سفراء الحسين
|
*محمد علي جواد تقي
تماماً كما فعلت عقيلة بني هاشم زينب بنت أمير المؤمنين (سلام الله عليه) عندما حملت من أرض كربلاء نسخة متكاملة وناصعة من صورة الملحمة الحسينية الدامية، قامت شريحة من المجتمع العراقي المهاجر والمهجّر في عقدي السبعينات والثمانينات، بنقل نسخة متكاملة لكن هذه المرة، لأجوء الشعائر الحسينية بكامل تفاصيلها وبنفس طقوسها الساخنة... بداية كانت المحطة دول الجوار، وفيها ترك الكربلائيون – الحسينيون بصماتهم الغائرة في الوجدان والقلوب فأحدثوا أمواجاً من المشاعر غيّرت مجرى حياة الكثير في تلك البلدان، ومع استمرار قافلة الهجرة والتغرّب، وصلت راية الشعائر الحسينية الى أوربا وأمريكا وأخيراً استراليا ونيوزلاندا.
في الحقيقة إن للإمام الحسين (عليه السلام)، سفراء يتفوقون كثيراً على المتنافسين على هذا اللقب في عالم السياسة بصفات التضحية والتحدي، فهم ليسوا موظفين أو مأمورين، إنما متطوعون مقدامون، لأنهم دائماً في سعيٍ للحاق بركب أبطال الطف، لذا كانت الهيئات النسائية والرجالية والشبابية وحتى هيئات الأطفال، والمواكب والتكايا ومواقد الطبخ العامرة والموائد الفسيحة، كلها تأتي عفوية وباندفاع لايمكن تفسيره بمعادلة مادية، وكما جاء في الحديث الشريف: (الكلام الذي يخرج من القلب يدخل الى القلب، والذي يخرج من اللسان لا يتعدى الآذان)، ففي دول الجوار حيث اشتراك اللغة والدين والتاريخ سهّل المهمة الى حدٍ ما، فكان الخطاب مباشراً والوقع مدوياً، مثلاً... توزيع الأطعمة والمشروبات في أيام عاشوراء على المشاركين في المآتم والمجالس الحسينية وحتى لغير المشاركين، هي سنّة لم يعهدها غير العراقيين، وما هي إلا سنوات حتى أخذت هذه السنّة الحسنة وأيضاً الشعائر الحسينية مكانها في بعض المجتمعات، أما في بلاد الغرب التي حلّ فيها العراقيون المهاجرون (السفراء)، فانهم ابتكروا طريقة ذكية لإيصال رسالة الإمام الحسين الى ذلك المجتمع الذي لايدين بدين الاسلام، فقبل أن تنطلق المواكب الحسينية في الشوارع براياتها ولافتاتها الكبيرة وهتافاتها المدوية وسط دهشة واستغراب الناس، تنطلق مجاميع من الشباب والشابات المؤمنات بتوزيع منشورات على المارة والمتفرجين تتضمن تعريف مختصر بالقضية الحسينية، والسبب الذي من أجله تنطلق هذه التظاهرة، وأنها ليست معارضة للواقع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي القائم، إنما هي لتجديد وإحياء حركة معارضة لواقع فاسد بدأ قبل حوالي ألف وأربعمئة عام وتعد الظلم والطغيان والانحراف حالة انسانية مستديمة لابد من كبح جماحها قبل أن تنقلب وبالاً على صاحبها.
وهنالك خصلة أخرى يتحلّى بها السفراء الحسينيون وهي الإصرار على إقامة الشعائر الحسينية بمختلف أشكالها، مهما كانت الظروف، وهي مسألة جوهرية ومحورية، تلتقي عندها كل عومل التحرك والنشاط الحسيني، لأن لولا هذا الاصرار والعناد لما وجدت التضحية والتحدي، ولم نسمع في يوم ما أو زمن من الأزمان أن تمت تسوية أو تراجع بين السفراء الحسينيين وشعائرهم وبين السلطات الحاكمة في أي مكان، وكيف يتسنّى لهم ذلك، وقد تعلّموا دروساً بلغية من التاريخ القديم والمعاصر في العراق في الإصرار والتحدي.
لذا فان الجيل الجديد من الهيئات الحسينية في العراق يفتخر بانه امتداد لأجيال من الهيئات والمواكب الحسينية، تمثّلت صرخة الرفض والإباء الحسيني في العراق وفي خارجه لتنقل الى كل ذي عقل و ضمير قضية التهديد التي يواجه القيم الدينية والمفاهيم الاخلاقية ما وجد إنسان حيّ على هذه البسيطة.
|
|