مبعث الرسول (ص) في الشعر العربي
|
حيدر ناصر
حظي شعر المديح النبوي بمكانة متميزة في الشعر العربي لما فيه من دعوة الى التحلي بالاخلاق العظيمة والاقتداء بالفضائل الحميدة التي كان يتحلى بها سيد الخلق محمد (ص) وقد اقترن الشعر العربي بالدين الحنيف منذ ان صدح النبي الاكرم (ص) بالدعوة الى الاسلام ومن هنا جاءت المدائح النبوية بالادب الاصيل كونها تتعلّق باعظم شخصية عرفها الوجود فتميزت بالادب الصادق والشعور الخالص الذي لا يخالطه رياء ولا يشوبه ريب لان دوافعه كانت سامية خالصة اذ ترى صيغة التقرب الى الله والتوسل به والتشفع لديه بسيد الرسل (ص) بين ثنايا القصيدة ممزوجة بالعاطفة الصادقة والشعور الطافح بالحب والاعجاب بالشمائل المحمدية العظيمة ولو رجعنا الى تاريخ هذه المدائح النبوية لوجدنا ان قصيدة الاعشى كانت اقدم قصيدة في مدح الرسول (ص) ثم تتابع الشعراء كعب بن زهير، حسان بن ثابت، عبد الله بن رواحة، النابغة الجعدي كما كان ابو طالب من ابرز من مدوا الرسول الكريم ودعوا الناس الى اتباع دعوته فكانت هذه القصائد هي نواة هذا الادب السامي ثم جاء بعدهم رعيل من الشعراء اشتهروا في مدح الرسول وتغنوا بسيرته العطرة وكان في مقدمة هذا الرعيل الكميت بن زيد الاسدي والسيد الحميري واصبح هذا الادب مادة خصبة للشعراء عبر العصور كونه ينهج بهم نهجا خاصا في التأدب كما تطور هذا الادب حسب الظرف التاريخي والجغرافي فالشاعر عندما يكون قريبا من قبر الرسول فانه يوقف شعره على ذكر سيرة الرسول والتغني بفضائله واخلاقه الكريمة واختيار المشاعر والخصائص التي اختص بها (ص) اما اذا كانت دياره بعيدة عن ارض النبوة فانه ينهج في قصيدته جانب التشوق لزيارة قبر الرسول ولثم ترابه كما اختصت قصائد اخرى بمولده الشريف فسميت بالمولديات واخرى بالمشفعات وهناك نوع آخر من هذه المدائح تسمى بالمعجزات وقد تناولت هذه القصائد المعجزات التي ظهرت على يده الشريفة منها انشقاق ايوان كسرى وخمود نار فارس وغيض بحيرة ساوة وقصة الاسراء والمعراج التي كانت منبعا ثريا استمد منه الشعراء عبر العصور شعورهم بالتغني بهذا الشرف العظيم وهذه المعظة الخالدة يقول ابن سهل الاندلسي:
احتث في السبع الطباق براقه والارض واجفة تخاف فراقه
سبحان من ادنى شراه فساقه شخصا على ملك الملوك كريما
صلوا عليه وسلموا تسليما
اما محمد بن يحيى الاندلسي فانه يترسم خطوات الرسول (ص) في قصيدته ويرسم تتابع احداث الاسراء والمعراج اظهاراً لقدسيتها ومكانها في النفوس:
سرى وجنح ظلام الليل منسدل والنجم لا يهتدي في الافق ساربه
يسمو لكل سماءٍ منه منفردٌ عن الانام وجبرائيل صاحبه
لمنتهى وقف الروح الامين به وامتاز قربا فلا خلق يقاربه
لقاب قوسين او ادنى فما علمت نفس بمقدار ما اولاه واهبه
اراه اسرار ما قد كان اودعه في الخلق والامر باديه وغائبه
وآب والبدر في بحر الدجى غرق والصبح لما يؤب للشرق آيبه
ويشير ابو زيد الاندلسي الى هذه المكانة المقدسة للرسول الاكرم والتي لم يدايه فيها احد بقوله:
سرى نحو مولاه وجبرايل صاحبٌ فناهيك من قدسين في حضرة القدسِ
سما صعدا فوق السماوات كلها الى مستوى ما حله قبله انسي
اما السيد حيدر الحلي فيتناول في قصيدة طويلة هذه الرحلة القدسية للرسول الاكرم باجواء الفرح والحبور بهذه البعثة الشريفة يقول في مطلع قصيدته:
اي بشرى كست الدنيا بهاءا قم فهني الارض فيها والسماءا
طبق الارجاء منها ارج عطرت نفحة رياه الفضاءا
بعثة اعلن جبريل بها قبل ذا في الملأ الاعلى نداءا
قائلا: قد بعث النور الذي ليس يخشى ابد الدهر انطفاءا
فهنيئا فتح الخير بمن ختم الرحمن فيه الانبياءا
ويسترسل السيد حيدر في قصيدته ويركز على عظمة مبعثه الشريف فيقول:
سيد الرسل جميعا احمد من بعلياه اتى الذكر ثناءا
(مبعث) قد ولدته ليلة للورى ظلماؤها كانت ضياءا
بوركت من ليلة في صبحها كشف الله عن الحق الغطاءا
ويقول السيد رضا الهندي في داليته مشيرا الى هذه البعثة الشريفة:
حباك اله العرش منه بمعجزٍ تبيد الليالي وهو باق مؤيدُ
نبي براه الله نورا بعرشه وما كان شيءٌ في الخليقة يوجد
وتستمر مسيرة الشعراء عبر العصور لتعكس قصائدهم عبارات الاكبار والاجلال لهذه البعثة الشريفة ونكتفي بهذه النماذج القليلة في هذا الموضوع الذي يحتاج الى بحث موسع لكثرة الشعراء الذين تناولوا مبعثه (ص) الشريف واتسعوا في الحديث عنه.
|
|