مقام ولادة نبي الله إبراهيم الخليل (ع) جنوب الحلّة..
الإهمال والتهميش أكبر المعالم
|
تحقيق/عادل كزار
يفتخر العراق دائماً انه اضافة الى كونه مهد الحضارات الانسانية، فهو ايضاً مهبط الرسالات السماوية والانبياء والأولياء والصالحين على مر العصور ومختلف الأزمنة. فها هو العراق يحتضن مقام مسقط رأس أبي الموحدين نبي الله إبراهيم الخليل (ع). ويعود تاريخ هذا الصرح الديني والسياحي والأثري إلى 1700سنة قبل الميلاد، وهو دليل قاطع على ضرورة الاهتمام به ليكون قبلة لكل طلاب الحقيقة واهل السياحة الدينية من المسلمين وغيرهم، لان هذا النبي العظيم يعني كل الاديان السماوية، فمنه تتفرع الديانة اليهودية والمسيحية والاسلام. هذه الديانات الثلاث التي لها كتاب سماوي مقدس مدينة بتوحيدها لله تعالى الى هذا النبي العظيم، ولو ان اليهودية والمسيحية لم تستقم على الطريق الصحيح، لكن يبقى الاسلام الشاهد الكبير على عظمة هذا النبي. فقد ورد ذكره والاشادة به غير مرة في القرآن الكريم، وأثنى عليه البارئ عزّوجل حيث قال: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (النحل /120). وقد ورد ذكر اسم (ابراهيم) في الكتاب المجيد (63) مرة، وفي (سورة البقرة) وحدها جاء ذكره اثنتي عشرة مرة كما تكرر في السور المباركة (آل عمران) و (النساء) و(الانعام) وغيرها من السور، وهذا دليل على الاهمية الكبرى لهذا النبي العظيم و دوره الأساس في إرساء دعائم التوحيد للبشرية.
أرض الميلاد
لقد منّ الله عزّوجل على بلاد ما بين النهرين (العراق) لتكون مسقط رأس خليله ونبيه الكريم، وهي اليوم عبارة عن منطقة صحراوية قاحلة غير مأهولة، يأمها البعض من الناس والعارفين بحق هذا النبي العظيم لغرض التقرب الى الله تعالى وطلب الحوائج، لكن ليست هنالك معالم واضحة ومحددة سوى مقام مشيّد قائم اليوم على أرض تسمى (برس) أو (بورسيبا)، وهي قرية في أرض بابل، وتحديدا بين الكوفة والحلة. و (بورسيبا) هو الاسم الأقدم للمنطقة كما يقول المؤرخون، حيث تضم مقام نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وعلى مقربة منه صرح النمرود، الذي يحكي قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) أو ما يعرف بأرض المحرقة.
وإبراهيم (عليه السلام) هو بن تارخ بن تاغور بن ساروغ بن ارغل بن فالغ بن عاجر وهو هود النبي (عليه السلام) بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح ابن مالك ابن المتوشلخ ابن اختوح وهو النبي ادريس (علية السلام) ابن بارز ابن هلائيل ابن قثياق ابن الوش ابن شيت وهو هبة الله ابن ادم (علية السلام). اختلفت الآراء حول شخصية والد إبراهيم عليه السلام فمنهم من قال إن آزر هو والده وآخرون قالوا إن والده تارخ وقد ذهب أصحاب الرأي الأول إلى ما ورد في الآية الكريمة "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ" (الأنعام /74)، وأما أصحاب الرأي الثاني فقد قالوا إن أزر عمه وليس ابيه لأن أباه تارخ، فقد نقل الأفاضل انه لا خلاف بين النسابين إن اسم والد إبراهيم تارخ وهذا غير مستبعد لاشتهار تسمية العم بالأب في الزمن السابق وقد ذكّر النبي صلى الله عليه وآله ذلك بقوله: (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات، حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية)، ولو كان في آبائه كافر لم يصف جميعهم بالطهارة، مع قوله تعالى "إنما المشركون نجس".
أما الطاغية الذي عاصره النبي ابراهيم يدعى (الضحاك) هو المعروف بالنمرود وان إبراهيم ولد في زمانه وخاض الصراع الرسالي معه حتى غلبه بالحجج الدامغة ثم أمر بإحراقه في القصة المعروفة.
ولادته المباركة
أما ولادته، فيقول بعض المؤرخين: لقد نقله أبوه إلى مدينة بورسيا (برس) لكي يجاور النمرود ويتعلم على الحكم واللغة النبطية ويكون قريبا إلى معبد بورسيا الذي كان اكبر المعابد في هذه المنطقة في تلك الفترة، وقد اختلف الباحثون في مكان ولادته فمنهم من ذكر (كوش) ومنهم من ذكر (أور) ومنهم من ذكر (آرام النهرين)، وكانوا يعتقدون إن مدينة آرام النهرين تقع في سوريا، ولكن تمكن بعض المؤرخين من تحديد وتعيين موقعها في شمال كربلاء.
أما اللغة التي يتكلم بها إبراهيم الخليل عليه السلام فهي لغة قبيلته الآرامية وينتسبون إلى آرم بن سام (عليه السلام)، وبهذا يكون من مواليد العراق، في مدينة النهرين كربلاء،
وتنتمي لقبائل الآرامية التي عمرت بلاد النهرين (أرام النهرين) وتقع هذه المدينة في النصف الأعلى من مدينة كربلاء الحالية بين نهري فيشون (الفرات القديم) وجيحون (كري سعده).
و (كوثى، كوثى ريا، كوثاريا)، هذه الأسماء كلها تدل على نفس المنطقة وقد سكنها النبط فعن ابن عباس قال: (نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى)، وقد بين البحراني قائلاً: لأن إبراهيم الخليل ولد بها وكان النبط سكانها وقال آخر كوثى سرة السواد بها ولد إبراهيم الخليل عليه السلام.
وقد تزوج إبراهيم الخليل ثلاث نساء: هاجر المصرية، وقد ولدت له إسماعيل، وسارة ابنة عمه: وقد ولدت له إسحاق، وقنطوراء: وقد ولدت له كلا من (مرق ونفس ومدن ومدين وسنان و سرح)، وهؤلاء هم بنو إبراهيم الخليل (عليه السلام).
وكان ظهور إبرام (إبراهيم الخليل) على مسرح الأحداث في بابل حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد داعيا إلى عبادة الإله الواحد الأحد خالق السموات والأرض بين أبناء قومه الوثنيين، فلاقى من جراء دعوته أشد الاضطهاد على يد النمرود في مدينة برس وهي مركز سلطة نمرود، وهو الاسم المحرف من الاسم البابلي (بورسيبا) أو (بارسبا).
وجاء في (التلمود) بصورة (برسي) و (برسيب)، وقد انتقلت هذه اللفظة إلى الجغرافيين العرب وذكرها ياقوت الحموي في معجمه في مادة برس.
معالم التوحيد
وتقع خرائب برس (تل إبراهيم الخليل) جنوب بابل، وعن الحلة جنوبها على مسافة نحو 15 كيلومتراً، وقد كانت هذه المدينة من ضواحي بابل في بداية الإلف الثاني قبل الميلاد، أي بعد تأسيس بابل وكذلك مدينة النهرين، وكانت قرية كربلاء تابعة لها من الناحية الإدارية وقد اشتهرت هذه القرية في كونها مركز عبادة الإله الواحد (الإله أيل)، وقال أهل العلم لما شبّ إبراهيم الخليل (عليه السلام) قال لامه من أبي؟ قالت: أنا! قال فمن ربك؟ قالت أبوك! قال فمن رب أبي؟ قالت له: نمرود! قال: فمن رب نمرود ؟ قالت له: أسكت...!!
إن الاسم القديم للمكان هو (كوثر) والاسم الآخر (كوثى ربى)، ومعناها النهر عند البابليين وهو الأشهر عند المؤرخين القدامى، وعندما أجري مسح جيولوجي وجد نهر بين المقام الشريف والزقورة التاريخية وقد أشار إلية العلامة نعمة الله الجزائري في كتابه (قصص الأنبياء) إن اسم والدته لويثة بنت لاحج ابن كوث وان جدة (كوث) هو من قام بحفر هذا النهر وهو خير دليل على إن هذا المكان هو مكان ولادة نبي الله إبراهيم الخليل (ع) لان عائلته كانت موجودة هناك وعدة مصادر تشير إلى ذلك منهم صاحب تفسير الميزان العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (قدس سره) والعلامة الراوندي وغيرهم كثير، ولكن بفعل عوامل التصحر والتعرية اندثر هذا النهر، لكن بقيت معالم من ارض المحرقة حتى اليوم وقد عرفت باسم (المحرقة) بسبب سوادها، وأهل تلك المنطقة يعتقدون أنها هي الأرض التي احرق فيها إبراهيم الخليل عليه السلام ونظراً لأهمية الموضوع كان هذا التحقيق.
مقام التوحيد يشكو الاهمال
في بادئ الأمر كانت لنا وقفه مع احد خدمة المقام الشريف المكنى (أبو زينب)، تحدث قائلاً: قبل إلف وسبعة مائة سنة قبل الميلاد كانت ولادة أبي الموحدين، وهناك شبه إجماع من قبل أبناء العامة والمسلمين الشيعة على أنه في هذا المكان حصلت ولادة نبي الله إبراهيم الخليل (ع).
وبيّن أحد خدمة المقام الشريف: إن مقام ولادة خليل الله (ع) يفتقر إلى الخدمات الأساسية، وما موجود لا يليق بقدسية وتاريخ المكان من وجود، حيث فقدان المغاسل وأجهزة التبريد وقدم البناء حيث يعود تاريخ بناء القبة الشريفة إلى 45 سنة وهي مبنية من الجص و معرضة للانهيار لأنه فيها الكثير من التآكل والتخسفات فلابد من إعادة البناء ليس للقبة فحسب وإنما إعادة بناء للمزار بشكل كامل.
وأضاف: إن المقام يرتاده زائرون من مختلف المحافظات العراقية ومن قبل الوفود الإيرانية والهندية والباكستانية ومن مختلف إنحاء العالم إلا أنه يفتقر إلى الخدمات والتسهيلات مثل الطرق المعبدة والكراجات وأماكن الاقامة وغيرها، علما إن المكان مفتوح من عدة اتجاهات وخاصة أيام الجمع والأعياد والمناسبات الدينية وتعد زيارة قبيلة المسعود التابعة لمحافظة كربلاء المقدسة أقوى الزيارات لأنه تتم بشكل جماعي وكبير عرفاناً منها بقيمة ومنزلة هذا المقام وصاحبه.
وطالب حسين كاظم احد الزائرين من كربلاء المقدسة بتسجيل هذا المزار عند الوقف الشيعي أو دائرة المزارات الشيعية ليكون مشمولاً باعمال البناء والتأثيث والتأهيل لاستقباله الزائرين بصورة تليق وقدسية هذا المكان ولكن هناك معارضة – يقول الاخ الزائر- من خدمة المزار (القوام) لهذا المسعى لاسباب خاصة، لكن هذا لا يعني بأي حال من الاحوال إهمال الموضوع وتركه للرغبات والاجتهادات الخاصة، لان المكان بالحقيقة يعد معلماً وأثراً له قيمة حضارية ودينية عظيمة، الامر الذي يستوجب ان تتحمل الجهات المختصة مسؤوليتها ودورها بصورة كاملة، ويضيف الزائر: إن المكان لا يسع لعدد كبير من الزائرين وما يزال على النمط القديم حيث الاختلاط بين الرجال والنساء علما إن هذه الظاهرة انتهت بعد 2003.
احمد عبد مسلم مدرس جغرافية اكد ان المكان يعد مدينة أثرية ولكن مع شديد الأسف تعاني الكثير من الإهمال وقلة الدراسات الجيولوجية ولابد من الاستفادة من معالم هذه المدينة السياحية لتكون عامل جذب للسياح من إنحاء العالم كافة لأنه من المرجح خلال 20 سنة القادمة إن تنهار هذه الصخور المحيطة بالزقورة التاريخية وتندثر كافة الملامح.
|
|