يزيد.. جرائم منكرة على طول الخط
|
*سعد مغيمش الشمري
عندما يطرق أسماعنا إسم (يزيد) يتبادر الى أذهاننا فوراً ما اقترفه من جريمة كبرى في التاريخ، وهي قتله ابن بنت رسول الله في تلك الواقعة التي تركت أصداءً في الوجدان والتاريخ والحضارة، لذا ارتبط هذا الإسم بهذه الجريمة النكراء، لكن من هو يزيد بن معاوية؟ وما هي خلفيته الاجتماعية التي أوصلته الى هذا الانحراف البعيد عن الدين وعن القيم الانسانية؟
*النشأة - الجريمة..
تقول المصادر ان يزيد (لعنه الله) ولد بين عامي 25 و 26 للهجرة، من أم نصرانية تدعى (ميسون) وهي من قبيلة بني كلاب، وتشير المصادر التاريخية إنها لم تدين بدن الاسلام وتركها معاوية على ديانتها، وقبل أن تلد هذا المولود المشؤوم عادت الى اهلها في البادية لتلده هناك بين أهلها النصارى، فيما نشأ يزيد بين أخواله بعيداً عن أجواء المسلمين.
ربما لا أحد أكثر من معاوية يعلم بنشأة يزيد وفي أي بيئة ترعرع وفي أي حضن نما وتربّى.. كما لا يجهل التعارض الكبير بين هذا النهج التربوي وبين النهج التربوي للاسلام، لكن طغيانه و ولعه بالسلطة والهيمنة دفعه لأن يطأ كل القيم والالتزامات الدينية، بل حتى يتجاهل علناً كل الضوابط الشرعية والقيم الدينية، وكان يتطلع دائماً هدفين من جملة عدة أهداف في مسيرته التآمرية على الاسلام:
الهدف الأول: الاستيلاء على الحكم وإخراجه من إطار الخلافة الاسلامية، لينتصر بذلك لأبيه وبني قومه من مشركي قريش الذين كانوا مايزالون يشعرون بمرارة الذلّ التي استشعروها يوم فتح مكّة، رغم إن النبي الأكرم أنصفهم جميعاً مع تاريخهم الاجرامي الأسود.
الهدف الثاني: إخراج الخلافة من المدينة المنورة التي أرسى فيها الرسول الأكرم دائم أول حضارة إنسانية عظمى في التاريخ، منها انطلق شعاعها الى الآفاق، واستبدالها بالشام، والسبب في ذلك هو تخلصه من الالتزامات الدينية التي لاشك ستقيده وتحصي عليه منكراته وتجاوزاته، وعليه فان خيار ابنه يزيد للخلافة من بعده كان يُعد بالنسبة اليه أمراً حياتياً ومصيرياً، والأهم من كل ذلك، وجد أن اللازم انصياع جميع المسلمين بكل فئاتهم وحتى رموزهم الكبار من ذرية رسول الله والصحابة الأجلاء.
وبعد استشهاد الإمام الحسن (ع) أثر السمّ الذي دسته له زوجته الخائنة جعدة بنت الأشعث بعد أن خدعها معاوية بوعده بتزويجها من ابنه يزيد، أرسل الى مروان بن الحكم والي المدينة آنذاك بان يأخذ البيعة ليزيد ومن وجهاء القوم، فكان الاستنكار والرفض الرد القاطع لهذا الطلب.
وبما ان المدينة المنورة تُعد مركز ثقل الدعوة الإسلامية، وفيها مساكن بني هاشم وآل أبي طالب، وبقية الصحابة الكبار، والشخصيات البارزة في المجتمع الاسلامي، فان أخذ البيعة من هذه المدينة يمثل انتصاراً كبيراً لمعاوية، ولكن كان في مقدمة الواقفين بحزم أمام هذا الطلب الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وعندما أحسّ معاوية أن لا جدوى من مروان في هذه المهمة، عيّن مكانه سعيد بن العاص والياً عليها وأوصاه بأن يأخذ البيعة في المدينة المنورة من المهاجرين والأنصار وبالقوة، كما أوصاه بأن يشدد الرقابة على الإمام الحسين (عليه السلام) ورصد تحركاته، بكل ما يمكن سواء أكانت صغيرة أم كبيرة، وعندما دعا الوليد ومروان الامام الى دار الإمارة لمبايعة يزيد (لعنة الله عليه) أطلق صرخته بوجههم مبيناً صفات الفسق والفجور وارتكاب المحرمات التي يحملها ابن معاوية، وقال قولته المشهورة والمدوية: (يزيد شارب الخمور، راكب الفجور، قاتل النفس المحرمة، ومثلي لا يبايع مثله).
وجاء في التاريخ أن معاوية (لعنة الله عليه) قدم الى المدينة في إحدى السنين في طريقه الى الحج، فأوفد الى الإمام الحسين (عليه السلام) والى عبد الله بن الزبير، والتقى بهما كلاً على إنفراد ودعاهم الى قبول البيعة فرفضها كلاهما، وبعدها احتجب معاوية عن الناس ثلاثة أيام ثم خرج فأمر المنادي أن ينادي بين الناس أن يجتمعوا لأمر هام فأجتمع الناس، فأخذ معاوية يحدث الناس بفضائل ابنه يزيد (لعنة الله عليهم) وأنه طلب البيعة من كل القرى والمدن فأستجابت البيعة إلا أهالي المدينة.
فحاججه الإمام الحسين (عليه السلام)، وبعدها أشاع أن الإمام قد قبل البيعة فذهب أهالي مكة الى الامام الحسين (عليه السلام) يسألونه عن بيعة يزيد وأنه دعا الى مبايعته، فقال (عليه السلام): (لا والله ما بايعنا، ولكن معاوية خدعنا وكادنا ببعض ما كادكم به).
*مفكرة الإجرام..
- في السنة الأولى من توليه الحكم على رقاب المسلمين، عيّن عبيد الله بن زياد والي الأمويين على البصرة، ليتسلم الولاية على الكوفة أيضاً، وقد تزامن ذلك من تحرك الإمام الحسين (عليه السلام) نحو الكوفة، بعد وصول رسائل البيعة والولاء، فكان ابن زياد يحمل كتاب يزيد بولاية الكوفة، ومنها أعلن انه الوالي، ومن أولى مهامه مواجهة مسيرة الامام الحسين ومنعه من الوصول الى الكوفة، وقد حصل له ما اراد وما أراده أيضاً سيده في الشام، وحصل ما حصل في صحراء كربلاء يوم العاشر من محرم، وتوقفت قافلة الحسين على الأرض، لكنها استمرت على مر التاريخ والاجيال.
- في السنة الثانية وحسب المصادر التاريخية، اقتحم الجيش الأموي مدينة رسول الله بأمر مباشر من يزيد (لعنه الله)، لإخماد انتفاضة قام بها المهاجرون والانصار، احتجاجاً على سياساته الظالمة، فكان الردّ ليس فقط مواجهتهم وإنما استباحة المدينة المقدسة ثلاثة أيام متوالية، وعدّها من مدن الكفار المحاربين، فبعد أن قتل من المهاجرين والانصار حوالي سبعمائة شخص وعشرة آلاف من الموالي والعرب التابعين، أعطى الحق لجنوده بانتهاك أعراض المسلمين، ويذكر التاريخ تفاصيل هذه الواقعة المروعة التي تسمى بـ(واقعة الحرّة)، التي لم تسلم إمرأة ولا فتاة من اغتصاب الأمويين، ما عدا من لُذن بدار الإمام زين العابدين (عليه السلام).
- في السنة الثالثة، هاجم جيش يزيد مكة المكرمة وضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق، وذلك بعد أن ثار أهل مكة ضد الوالي الأموي وأخرجوه منها وسائر بني أمية وبايعوا عبد الله بن الزبير.
- في السنة الرابعة والأخيرة من حكمه أرسل يزيد مرة أخرى جيشاً بقيادة مسلم بن عقبة الذي أطلق عليه بعض المؤرخين إسم (مسرف بن عقبة)، لما كان يسرف في القتل وانتهاك الحرمات، وكان هذه المرة لقمع ثورة عبد الله بن الزبير في مكة، فحاصر المدينة وضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق واحرق البيت الحرام.
وبعد ذلك لم يدم يزيد في حياته سوى أيام إذ رحل عن هذه الحياة بصورة غامضة وغير معروفة، وهناك أقوال في التاريخ عن سبب موته، ويقال أنه ضل الطريق فقتله أحد الزارعين أو الرعاة، أو ما شابه ذلك، في كل الاحوال، طواه الزمن ولم يعرف لقبره أثراً، بل لم يجرؤ أحد على الحديث عن هذا الموضوع، وبذلك يكون في مرتبة أخس وأدنى من أبيه الذي يقال إن لديه أثر من قبر، لكن هو الآخر لا يجرؤ أحد على الحديث عن زيارته والتورط بذكره.
|
|