حماية المستهلك بين النظرية والتطبيق
|
د.ضياء عبد الله الجابر(*)
أضحى السوق العراقي بعد (9/4/2003) مغرقاً بمختلف السلع والبضائع، والتي لم تخضع لفحوصات الجودة والنوعية بالشكل المطلوب، فأثر ذلك بدوره على المستهلك، الذي كان ولسنوات طوال محروماً من العديد منها، لظروف صعبة مر بها العراق، فنراه شغوفاً لاقتناء هذه السلع أو تلك على الرغم من عدم علمه في أغلب الأحيان بمواصفاتها الدقيقة، ونوعياتها، بل حتى منشأها في أحيان أخرى، الأمر الذي جعله يتعامل على الثقة، التي يستمدها من صديق حيناً أو مجرب حيناً آخر، أو بناء على تجربته الشخصية مع المسمى، والتي قد لا تطابق واقع الجودة لهذه السلعة والذي من المفترض أن يكون متوافراً بمجرد دخولها للأسواق العراقية.
ويعد المستهلك الطرف الضعيف في العملية التجارية لبيع السلع، والانتفاع منها، وعلى اختلاف أنواعها، فما أحوجه إلى حماية قانونية، وعلى جميع المستويات (جزائياً ومدنياً وإداريا)، وحسنا فعل مشرعنا العراقي، بإصداره لقانون حماية المستهلك رقم(1) لسنة 2010، والذي تناول بالتنظيم هذه الحماية من حيث الجهة المختصة بمتابعة تطبيق القانون والتي أسماها(( بمجلس حماية المستهلك))، والعمل على تحقيق أهدافه والتي تتمثل بالاتي:-
1- ضمان حقوق المستهلك الأساسية وحمايتها من الممارسة غير المشروعة التي تؤدي إلى الأضرار.
2- رفع مستوى الوعي الاستهلاكي.
3- منع كل عمل يخالف قواعد استيراد أو أنتاج أو تسويق السلع أو ينتقص من منافعها أو يؤدي إلى تضليل المستهلك.
كما تضمن القانون جملة من المحظورات التي يتوجب على البائع، والمصنع والمورد، شخصاً طبيعياً كان أم معنوياً، الابتعاد عنها، ومنها ممارسة الغش والتضليل والتدليس وإخفاء حقيقة المواد المكونة والمواصفات الخاصة بالسلع، واستعمال القوة مع لجان التفتيش ومنعهم من القيام بواجباتهم، إنتاج أو بيع أو عرض أو الإعلان عن أي سلع أو خدمات مخالفة للنظام العام أو الآداب العامة، أو سلع لم يدون على أغلفتها أو عليها وبصورة واضحة المكونات الكاملة لها والتحذيرات إن وجدت، وتأريخ بدء وانتهاء الصلاحية وباللغة الرسمية، اخفاء أو إزالة أو تغيير الصلاحية، أعادة تغليف أو تعبئة المنتج التالف أو المنتهي الصلاحية، وإلا تعرض لعقوبات جزائية تضمنها القانون، باعتبارها نصوص خاصة تطبق دون النصوص العامة الواردة في قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل.
ولكننا وفي الوقت الذي نشد فيه على يد المشرع العراقي(مجلس النواب)، في تشريع مثل هكذا قانون لما له من أهمية بالغة في حماية المستهلك، من خلال تجريمه لأعمال الغش والنصب والتحايل، وضمان عدم إغراق السوق العراقية بالبضائع الرديئة، وتحميل من يقوم بذلك مسؤولية أعمال هكذه، نتمنى ونأمل من الجهات التنفيذية، والقضائية أن تضعه موضع التطبيق، وأن لا يركن، أو يبقى في طي النسيان أو التناسي.
ويتم ذلك من خلال:
أولاً- الإسراع في تشكيل مجلس حماية المستهلك الذي نص عليه القانون، برئاسة شخص من ذوي الخبرة والكفاءة في الأمور المتعلقة بحماية المستهلك، ويحمل شهادة أولية وبدرجة وكيل وزير، وبأعضائه (مدراء عامون) ومن مختلف التخصصات، وكان المشرع موفقاً في فرضه لهذا التعدد ومن الجهات ذات العلاقة بالعمل (وزارة الصناعة والمعادن، وزارة التجارة، وزارة الصحة، وزارة الزراعة، وزارة الاتصالات)، وأعضائه من الخبراء (وزارة البيئة، المديرية العامة للكمارك، الهيئة العامة للسياحة، الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية)، وأعضاء يمثلون (اتحاد الصناعات العراقية، اتحاد الغرف التجارية العراقية، إحدى الجمعيات الزراعية) وأعطاه من الصلاحيات الكثير من أجل تطبيق أحكام القانون، بوضعه لنظام داخلي يبين فيه طريقة عمله والآليات المتبعة.
ثانياً- تفعيل دور الجهاز واقعياً ومتابعة السوق العراقية، وفي جميع الأوقات، سواء كانت أوقات الدوام الرسمي أو حتى خارج أوقات الدوام، وهو ما نص عليه القانون.
ثالثاً- إعادة النظر في العقوبات التي وردت في القانون، كونها لا تتناسب مع جسامة وخطورة الأفعال المجرمة، وعليه ندعو إلى تشديد العقوبة وجعلها الحبس لمدة لا تقل عن سنة أو ثلاث سنوات، أو السجن، والسجن المؤبد، والإعدام خاصة إذا أدت تلك الأفعال إلى وفاة شخص أو أكثر، ورفع الحد الأدنى للغرامة وجعلها لا تقل عن مليون وعدم تحديد الحد الأعلى لها، وجعل ذلك مرهون بقيمة السلع والخدمات المخالفة والتي قد تصل الملايين بل المليارات.
ونقترح جعل عقوبة الغرامة أصلية وليست بديلة أو بدلية من خلال رفع حرف العطف (أو)، واستبداله بحرف العطف (و)، لتكون العقوبات أكثر ردعاً مما يوفر حماية أكبر للمستهلك والسوق العراقية التي تحتاج الكثير من الرعاية والاهتمام وتعزيز الدور الرقابي فيها، حفاظاً على صحة وأرواح الناس، والتي لا يوجد أغلى وأثمن منها في هذا الكون، فالتفتوا وتنبهوا إلى ذلك أيها المسئولون يرحمكم الله.
(* ) مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
|
|