حبيب بن مظاهر الأسدي.. فدائي أهل البيت (ع)
|
*سعد مغيمش الشمري
كان لاصحاب الحسين عليه السلام دوراً كبيراً وتاريخياً في ابقاء جذوة النهضة الحسينية متقدة فشاركوا مع إمامهم أبي الأحرار في صون الامة من الضلال، فقدموا في سبيل الله ارواحهم، فجاهدوا بالدعوة الى الله سبحانه وتعالى بكل مااتوا من قوة وقد اثمرت جهودهم في تلك الملحمة، فباتوا اليوم نجوماً ساطعة في تاريخ الابطال.
لقد كان الاصحاب تشكيلة فسيفسائية رائعة واستثنائية حقاً، فقد كان الصحابي الموالي ممن عاصر الرسول الأكرم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، وكان (العثماني الهوى)، مثل زهير بن القين، ومنهم العبد الأسود (جون)، والمسيحي (وهب)، والقائد السابق في الجيش الأموي (الحر)، وكان أيضاً حبيب بن مظاهر الأسدي.
فاذا كان حبيب بن مظاهر و مسلم بن عوسجة ينتمون الى (الكوفة)، فان موقفهم البطولي المشرف ابعدهم عن (الكوفيين) مسافة الارض والسماء، هذا الموقف هو الذي أوقد نار الحماس الذي بدوره أيقظ الضمائر فاندلعت الثورات والانتفاضات المتتالية بعد واقعة عاشوراء.
إنه حبيب بن مظهر او (مظاهر) بن رئاب الاسدي، ويكنى (ابي القاسم) ويكنى ايضاً (سيد القراء) لانه كان يختم القرآن كل ليلة بعد صلاة العشاء حتى مطلع الشمس.
مواقفه المشرفة
كان لحبيب بن مظاهر الاسدي مواقف مشرفة مع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله. يروى انه تشرف بخدمة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وكان من اصحاب الامام علي عليه السلام طيلة فترة ولايته وحتى استشهاده في محراب صلاته. فقد صاحب ورافق أمير المؤمنين عليه السلام في المرحلة الحرجة التي مرّ بها عليه السلام، كما وقف الى جانب الامام الحسن عليه السلام في حربه ضد معاوية الذي تآمر على الاسلام وسعى لاغتصاب الخلافة الاسلامية، كما صاحب الامام في حربه وصلحة، ويروى انه بعد معركة صفين رأى الامام علي عليه السلام حبيباً يبكي بكاءً شديداً فقال له لِمَ تبكي ياحبيب...؟! فقال: ولِمَ لا ابكي وشاركت معكم في معارك كثيرة ولم أوفق للشهادة في سبيل الله فأجابه الامام عليه السلام: ياحبيب...! إدخرك الله ليوم افضل من هذا اليوم ولشهادة اكبر من هذه الشهادة. ياحبيب ستنال وسام الشهادة مع ولدي الامام الحسين في ارض يقال لها (كربٌ وبلاء) في وقت انت الذي ستلبي النداء فيه.
في أرض الطف كان من الذين صدوا الرماح بصدورهم، والسيوف بوجوههم المشرفة، وكان في مقدمة الذين كتبوا الى الامام الحسين عليه السلام من أهل الكوفة يدعونه بالمجيء اليهم، وفي الكوفة كان يؤازر مسلم بن عقيل في أخذ البيعة للأمام عليه السلام من أهل الكوفة، حتى وصل الطاغية ابن زياد واستولى على مقاليد الأمور في المدينة على حين غفلة من أهلها، وأصدر أمراً باغلاق منافذ المدينة، وبعد ما جرى على مسلم وهاني، شدّ كل من حبيب ومسلم بن عوسجة الرحال لمغادرة الكوفة تحت جنح الظلام فأخذان يسيران ليلاً حتى وصلا الى معسكر الامام الحسين عليه السلام. ليكونوا شاهدان من أهلها على غدر وخيانة أهل الكوفة.
حبيب وبنو أسد
لما وصل حبيب مع مسلم بن عوسجة (رضوان الله عليهما) الى الحسين عليه السلام ورأى قلة انصارة وكثرة أعدائه أشار الى الامام الحسين عليه السلام بان هنالك حياً من بني أسد بالقرب منهم، فلو اذنت لي لسرت اليهم ودعوتهم الى نصرتك لعل الله ان يهديهم ويدفع لهم عنك. فأذن الامام الحسين عليه السلام.
ان اهم ما يميز هذا الشهيد العظيم إنه قام في الايام الاخيرة بمحاولة لتجنيد بعض الرجال من بني أسد من الذين كانوا يسكنون في منطقة قريبة من ساحة المعركة وكان يرجو أن يفوزوا بهذه الفرصة التاريخية بمشاركتهم في هذه النهضة المباركة، فسار اليهم حتى وافاهم فقال لهم: (يابني اسد ان الحسين بن علي بن أمير المؤمنين وابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قد نزل بالقرب منكم، وقد طوقه الاعداء ليقتلوه فأتيتكم لتمنعوه وتحفظو حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله فو الله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والاخرة، وقد خصصتكم بهذا لانكم قومي واقرب الناس اليّ)، فقال عبد الله بن بشير الاسدي: (شكر الله سعيك يا ابا القاسم... والله جأتنا بمكرمة ليس مثلها مكرمة اما انا فأول من يجيب) واجاب معه جماعة كبيرة، وبينا هم كذلك واذا رجل ينسحب ويتوجه الى ابن سعد واشياً بالأمر، فارسل الازرق ليتأكد من المعلومة مع خمسائمةٍ فارس فعارضهم ليلاً ليمنعهم، لكنه واجه مقاومة من بني أسد، فقاتلهم، فلما علموا ان لا طاقة لهم تراجعوا في ظلام الليل وعاد حبيب الى الامام الحسين عليه السلام واخبره بذلك فقال الاما : (وما تشاؤون الا ان يشاء الله.... ولا حول ولا قوة إلا بالله)
في ساحة المعركة
كان حبيب بن مظاهر يحظى بقوة بدنية وهيبة رغم انه كان يبلغ من العمر 57 عاماً، و لما اصبح الامام الحسين عليه السلام يوم العاشر من المحرم، بدأ ينظم صفوف جيشه مع قلة أفراده، وكانوا عبارة عن اثنان وثلاثون فارساً و اربعون راجلاً، فجعل زهير بن اليقين على الميمنة و حبيب بن مظاهر على الميسرة وجعل الراية بيد اخية العباس عليه السلام ولما رمى عمر بن سعد بسهم نحو الحسين عليه السلام هاتفاً ومبتهجاً بانه أول من رمى، ثم أنهالت سهام الغدر على مخيم الامام، بدأ القتال بين الجانبين، فحصل تنافس بين العباس عليه السلام وحبيب، كلٌ يقول: (ارواحنا فداء لك يا ابا عبد الله)، فكان أن تقدم الاصحاب ليدخر الامام أهل بيته للجولة القادمة.
وعندما سقط مسلم بن عوسجة على أرض المعركة وكان به رمق مشى اليه الحسين عليه السلام ومعه حبيب، فقال له حبيب: عزّ عليك مصرعك يا أخي يا مسلم... أبشر بالجنة، فقال قولاً ضعيفاً: بشرّك الله بالخير، ثم قال حبيب: لولا اعلم اني في أثرك لاحببت ان توصني بشيء مما يهمك، فقال مسلم مشيراً الى الامام الحسين عليه السلام، أوصيك بهذا، ان تموت دونه، فوعده جازماً ، ثم خاض حبيب عباب الموت فقتل اثنين وستون رجلاً من جيش الاعداء فحمل عليه بديل بن حريم فضربه وطعنه آخر من تميم برمحه فسقط الى الارض وذهب ليقوم واذا بالحصين يضربه بسيفه على رأسه، ثم نزل اليه التميمي فاحتز رأسه الشريف، فقال له الحصين: انا شريك في قتله، فاعطني الرأس أعلقة على رقبة فرسي كي يراه الناس ثم خذه انت الى عبد الله بن زياد فلا حاجة لي بما يعطيك هنا يتجلّى الحقد الذي يحمله الحصين الى حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه، بل والحالة الدنيئة التي بلغها اصحاب عمر بن سعد في تلك الساعات، لكن أين هم اليوم وأين حبيب واصحاب الامام الحسين عليه السلام. إن الزمان وحده ينطق بالاجابة، حيث مرقد حبيب ينفرد للزائرين الى جانب مرقد إمامه وسيده أبي الاحرار، ليكون دليلاً على جزاء التضحية والفداء في سبيل الله في الدنيا والآخرة.
|
|