الفساد المشرعن
|
عماد جاسم
من بديهي القول ان محاربة افة الفساد المستشرية في البلاد تتطلب رؤية معمقة وحكيمة تعتمد الشفافية ووضع اسس المكاشفة وتبني خطط الاصلاح المنطقية وفق اليات التعبئة الجماهيرية وتاكيد دور النخب الثقافية والاكادمية والتربوية. لكن المطلب الغائب عن دراسة ظاهرة تفشي الفساد والذي هو الاساس في انطلاق معركة التصدي لتوابع الفساد من رشوة ومحسوبيات وواسطات هذا المطلب ازالة الفوارق او تقليص الفوارق بمدخولات موظفي الدولة لانتزاع حجج تعويض هذه الفوارق بطلب الهدايا او الاكراميات وابطال تلك الاعذار غير المنطقية. ولوضع الكل في مستويات موضوعية في الرواتب لانهاء اشكال التباين التي خلقت حالات كره مبطنة تترجم بوسائل غير اخلاقيية مدفوعة باليات الانتقام من الدرجات الوظيفية العليا التي يتقاضى اصحابها رواتب ترتفع بخمسة اضعاف اواكثر فيلجئاً الموظف البسيط في استثمار اي فرصة لتقليل الفارق الطبقي واعلان انتصاره على مديره او مسؤوله بتحقيق ربح بتمشية معاملة او فرض صعوبات على المراجع من اجل ابتزازه لدفع المقسوم
ونحن هنا لا تبرر جريمة الرشوة او الاختلاس من باب انساني او طبقي وانما هو تشخيص اسباب غائبة عن دوائر النزاهة والمتابعة المتقصية لدوافع تعاظم حالات الفساد والرشوة في بلاد محكومة بسلطة الاحزاب وبنفوذ الاقوياء الذين شرعوا قوانين المدخولات على المقاس الذي يناسب محاصصاتهم الوظيفية فباتت غير معقولة. وهو ما اصطلح عليه الفساد المشرعن، اي الذي اقر عبر اتفاقيات وقوانين سريعة التكوين باليات ترضي الكبار وتتجاهل الصغار، لان البلد بات بلد يرفه درجات معينة تتمتع بسكن محمي ومنافع اجتماعية تصل الى الملاين شهريا وحمايات خاصة لا تقوم فقط بوظيفة الحماية وانما الخدمة المنزلية والتسوق وامتاع الاطفال في الحدائق والنوادي الليلية والاجتماعية في وقت يقاسي فيه اصحاب الدرجات المتدنية من شظف العيش وتزايد المصروفات على مدفوعات التيار الكهربائي المزمن الانقطاع، فكيف يمكن المطالبة بتحقيق العدل وفرض العقوبات الكبيرة على من يخالف الظوابط ويطلب الاكراميات والرشاوى دون التاكيد على تحقيق حد ادنى من العدالة في قوانين توزيع الرواتب بسلالم تحمي البسطاء وترفع الفوارق الهائلة مع الدرجات الخاصة فهل يعقل ان تصل رواتب موظف بخدمة لا تزيد عن عام او عامين يعمل ضمن مكاتب الرئاسات الى اكثر من عشرة اضعاف مهندس او مدرس اكمل ثلاثين عاما وينتظر التقاعد. هذا اذا تحدثنا عن رواتب الموظفين اما مرتبات الدرجات الخاصة والتقاعد فالكلام يطول والبلوى اكبر والتبريرات مخجلة ولا تمت للمنطق او للمصلحة العامة ياي صلة
ومنظر مكاتب المدراء العاميين او وكلاء الوزراء او حتى المفتشين العاميين المتابعين لحالات الفساد في الدوائر، هذا المنظر يعكس بما لا يقبل الشك مدى الاستخفاف بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية بالحفاظ على المال العام او تحقيق التوازن المطلوب مع حالة التقشف التي تعلنها بعض الوزارات او تدني رواتب وحوافز الموظفين الصغار الذي امسو يعتاشون على النزر البسيطة التي يتكرم بها المسؤول الذي لا يملك اهلية هذه المسؤولية لكنه وصل الى هذا الكرسي الكبير لانه اقارب او صديق قديم لزعيم حزب متنفذ او نائب برلماني له قوة معينة وكثيرا ما تسمع عن ابن اخت النائب الفلاني صار مديرا عام ولا يمكن التفوه باي استفسار عن خدمته او خبرته او شهادته لانها من المحرمات. .ولابد التذكير بنثريات المسؤولين المليونية. احد الموظفين سرني بحادثة طريفة ان احد المدراء العاميين وبعد ان يكمل توزيع المكافئات والنسب الاكثر من النثريات على الحلوات من موظفاته يختار صاحب اجمل نكتة اضحكت مديرنا هارون الرشيد الجديد بعرشه الذي خلقته الموازين والقوانين غير المنطقية ليعطيه مكافئة اضحاكه !. اسئلة بحجم لوعة الفقراء والمعدمين وفاقدي الرعاية الصحية والانسانية والقانونية ارفعها لهيئة النزاهة ولديوان الرقابة المالية ارجوكم اوقفو هذا الفساد المشرعن وقللوا من فوارق المرتبات وراجعوا مخصصات وامتيازات ومصروفات وفخفخات المسؤولين لتنطلق فعلا اليات محاربة الفساد.
|
|