خطوات نحو الخشوع في الصلاة
|
*كريم الموسوي
لا شك في أن للصلاة أهمية كبرى في الدين الاسلامي فهي العبادة التي إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها، ولا شَكَّ بأن من علامات فلاح الإنسان المؤمن هو تمكّنه من أداء صلواته بخشوع وحضور قلب، وذلك لقول الله عزَّ وجَلَّ: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ".
وحديث النفس بإعتباره عاملاً من عوامل صرف الفكر والقلب عن التوجه إلى الله جل جلاله يُعدُّ آفة من الآفات المعنوية الشائعة التي تعترض طريق عباد الله المؤمنين بصورة عامة بل حتى الخواص منهم، حيث لا ينجو من هذه الآفة إلا من رحمه الله. وليس من شك أيضاً بأن حضور القلب والخشوع في الصلاة إنما هو هِبةٌ ربانية تحتاج إلى وعاءٍ طاهر ونقي وذلك لايتهيء إلا بتوفيق من اللّه وتسديده.
كيف نخشع في الصلاة ؟
لمعرفة السُبُل المؤدية إلى تحصيل حالة الخشوع والتوجه والإنقطاع إلى الله جلَّ جلاله، وكذلك للتعرُّف على موانع الخشوع والعلل المؤثرة في حرمان الإنسان من الوصول إلى هذه المرتبة السامية، لابد وأن نُصَنِّفَ هذه السُبُل والعلل حتى يسهل علينا دراستها والتوصُّل من خلالها إلى ما نَتمنَّاهُ من درجات الخشوع والإنقطاع إلى رب العالمين عزَّ وجَل َّبعونه وبتوفيقه.
إن الأمور والمؤثرات التي تمنع الإنسان من الوصول إلى حالة الخشوع والإنقطاع إلى الله جلَّت عظمته كثيرة نُشير إلى أهمها فيما يلي:
1-المعاصي والذنوب: أن الإلتزام بتعاليم الدين وقيمه وحلاله وحرامه هو من أهم العوامل التي توفِّق الإنسان للعبادة وتُوجد فيه حالة الخشوع والانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى. أما الإنسان المذنب والمرتكب للمعاصي فهو في حالة إبتعاد دائم ومستمر عن حالة الخشوع من جانب، وفي إقبال نحو وساوس الشيطان من جانب آخر، وقد يُسلَب منه التوفيق للعبادة ويُحرم منها لتورطه في المعاصي والذنوب.
2-الكسب الحرام: والمقصود منه الإبتعاد عن كل أنواع الكسب الحرام والحرص على حلِّية ونظافة طرق إكتساب المعيشة كالوظيفة أو التجارة التي يمارسها الإنسان، أو غيرها من موارد الإكتساب، ذلك لأن للمأكل والملبس والمكان وغيرها من الأمور ـ التي تُعد من المقدمات في العبادات ـ أثراً عظيماً في إيجاد الخشوع، وهذه الأمور إنما تتوفر للإنسان بالمال وإذا لم يكن المال المتكسب حلالاً فسوف تتأثر أعمال الإنسان بذلك بصورة عامة وخاصة العبادية منها، وأول هذه التأثيرات تظهر على القلب فتسلب منه النقاء والخشوع وتجعله عُرضةً لوساوس الشيطان، ومن ثم لا يقبل الله له عملاً.
مضافاً إلى أن الجسم يستمد قوته في العبادة من الطعام والشراب، فإذا كان طعام الإنسان وشرابه حراماً ومكتسباً من غير حلِّه بانَ تأثيرهما على العبادة فوراً، بل إن التأثير المعنوي للطعام والشراب يبقى في جسم الإنسان وروحه فترةً طويلة.
و عموماً فإن للطعام والشراب أثراً قوياً في تهيئة الظروف الروحية والنفسية للعبادة من حيث السلب والإيجاب. ولا بُدَّ أن نعرف أيضاً بأن للوسواس درجات كما أن للخشوع درجات، فمن زاد تورّعه عن الحرام والشُبُهات إزداد خشوعاً، ومن تساهل في شيء منها قلَّ خشوعه وضَعُف توجُهه إلى الله عزَّ وجَلَّ بنفس النسبة.
3- إمتلاءُ البطن: فقد رَوى أبو بَصِيرٍ عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السَّلام) قَالَ: قَالَ لِي: (يَا أَبَامُحَمَّدٍ إِنَّ الْبَطْنَ لَيَطْغَى مِنْ أَكْلِهِ، وأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ جَلَّ وعَزَّ إِذَا خَفَّ بَطْنُهُ وأَبْغَضُ مَايَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إِذَا امْتَلَأَ بَطْنُهُ).
4- العوامل الأخرى: وهناك عوامل أخرى تُسبب شرود الذهن في الصلاة مثل: التعب والنعاس والفرح والحزن والمرض والمكان غير المناسب، وغيرها.
موجبات الخشوع :
و بعد أن وفَّقنا الله تعالى لرفع الموانع والعقبات الموجودة أمامنا للحصول على التركيز والخشوع في العبادة، يأتي دور الحديث عن العوامل الإيجابية في إيجاد حالة التوجه والإنقطاع إلى الله عزَّ وجَلَّ في العبادةعموماً وفي الصلاة بوجه خاص.
1- الإيمان واليقين: إن الشرط الأول والأساس لتحصيل حالة الخشوع والإنقطاع إلى الله عزَّو جَلَّ إنما هو تحصيل الإيمان واليقين، فالإيمان هو الذي يجعل الأرضية خصبة لنمو روح الخشوع والتوجه التام إلى الله، ولولا الإيمان لم يكن للخشوع من معنى كما هو واضح، وكلَّما إزداد الإنسان إيماناً إزداد خشوعاً.
و واضحٌ أيضا بأن الإيمان إنما يزداد عن طريق زيادة معرفة الإنسان بالله سبحانه وتعالى.
2- التخلّص من كل ما يُشتِّتُ الفكر ويُشغل الذهن: يجب أن لا ننسى بأن من أسباب شرود الذهن وعدم التركيز حين الصلاة والعبادة وإنعدام حضور القلب لدى المصلي هو إنشغال فكره بالمشاكل التي تقلق بالَه، أو تعلُّق قلبه بما يهمه من أمور دنياه، فما أن يدخل في صلاته إلا وتتوارد عليه الأفكار والمشاكل المختلفة وتتجاذبه المغريات الكثيرة التي تُحيط به، فكم من مؤمن حريص على أداء صلاته بحضور القلب منعته أفكاره من الوصول إلى هدفه السامي، وما أن يُتمُّ صلاته حتى يكتشف بأن روحه لم تكن في الصلاة بل كانت خلال فترة الصلاة سارحةً في وديان الخيال والآمال والتصورات، أو يجد أنه كان يُتابع مسلسلاً تلفزيونياً، أو مباريات لكرة القدم، أو كان يعقد صفقة تجارية مبرحة، إلى غير ذلك.
ما هو الحل ؟
لكي يتخلَّص المُصلِّي من أمثال هذه الأفكار ويتمكَّن من الإقبال بقلبه كُلِّه على الله لا بُدَّ له من قطع الصلة بينه وبين كلما يدور حوله حال كونه في الصلاة، وهذا الأمر لا يتسنى له حتى يُعطي الصلاة حقها.
نعم للصلاة الكاملة والتامة شروط وآداب ينبغي معرفتها والمواظبة عليها حتى تتوفر الأجواء المناسبة للصلاة بابتعاد الإنسان عن كل ما يُشغل فكره وإهتمامه وينقطع عنها بصورة تامة أثناء مناجاته لرب العالمين.
و حالة الإنقطاع هذه يمكن تحصيلها عن طريق الالتزام بالمستحبات التي ترتبط بمقدمات الصلاة كالوضوء والأذان والإقامة ولباس المصلي ومكانه وغيرها. و من مميزات هذه المستحبات والآداب أنها تُبعد الإنسان عن تعلُّقاته الدنيوية رويداً رويداً، و تهيؤه للدخول في الصلاة بقلب خاشع شيئاً فشيئاً.
أما الذي لا يواظب على هذه المستحبات ويدخل في الصلاة فجأةً من دون أي مقدمات إنما يعطي الضوء الأخضر للشيطان ويُمكِّنه من نفسه لكي يسلُب منه التوجه والخشوع، ذلك لأنه لم يقطع صلته بَعدُ بما قبل صلاته من أفكار وأعمال، ولم يهيئ نفسه للدخول في الصلاة كما ينبغي.
عوامل أخرى مؤثرة في إيجاد الخشوع :
وهناك عوامل أخرى تؤثر في إيجاد حالة التوجه والخشوع وحصول التركيز لدى المصلِّي نُشير إليها بإيجاز كالتالي :
1- الإهتمام بأوقات الصلوات.
2- إختيار المكان المناسب للصلاة من حيث الهدوء وعدم وجود ما يُصرف إنتباه المُصلِّي أمثال الأصوات والصور وحضور الآخرين والنافذة أو الباب المفتوح أمام المصلِّي وغيرها من الأمور.
3- تركيز النظر إلى محل السجدة في حال القيام والقراءة والتشهد والسلام.
4- التدبّر في معاني الكلمات والأذكار التي تُقال في الصلاة.
5- تعويد النفس على الرجوع إلى حالة الخشوع كلما عرض للإنسان شيء من العوامل الصارفة.
6- المواظبة على النوافل.
7- المواظبة على الأدعية والأذكار والتعقيبات الخاصة بكل صلاة.
8- أكل الرمان فإنه مفيد لمعالجة الوسواس وحديث النفس.
و أخيراً نُذَكر بأن لحديث النفس أنواعاً وصوراً مختلفة، فمنها ما هو من قبيل الشك في العقيدة بسبب ما يلقيه الشيطان ويسببه من وساوس في صدور الناس طمعاً منه في التغلُّب عليهم وإبعادهم عن جادة الحق والصواب، فيلقي في نفوسهم الشبهات والتشكيكات ويبذل كل ما بوسعه من أجل تحقيق مآربه ونواياه، ويتوسل بكل الأساليب والوسائل، إلى غيرها.
|
|