهمية التدبر بالقران الكريم وخصوصاً اذا ما تأملنا في رواية امير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول: (استنطقوا القران)، وذلك لا يكون الا عبر الجلوس على مائدة القران والبحث عن اجابة لكل الاسئلة التي يحتار الانسان في الاجابة عليها.
|
|