قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

تميم بن المعز الفاطمي.. حُرم الخلافة وغَنِم الشعر
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *منذر الخفاجي
رغم أنه كان أكبر أولاد أبيه الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، إلا أنه لم يتولّ الخلافة بعده على العادة المتبعة، فقد آثر ابوه عليه أخاه عبد الله الذي توفي في حياة ابيه فتولّى الخلافة اخوه نزار الذي لقّب بالعزيز بالله. وربما كان ابوه يرى فيه وفي شخصيته مكاناً آخر غير مسؤولية الدولة والحكم والسياسة فأبعده عن هذه الامور كلها وهيأ له ما يلائم نفسيته وشخصيته، فهذا الامير الذي حُرم من الخلافة تربع على عرش الشعر والادب في مصر الفاطمية وقدّر له ان يكون واحداً من كبار الشعراء في تاريخنا الادبي فقد منحته حياته المليئة بالالم والاحساس بالحرمان والظلم وجوداً شعرياً من طراز رفيع حتى لقب بأمير شعراء مصر في العصر الفاطمي.
ولد الامير ابو علي تميم بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي الفاطمي في المهدية بتونس سنة 337هـ - 948م وكان ابوه المعز صاحب المغرب والديار المصرية وعندما بلغ تميم الخامسة والعشرين دخل مع ابيه المعز واركان دولته الى مصر بعد ان ضمها جوهر الصقلي الى أملاك الدولة الفاطمية وبنى القاهرة عام 362هـ. ظهر ميل تميم منذ صغره الى الشعر والادب و توزع شعره على شتى الاغراض وابرز مايميز شعره هو الابتكار في المعنى والوصف، وقد أودع شعره من المعاني القديمة كل جميل ثم اظهرها في ثوب جديد محلى بالالفاظ العذبة المنقاة. واجود شعره مدائحه لابيه واخويه اللذان توليا العهد بعد ابيه والتفاخر بمكارم الفاطميين وابداع البكائيات والمراثي في أهل البيت عليهم السلام وخاصة في سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام والرد على الشعراء المناوئين لهم فقد تصدى تميم لعبد الله بن المعتز العباسي صاحب القصيدة التي يفضل فيها العباسيين على العلويين التي مطلعها:
ألا من لنفسي واوصابها
ومن لدموعي وتسكابِها
وفيها يخاطب العلويين بقوله:
لكم حرمةٌ يابني بنته
ولكن بنوا العم أولى بها
فيعارضه تميم بقصيدة طويلة مطلعها
ألا قل لمن ضلّ من هاشمٍ
ورام اللحوق بأربابها
أ أوساطها مثل أطرافها
أ أرؤسها مثلُ أذنابها
أعباسها كأبي حر بها
عليٌ وقاتل نصّابها
وفيها يقول بعد أن يعدد فضائل امير المؤمنين عليه السلام ويثبت أنه افضل الخلق بعد رسول الله:
ونحن لبسنا ثياب النبي
وانتم جذبتم بهدّابها
ونحن بنوه و ورّاثه
واهل الوراثة أولى بها
وفينا الامامة لا فيكم
ونحن أحق بجلبابها
ومن لكم يابني عمّه
بمثل البتول وانجابها
ولشاعرنا قصيدة طويلة اخرى يعارض بها قصيدة لابن المعتز تحمل نفس الغرض يقول فيها:
ليس عباسكم كمثل علي
هل تقاس النجوم بالاقمار
من له قال انت مني كهارون
وموسى اكرم من نجار
ثم يوم الغدير ما قد علمتم
خصّه دون سائر الحضار
من له قال: لا فتى كعلي
لا ولا منصل سوى ذي الفقار
وبمن باهل النبي أ أنتم
جهلاء بواضح الاخبار؟
عُرف تميم بأنه شاعر مكثر مطيل، الفاظه فصيحة وتراكيبه سهلة مقتدر في التشبيهات والاستعارات. يقول الاستاذ محمد عبد الغني حسن الذي درس حياة شاعرنا وشعره في مقدمة كتابه عنه بعد ان بين اهمية دراسة هذا الشاعر: (انه شاعر مظلوم لم يأخذ حقه من التقدير حياً وميتاً ولم يفرد مؤلف قديم أو حديث له كتاباً مستقلاً إلا ماجاء مبعثراً في سطور نجدها في يتيمة الدهر للثعالبي والمغرب لابن سعيد ووفيات الاعيان لابن خلكان وحسن المحاضرة للسيوطي وإلا ماذكره باحثون مصريون معاصرون وهم المرحومون محمود مصطفى ومحمد كامل حسين استاذ الادب المجمعي واحمد احمد بدوي)
ولسنا نريد تكرار دراسة هذا المضمون الملخص الذي اعطاه الاستاذ عن حياة شاعرنا إلا انه يمكننا الاطلال على شعره فهو يعطي صورة اوضح عنه فقد كان شعره مطبوعاً خالياً من التكلف اكثر امتلاء بالصدق الفني والتعبير عن نظرته الى الحياة وكذلك التظلم منها بعد ان حرم من نعيم الملك وسلطانه فيضع نفسه في موضع المقارنة بينه وبين اخويه في مجال المفاضلة فيقول:
أنا فردُ النهى وربُ المعالي
وحسام الكفاح يوم الكفاح
انا مفتاح قفل كل نوالٍ
يوم يغدو الندى بلا مفتاحِ
انا كالجدِّ في الامور اذا ما
كان غيري فيهن مثل مزاحِ
ومن اشعاره في رثاء الامام الحسين عليه السلام قوله من قصيدة طويلة:
ثوت لي اسلافٌ كرامٌ بكربلا
همُ لثغور المسلمين سدادُ
اصابتهم من عبد شمس عداوة
وعاجلهم بالناكثين حصاد
فكيف يلذ العيش عفواً وقد سطا
وجار على آل النبي زياد
وقتلهم بغياً عُبيد وكادهم
يزيد بأنواع الشقاق فبادوا
بثارات بدر قاتلوهم ومكة
وكادوهم والحق ليس يكاد
توفي شاعرنا سنة 374هـ - 985م بمصر ودفن بالحجرة التي فيها قبر ابيه المعز.