قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

25 شوال المكرم ذكرى استشهاده. . الامام الصادق (ع) و النهج الرسالي للثورة على الظالمين *حسين محمد علي تشابكت القضايا السياسية مع القضايا العقائدية والظروف الاجتماعية في عهد الامام الصادق عليه السلام، لتكوّن من عهده المبارك مرحلة مميزة من تاريخ الأئمة المعصومين عليهم السلام. ففي حياته الشريفة وخلال فترة إمامته زال الحكم الاموي عن صدر الامة، وهو بالحقيقة كان يمثل الحلم الذي امتد منذ استشهاد الامام علي عليه السلام في محرابه واستيلاء معاوية على السلطة وتمكنه من رقاب المسلمين، لكن البديل السياسي كان الحكم العباسي الذي تظاهر بدايةً بولائه لأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله والرضا منهم، وعندما رأى طلاب السلطة ان البيت العلوي مصون من أهواء الحكم والزعامة والاستئثار، عدلوا الى البيت (العباسي). هذا على الصعيد السياسي، أما العقائدي فكان الامر اكثر خطورة، إذ ان الامام الصادق عليه السلام تولّى الامامة والامة في وقت كانت الافكار الوافدة والدخيلة على الاسلام قد تسللت الى العقول بضوء اخضر من الحكام الذين استفادوا منها في اتجاهين في وقت واحد: الاول: كرسوا بها سلطانهم وشرعنوا بها نظام بحكم، والثاني: حاولوا الوقوف بوجه شمس الحقيقة الساطع من بيوت الولاية وهي بيوت الأئمة المعصومين، وصد الاشعاع الصادر منهم عن الوصول الى قلوب المسلمين في انحاء البلاد. لكن صمود وتحدي الامام الصادق ومن قبله أبوه الباقر وجده السجاد عليهم السلام وسيرتهم الحكيمة، جعلت قلوب ثلّة من المجتمع تهوي اليهم وتلجأ الى كهفهم من شدة الاضطرابات الفكرية والسياسية، وما لبثت هذه الثلّة ان تتحول الى تيار جارف في عهد الامام الصادق عليه السلام الذي أسس أول جامعة في التاريخ الاسلامي شملت علوم الدين والحياة والطبيعة والفكر الانساني. وفي هذا الحيّز المحدود، لايسعنا الحديث عن تفاصيل الحياة العلمية والفكرية للامام الصادق عليه السلام وهي جديرة حقاً بان يسلط عليها الضوء في دراسات وبحوث وليس مقالات قصيرة لتكون بين يدي طلبة العلم سواء في مدارس العلوم الدينية او مدارس العلوم الحديثة الموجودة عندنا. لذا نقتصر الحديث عن الحياة السياسية التي خاضها الامام عليه السلام وهي من المفاصل المهمة من تاريخنا الاسلامي، لعلها تكون درساً وعبرةً متواصلة للاجيال الطامحة للتغير والنهوض ومحاربة الفساد والطغيان والظلم. نوايا الثورة بالرغم من جسامة الحدث السياسي حيث كانت الدولة الاموية تترنح الى السقوط، وقد تمزقت أوصالها وتكسرت شوكاتها في البلاد، إلا ان إمامنا الصادق عليه السلام لم يكن ممن يبحث عن الموجة ليركبها ويجد حصته من الكعكة، إنه سليل النبوة والامامة، بل هو سليل الثورة والانتفاضة الدامية في كربلاء الحسين التي ضحت بالصفوة من أهل البيت لا من اجل الحكم والجري خلف وعود أهل الكوفة بالبيعة وتولي الحكم في العراق، إنما لتطبيق حكم الله تعالى في عباده، وكما أعلنها سيدالشهداء عليه السلام بصوت عال: (إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله)، إذن؛ بالقضية رسالية بالتمام والكمال لا تشوبها شائبة، وهكذا كان إمامنا الصادق عليه السلام. ويجب ان نتذكر دائماً ان العديد ممن حملوا السلاح وطلبوا الرضا من آل محمد لم يسلموا من الشوائب في النية، لأن الحكم والسلطان أقوى بكثير مما يدعي اصحاب الثورة. وكان الأئمة المعصومون يرون امامهم أناساً يتاجرون باسمهم ويثورون هنا وهناك فمنهم من يظفر وينتصر ومنهم من يُهزم وينكسر، وهكذا كانت الدعوة التي جرت في الايام الاخيرة من حكم (مروان الحمار) الحلقة الاخيرة من سلسلة الحكم الاموي، فقد حصل ان كان ابو هاشم عبد الله بن محمد بن الامام على عليه السلام في رحلة الى المدينة وكان من صفوة الشيعة ويحمل عناوين واسماء الثوار واهل الدعوة الى الحق، فأمر سليمان بن عبد الملك بدسّ السمّ اليه، ولمّا أحس بدنو أجله أسرع بالسير ليصل الى منطقة مأهولة فوصل (الحميمة) وكان فيها محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، فأوصاه بالدعوة وحمل الراية من بعده ودفع اليه الكتب والاسماء وتفاصيل كل شيء. وبعد موت أبي هاشم، جمع محمد بن علي عدد من رموز الهاشميين وحكى لهم قصته مع ابي هاشم وانه صيّر الامر اليه. وتوجه هؤلاء الى خراسان، كما تذكر ذلك المصادر التاريخية، وكان قد سبقهم الى ذلك المصر رجال آخرون، ولعل سبب اختيار خراسان لانطلاق الثورة على الامويين لما قد لاقوه من تنكيل واضطهاد بدافع العنصرية والعصبية الجاهلية، وبما ان دماء الحسين واهل بيته كانت تغلي في العروق وحرقتها تلهب القلوب جيلاً بعد جيل، فان الناس كانوا يستجيبون لدعوة (الرضا من آل محمد) أو (يا لثارات الحسين)، وكان الدعاة الى الثورة يحرصون على الظهور امام الناس بانهم مخوّلون ومبعوثون من قبل الأئمة المعصومين من ولد علي وفاطمة عليهم السلام، وهذا بحد ذاته كان من شأنه ان يحيي الأمل في النفوس بزوال الظلم والطغيان وعودة الحياة التي كانت على عهد رسول الله وأميرالمؤمنين صلوات الله عليهما. وفيما كان الامل يكبر ويتسع والدعوة الى الثورة تنتشر كالنار في الهشيم في أرجاء البلاد الاسلامية، كان بموازاة ذلك تكبر جرثومة حب الدنيا والسلطة والجاه وتترعرع في نفوس البعض مما كانوا يدعون حب أهل البيت عليهم السلام كذباً وزوراً. فاذا كانت هذه النوايا تخفى على عامة الناس، فانها جليّة وواضحة للأئمة المعصومين وتحديداً لامامنا الصادق عليهما السلام الذي سارع الى التخلّي عن هذه الدعوة وعدم اصدار أية شرعية لاصحابها، لكن مسيرة الاحداث كانت تشق طريقها لتكتسح سلطان بني أمية الذي كان بحاجة حقاً لمن يزيله ويريح الامة منه. وبعد سلسلة الانتصارات التي حققها الثوار في خراسان – ايران وفي العراق والحجاز قضي على الدولة الاموية نهائياً. وسارت الاحداث الى حيث كان يحذر منها الامام الصادق وأبوه الباقر عليهما الاسلام من الانحراف بالثورة على الظلم والسقوط في الظلم نفسه. وقد تجلّى هذا التحذير في الايام التالية والمراحل الاخيرة من عمر الثورة، حيث سارع رموز الأسرة العباسية الى ترشيح محمد بن عبد الله بن الامام الحسن المجتبى عليه السلام، ليكون هو صاحب الأمر بعد انهيار الدولة الاموية، فاقبل بنو العباس بشدة عليه لاسيما الاخوة من ابناء علي بن عبد الله بن العباس وهم صالح وعبد الله وابراهيم وأبو العباس السفاح والمنصور الدوانيقي، وتقول المصادر التاريخية ان السفاح والدوانيقي على وجه التحديد كانا من أكثر العباسيين ترشيحاً لمحمد ذو النفس الزكية لأن يكون هو صاحب راية الثورة والتغيير، مستفيدين من غياب الامام الصادق عليه السلام، فكان الاثنان يأخذون له البيعة من الناس ويكثران من تجليله وإعظامه والدعوة له. وكان الدوانيقي اكثر من أتقن دور المؤمن الموالي لأهل البيت حيث كان يجري خلف محمد ويكرر مبايعته أينما حلّ، حتى انه واظب على ارتداء قباء أصفر ليتميّز به أمام الناس، وصادف ان كان محمد خارجاً من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله، فتقدم المنصور وأمسك بركاب محمد وهو يقول: لمن يسأله عنه: هذا محمد بن عبد الله هذا مهدينا من أهل البيت...! لكن نفس هذا (المنصور الدوانيقي) عندما وصلت القضية الى الحكم والسلطة غدر بمحمد وبأهل البيت عليهم السلام، فقد كان استشهاده على يديه وبعده أخوه ابراهيم اللذان خرجا في حرب المنصور والدولة العباسية وسقطا شهيدين في معارك طاحنة يذكر تفاصيلها التاريخ. مؤتمر (الأبواء) كان لابد من ترشيح قائد للثورة الهاشمية على الحكم الاموي الفاسد والظالم، فعقد لذلك مؤتمر في منطقة (الأبواء)، حضره رموز البيت العلوي وبني العباس، وقد مثل بني العباس أولاد محمد بن علي وهم ابراهيم وصالح وأبو جعفر (المنصور) وأبو العباس (السفاح). وعن البيت العلوي بنو الحسن المجتبى عليه السلام يترأسهم عبد الله بن الحسن المثنى وهو يومذاك كبير الهاشميين وابناءه محمد وابراهيم، اما الامام الصادق عليه السلام وبنو الحسين عليه السلام فقد تغيبوا عن الحضور، وتم في المؤتمر بيعة محمد بن عبد الله المعروف بذي النفس الزكية، وبما ان انظار الامة كلها ترنو الى إمامنا الصادق عليه السلام، فقد ارسل اليه عبد الله بن الحسن وألحّ في طلبه فلبّى الامام الدعوة إكراماً لعبد الله ولانه شيخ جليل، وعندما وصل أخبروه بما أتفق عليه القوم من الرأي والبيعة فأنكر عليهم ما فعلوه، وبيّن لهم السبب بانهم يحيدون عن طريق الثورة التي اختطها الامام الحسين عليه السلام. وقد ألحوا عليه بالبيعة لكنه رفض، لا إشكالاً في محمد بن عبد الله، إنما في النوايا الكامنة بالمحيطين بهذه البيعة التي لم تكن لله في شيء، انما للحكم والهيمنة والسلطة، فكل القادة المشاركين في الثورة تم الغدر بهم من قبل حكام بنو العباس من امثال أبو سلمة الخلال الموالي لأهل البيت عليهم السلام والذي استوزره السفاح مكرهاً لمنزلته ومكانته في الامة، لكنه ما لبث ان دسّ اليه السمّ وتخلص منه، وكذلك كان حال ابو مسلم الخراساني القائد المعروف الذي قتل على يد العباسيين انفهسم. ان قضية التغيير السياسي في رؤية الأئمة المعصومين لا ترتبط بالكم إنما بالكيف، فالمهم النوايا الصادقة والايمان العميق والراسخ الذي لاياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وإلا فقد توافدت عليه عليه السلام القادة من المقربين والموالين من امثال سهل بن الحسن الخراساني الذي عرض عليه مائة ألف سيف يضرب بين يديه بينما آخر عرض عليه مئتي ألف وهكذا... وكان الامام معرضاً عن كل هذه المغريات التي لو كانت لغيره لعدّها فرصة ذهبية وتاريخية لا تعوض لينطلق بهم لتحقيق اهدافه. وبشكل عام نقول: لم يشأ الامام لأحد من المؤمنين والموالين ان يسفك دمه على طريق الحكم والتنافس المحموم على السلطة، إنما كان منهجه وهو منهج آبائه الطاهرين هو العمل الدؤوب والمتواصل لخلق جيل واعي مفكر يحمل الايمان الحقيقي في داخله، وهو الجيل الذي بامكانه حمل راية الرسالة التي ضحى من اجلها شهداء بدر وشهداء حروب الامام علي وشهداء كربلاء، الذين أماطوا اللثام بدمائهم عن زيف الحكام وفسادهم وأضاؤوا للمسلمين وللعالم طريق الحقيقة والكرامة والقيم الانسانية.