العطاء الرسالي.. قدم صدق مع الحسين (ع)
|
الشيخ محمد حسن آل ابراهيم
يبحث كثير منا عن دور فاعل ما في أكبر تظاهرة دينية، ثقافية، اجتماعية، وسياسية يعيشها العالم الإسلامي، على الأخص الشيعي، بل العالم أجمع تقريبا، هذه التظاهرة هي (عاشوراء الحسين عليه السلام، والتي يشكل فيها الشباب الحسيني المتوقد بعنفوان كربلاء بركاناً من النشاط والعمل الدءوب؛ حيث تصهر القيم الحسينية الأرواح والنفوس وتعيد صياغتها وقولبتها بل وتوظيفها في مسار لو قدر له أن يستمر خارج النطاق الزمني للموسم الحسيني لتبدلت وقائع كثيرة على الأرض ولكن بشرطها وشروطها؛ لأن هذه التظاهرة العظيمة بما تعج به من حركة تعبر عن رغبة جامحة للعطاء، وتكشف عن طاقات كامنة يمكن من خلال توجيهها وترشيدها النهوض بالكثير من المشاريع الكبرى.
مفهوم العطاء ومصدره: إن ظلال معنى العطاء بالمفهوم العام لا يتجاوز معنى الجود في سعته وقدره ولكن بمجرد أن يقال (العطاء الحسيني) فإنه يضفي على معناه الفعل المستمر للعطاء بل التنمية المستدامة لمناهل هذا العطاء وموارده، وهنا ينبغي أن ندرك أن (العطاء الحسيني) هو عطاء رباني بما للكلمة من معنى.. أوليس كل ما عند الحسين عليه السلام هو إرث النبيين والصديقين والشهداء؟. بلى نحن نقرأ في زيارة وارث عن أكبر ميراث منذ خلق الله السموات ومن فيها والأرضين ومن عليها، هذا الميراث الإلهي هو مصدر العطاء الحسيني؛ أو ليس (الحسين مصباح هدى) كالشمس تشرق على جميع الخلق والموجودات في كل يوم وعلى كل أرض ويعمهم بنوره؟ وسواء آمنوا بوجود هذا النور أم لم يؤمنوا، كذلك فإن الله سبحانه وتعالى يمد جميع الخلائق بالوجود والنعم والآلاء. إن الحسين (ع) بوصفه وارث رسالات الله والتي هي من أعظم عطايا الرب للبشر يمثل عطاءً ربانياً مستمراً؛ وعليه فإن العطاء من (رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) و (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً) .إذاً فالعطاء الحسيني عطاء غير محدود وغير مجذوذ أي أنه، اولاً: عطاء لكل البشر. ثانياً: عطاء مستمر لكل زمان ومكان.
لنكن حسينيين حتى خارج الموسم الحسيني، لأن الحسين (ع) لكل زمان ومكان، فلتكن جميع فصول السنة مواسم حسينية، وبمعنى مساوق (مواسم رسالية)، فلكي تنهض مجتمعاتنا وتتغير للأفضل فلابد من استدامة العطاء، ولابد أن يكون عطاؤنا متناسباً كماً وكيفاً مع العطاء الحسيني المقدّس. نحن نقرأ في زيارة عاشوراء (اللهم اجعل لي قدم صدقٍ عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (ع)). وفي هذا المقطع اشارة واضحة إلى العمل والعطاء فلكي تتقدم وتقترب من مقام الحسين (ع) لابد وأن تحب عمل الحسين (ع) وعطاءه وهذا الحب يحتاج أن تبرهن على صدق دعواك في حب الحسين بقرينة (إجعل لي) فقطعاً ليس المراد أن يجعلني أحب الحسين وأصحابه إذا المحبة القلبية حاصلة ولكن المقصود هو أن يجعل الله لي ولك عملاً صالحاً يكون تصديقاً لهذا الحب ومن ثم هذا العمل يسهم في التقدم نحو الحسين والتقرب من مقامه العالي في الدنيا حيث نقف مواقفه الشريفة، وفي الآخرة في جنات النعيم، وفي هذا المقطع (الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (ع))، تلميح آخر وتلويح بأن أقواماً طلبوا من الله قدم صدقٍ عند الله لهم مع الحسين فصار قدم صدقهم ذبحهم وترميل نسائهم؛ وبذلك استحقوا صحبة الحسين (ع) في الدنيا والآخرة، فعلينا أن نجيب على السؤال المُلِح التالي: هل أنت مستعد لبذل مهجتك في سبيل الله وعلى خطى الحسين (ع)؟
إذاً فمجرد المحبة لا تكفي للوصول لمقام الشهادة على الأمة فقدم الصدق مع الحسين (ع) تعني العمل و الفعل وليس فقط الانفعال والقول فحسب. إن عطاء الإمام الحسين (ع) النوعي لا يكافئه إلا عطاء نوعي من الشباب الرسالي الواعي لذلك يجدر بنا البحث عن نوعية العطاء، فماذا سأعطي وأين ومتى وكيف والأهم من ذلك معرفة (لماذا) والتي تعني الهدف والغاية من كل ذلك وتضمن اتساق الوسيلة مع الهدف.
العطاء.. حياة: إن استجلاء عظمة العطاء الحسيني لا ينبغي أن نتكلس أمامها أو نجمدها كمشهد ساكن تحجزه زجاجة رقيقة ويحده إطار ذهبي سميك!، بل هذا الإستجلاء الظاهري ينبغي أن يحاكيه حراك باطني في كل قلب وعقل لتتحول دروس كربلاء لواقع عملي ولثقافة حياتية تنبعث مع كل يوم وفي كل أرض لتكون (كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء).إن ثقافة العطاء التي نحتها أبو عبد الله الحسين عليه السلام في الأمة تعد كنزاً من الكنوز بل سراً من أسرار النهوض الحضاري لها.ولا ينبغي فقط أن نوصّف هذه الثقافة بل ينبغي أن نوقن بالقدرة العجيبة لها على اجتراح المعجزات، حيث لا يقصد هنا قدرتها على إدارة الغيب في الواقع ومن ثم تغييره بل قدرتها على إحداث تغيير نوعي وطفرات في الواقع المعاش تعجز كثير من المذاهب والتيارات الفكرية بمختلف مشاربها على إحداثها وهذا هو معنى اجتراحها للمعجزات.
|
|