تهويل قدرات الآخر أم تعزيز الثقة في النفوس؟
|
*محمد علي جواد
ما هي الخطوات المقترحة لمن يريد تحقيق النصر والتفوق على عدوه؟ هل بإظهار قدراته العسكرية والمخابراتية وانه ذو أيادٍ طولى في الجو والبر والبحر، أم بإظهار العجز والتخلف في اوساطنا مقابل التقدم والتطور في الجانب المقابل؟ أم بشكل آخر... إظهار العدو وكأنه قزم حقير يمكن لأي طفل صغير عندنا سحقه وابادته!
هذه خيارات اتبعتها بلداننا في ازمان مختلفة في مجال التعبئة الجماهيرية وخلق ثقافة المواجهة مع العدو، وبما اننا اليوم نعيش حرب افكار، وحرب وجود لا حرب حدود، فاننا يجب ان ناخذ كل الجوانب بعين الاعتبار ونحن اليوم بصدد النوع الثاني من الحرب والمواجهة، وليست القضية كما يقال (الحرب سجال. .. يوم لك ويوم عليك)، إنما هي عقود من الزمن بل وقرن كامل حتى يمكن إعادة الثقة بالهوية الثقافية والحضارية المتصدّعة خلال المواجهة. وهنا نتسائل؛ اننا والحال كذلك هل بلغنا الدرس المرير طيلة السنوات والعقود الماضية من المواجهة الثقافية بين الاسلام والغرب؟
لنتذكر قليلاً بدايات المواجهة بين الدول العربية وبين الكيان الصهيوني في بدايات احتلاله فلسطين واعلانه دولته عام 1948، عندما كان الاعلام العربي على هشاشته وحداثته يكرر مقولة (ان مهمة جنودنا إلقاء اليهود في البحر)! لكن ما ان ظهرت حقيقة القوة العربية امام (اليهود) تغيّرت اللهجة 180 درجة تماماً، فقد توجه كتابنا ومثقفونا ابتداءً من النصف الثاني من عقد السبعينات الى البحث والدراسة والترجمة في كتب وموضوعات تتحدث عن التقنية العسكرية الاسرائيلية والأذرع الاخطبوطية للـ (موساد) طبعاً الى جانب القوة العسكرية الامريكية في العالم. لأن منذ ذلك التاريخ يبدو ان المثقفين العرب أغلقوا باب التعبئة الجماهيرية ضد الكيان الصهيوني الى أمد غير معلوم بعد الهزائم المنكرة التي تلقتها الجيوش العربية في حروبها الفاشلة مع الكيان الصهوني، طبعاً جاء الغزو الاسرائيلي للبنان ليكسر آخر شوكة متمثلة في القوات الفلسطينية المسلحة المرابطة في هذا البلد، ويدق المسمار الاخير في ذلك الباب، وليفتح علينا باباً كبيراً وواسعاً للحديث عن غرائب الجاسوسية الاسرائيلية والامريكية وكيف تصطاد القادة الفلسطينيين وتخترق صفوفهم، وايضاً عن الجيش الاسرائيلي الذي (لا يقهر) وغير ذلك كثير...
هذا في الجانب السياسي، وفي الجانب الفكري والثقافي كان ثمة حصة من المؤلفات والبحوث التي يظهر منها الحرص على الاسلام ومستقبله وشجب اعدائه، فكانت ابرز العناوين (التبشير والاستعمار) و (بروتكولات حكماء صهيون) وغيرها، وهي تحمل من الاثارة الشيء الكثير، وقد تبنت السعودية طباعة الكتاب الاول عدة مرات في سني الستينات والسبعينات.
نحن اليوم نعيش حرب افكار اعلن عنها اكثر من مسؤول غربي منذ حادثة نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من ايلول 2001، وهذه الحرب التي انطلقت عن قصد وتوقيت مسبق، هي التي مهدت الارضية على وجه السرعة لحروب غيرت أنظمة حكم في افغانستان والعراق، تحت شعار (محاربة الارهاب)، وتحت هذا الشعار يواصل الكيان الصهيوني سياساته القمعية ضد الفلسطينيين، كما يقمع الامريكيون (أعداء الديمقراطية)! ولنا ان نتسائل: اين نحن اليوم من (التبشير والاستعمار) في العالم الاسلامي إن لم نقل في العالم كله؟ هل تراجع التبشير في افريقيا وآسيا وأمن المسلمون على دينهم هناك؟ وهل افتضح الاستعمار الجديد وخابت مساعيه فلم يتمكن من بسط أذرعه الاخطبوطية ضمن شركات المتعددة الجنسية او شركات الاتصالات العنكبوتية و (الانترنت)؟ أقل ما يمكن قوله ان الدول الخليجية التي آخر ما كنا نفكر بوجود الجالية المسيحية فيها، واذا بامارة قطر تفتح كنيسة هناك! ثم تتحول الى نقطة ارتكاز اقتصادي وسياسي لامريكا واسرائيل في العالم العربي برمته.
مع كل ذلك يبدو ان البعض ما يزالون يحثون الخطى في ذلك الطريق ظناً منهم انهم يختزلون الزمن ويطوون المراحل حرصاً منه لإعلاء شأن الاسلام في الوقت الحاضر، فنراه يثير في الناس الغيرة على الدين من خلال الحديث عن قدرات امكانات العدو التي من شأنها ان تجعل هذا الدين في خبر كان إن لم يعجلوا بالتحرك والتعاون والعمل المستمر!
قرأت في مقال يفترض ان يكون ثقافياً حول حاجتنا الى الوعي والثقافة، و في محاولة من الكاتب لشحذ الهمم وإثارة الغيرة في النفوس نقل عن (دراسة ترجمها مركز الإمارات للدراسات الإستراتيجية في أبو ظبي ظهر أن الإنتاج الإسرائيلي من الكتب يوازي أربعة آلاف كتاب في السنة، في الوقت الذي تنشر في مصر - وهي أكبر منتجة للثقافة العربية - حوالي 280 كتاباً في العام". ويضيف الكاتب ايضاً عن الدراسة ومصدرها مجلة (العربي) الكويتية: " أن 2880 جريدة ومجلة، وما يقارب 4000 محطة تلفازية، وما يزيد على 490 دار نشر تصدر نحو 3000 كتاب سنوياً بجميع اللغات وأن أكثر من 1150 محطة إذاعية مملوكة لمراكز وجهات وشركات يهودية!! ويذكر أن الإنفاق على البحث العلمي والتطوير بلغ لدى الكيان الصهيوني نحو 1.8% من إجمالي الناتج المحلي بينما لم يتجاوز 02% في الدول العربية كافة! ووصل عدد الدوريات العلمية الصادرة من قبل اليهود في فلسطين المحتلة، 370 دورية بينما يصل عددها في الوطن العربي 173 دورية، وبمقارنة دولة صغيرة مثل بلجيكا تبلغ إصداراتها ما يقارب 12000 ألف سنوياً، بينما عدد السكان في الوطن العربي أصبح ما يقارب 300 مليون نسمة، ويبلغ إجمالي ما تنتجه دور النشر العربية ما يقرب 8000 سنوياً في مختلف الميادين العلم والمعرفة أما اليابان فتصدر (35) ألف عنوان سنوياً تقريباً، وهذا ما يمثل ضعفي ما ينشر في الولايات المتحدة).
هذه الارقام والاحصائيات مفيدة جداً وباعثة على التحرك والتقدم للتعويض عمّا سلف، لكن لمن...؟! هل للانسان الجالس في مكانه والذي يصعب عليه كتابة جملة مفيدة على الورق، او لا يجد فرصة ساعة على الاقل يومياً لمطالعة كتاب او مجلة؟ أم لشريحة واسعة واغلبية محبة للمطالعة والتعرّف والتعلّم؟
نعم؛ هنالك من سيقول: واين هؤلاء المحبون للثقافة والفكر؟ لكن نحن نسأل ايضاً: واين المكتبات التي تفتح ابوابها ليلاً ونهاراً؟ واين مراكز الابداع والنشر والمؤسسات الثقافية التي تفتح ابوابها لعامة الناس؟ بل واين مثقوفنا من المجتمع؟ ان الكتاب او أية وسيلة اعلامية في الغرب لم تدخل الى المجتمع إلا وقد سبقها صاحبها اليها، فالادباء والكتاب والمؤرخون وعلماء الاجتماع والاقتصاد يرتادون المقاهي والنوادي الاجتماعية والحفلات العامة ويراهم الناس ويتبادلون معهم الاراء والافكار. وإلا كيف يطالب المثقف ويتوقع التأثير الايجابي على الناس من تلك الارقام المهولة ثم يندفع لخوض المواجهة الثقافية وهو يفتقر الى الثقافة بالاساس؟ ان النتيجة ستكون مزيداً من اليأس والاحباط. وهذا كان حال معظم شعوبنا العربية والاسلامية ايضاً عندما كانت ترزح تحت وطأة الانظمة الظالمة والمستبدة، فقد كان الشعب يعاني الحرمان والاضطهاد والقسوة المفرطة، فيما كانت جماعات المعارضة لا تبرح في نشرياتها وادبياتها تتحدث عن الصنم الكبير الجاثم على الصدور... وعلى الاجهزة القمعية الفتاكة وغرف التعذيب و... غير ذلك، فهي لم تتمكن من فعل شيء، لذا جاء التحرك من الخارج وتم سحب البساط من تحت الارجل فسقط هذا وتدحرج ذاك.
من هنا نحن جميعاً كافراد في المجتمع الاسلامي الواحد بحاجة اليوم اكثر مما مضى الى الروح الايجابية وتعزيز الثقة بالنفس بغض النظر عن السلبيات والاسقاطات التي هي حاصلة ولا مفرّ منها، و(جلّ من لا يخطئ) ولا داعي للاستغراق في التحسس بالضعة امام الآخر، او استشعار الضعف والتخلف فهذا هو بعينه الثغرة التي نوسعها بايدينا ونجعلها ماثلة لأعين الاعداء. فما المانع من استذكار رموزنا العظيمة من علماء وخطباء ومؤلفين الى جانب مدارسنا الدينية العريقة ومكتباتنا التاريخية ومؤلفاتنا الكثيرة ومساجدنا وتراثنا الى جانب مكتسباتنا الحديثة وان كانت ضئيلة العدد؟ لدينا ارقام واحصائيات وشواهد يجب ان تنشر على طلبة المدارس المعاهد لتكون ماثلة امام عينهم وانهم يرثون ثقافة وحضارة ليست بالهيّنة، ومن هذه القاعدة يمكنهم الحديث عن قوة العدو وتقدير امكاناته وما اذا كان بالامكان الرد أم لا؟ في كل الاحوال هي ساحة مواجهة وكلٌ سيخرج ما في جعبته من سهام وسلاح لمواجهة خصمه.
ان وجود الاسلام بهذه القوة حالياً في الغرب وتحديداً في الولايات المتحدة ليس بالامر الهيّن، مثالاً بسيطاً وقريباً نسوقه على ذلك، الضجيج الذي أحدثته الولايات المتحدة حول (الارهاب) وما روجت له وسائل الاعلام والدوائر الثقافية الغربية تحت عنوان (الرعب الاسلامي)، فبالرغم من كل ما فعلوه بعد احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 إلا اننا نلاحظ حرص الادارة الامريكية على حفظ التوازن في تعاملها مع الجالية المسلمة في امريكا، وهذا ما كان في عهد الرئيس الاسبق جورج بوش، وكذلك لدى خلفه باراك أوباما، وفي آخر خطوة من الادارة الامريكية إقامة وزيرة الخارجية هلاري كلنتون حفلاً بمناسبة حلول عيد الفطر السعيد. وليس أقل من ذلك انتشار الحجاب والمساجد ومطاعم (الحلال) وغيرها من مظاهر القوة الاسلامية، الى جانب ازدياد عدد المراكز الاسلامية في امريكا واوربا. وهذا يبشرنا بمصداقية الحديث الشريف (الاسلام يعلو ولا يُعلى عليه).
---------------
------------------------------------------------------------
---------------
------------------------------------------------------------
|
|