المقال الافتتاحي
الشاعر.. والتراث
|
محمد طاهر محمد
التراث هو شخصية الامة ووجودها التاريخي، فهو الماضي الحي الذي يعّد مصدراً من مصادر المعرفة على الاصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وقد تعامل الباحثون مع التراث تعاملاً متفاوتاً حسب رؤية الباحث أو الناقد أو الشاعر، فالبعض كان موقفه من التراث متزمتاً في تشبثه بكل ما يتصل بالتراث دون الفصل بين غثه وسمينه، والبعض الآخر اتخذ موقف الرفض القاطع للتراث فكان متصلباً في رؤيته، وكان هناك موقف ثالث اخذ دور الوسيط بين هذين الخطين المتضادين وهو الموقف الانتقالي الذي اخذ من التراث ما يخدم إيديولوجية ويتماهى مع نظرته وتوجهه، وبقدر مايكون الموقف الاول عشوائياً يكون الموقف الثاني اغترابياً فكلاهما اساء فهم التراث ولم يستفد من كنوزه المعرفية اما الموقف الثالث فبقدر ما يكون اقترابه من مفهوم التراث فانه ينطوي في الغالب على الاقحام في الرأي والاحادية في الاخذ لذا يتطلّب من الباحث او الناقد الذي يخوض في التراث ان يكون موضوعياً في منهجه جاداً في بحثه ولا يكون لهواه حكمٌ على الحقيقة.
بعد هذا الاستعراض السريع لمفهوم التراث ومواقف الباحثين منه يتبادر السؤال: ماهو موقف الشاعر الآن من التراث؟ وكيف استغنى هذا الشاعر عن مصدر من مصادر المعرفة والابداع؟
وفي استقرائنا لتاريخ الادب العربي نجد ان الشاعر في كل العصور قد استفاد من موروثه (تضمينا) و( استلهاما) و(تشبيها) فضلاً عن فوائد اخرى تعنى باغراض الشعر واجزاء القصيدة واللغة والاسلوب والموسيقى وغيرها حتى وصلت العلاقة بين الشاعر والتراث الى الحد الذي نستطيع ان نقول ان التراث قد اصبح جزءاً من تجربة الشاعر وركناً أساساً في ثوابته الفكرية والابداعية والشاعر عندما يصل الى هذا المستوى في هضمه للتراث وتمكنه منه يكون على جانب كبير من الوعي لادراك الحقيقة ومن الحس للشعور بها وامتلاكها.
ان المطالع لما يكتب الآن من (شعر) يدرك ان الشعراء قد خسروا هذه الابعاد والمعرفية والثقافية للتراث بعد ان احدثوا قطيعة تامة معه فجاءت (نصوصهم) عقيمة وليس لها جذور ولانهم لم يحسنوا التصرف مع التراث بوعي ورهافة ومثلما نبذوه وعزفوا عن مكنونه الثر، فانهم لن يجدوا مكاناً في سجله الحافل بالابداع.
|
|