قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

الثقافة التبريرية.. ارضية الفساد السياسي
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة رجاء عبدالرحمن
يعالج القرآن الكريم عبر آياته مشاكل الانسان النفسية والثقافية ، فيمهد بذلك الطريق لأن يعالج الانسان مشاكله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها ، والذي يتدبر القرآن يستطيع ان يجعل منه شفاء لما في صدره ، ومعراجا يسلك به مدارج الكمال . وفي هذا السياق يرى سماحة المرجع المُدرّسي، أن "اول ما ينبغي على الامة العمل به هو العودة الى القرآن الكريم ، ورفع الحجب التي وضعها الاعداء بين ابناء الامة وبين آيات القرآن ، من خلال إبعاد القرآن عن الحياة العملية وتحويله الى كتاب يرتبط بجوانب معينة من حياة الانسان ، او عن طريق الايحاء الى المسلمين انهم ليسوا في مستوى التدبر في القرآن في حين ان الاسلام يعدّ قراءة القرآن والتدبر فيه واجبا.."، حسب نـص الآية الكريمة : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرءَانِ . والآيــة : أَفَـلاَ يَتَدَبَّــرُونَ الْقُـــرْءَانَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَـــآ .
اضف الى ذلك ان الاستماع الى الآيات القرآنية حينما تتلى واجب هو الآخـر بنص الآية التي تقول : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا . كل ذلك لكي يرفع الاسلام الحجب المختلفة التي تضعها القوى الشيطانية ، لكي يبادر الانسان المسلم الى الاستلهام من الآيات القرآنية لانه كفيل بحل مشاكلنا المستعصية .وفي الحقيقة فان المشاكل هي نتاج افعال الانسان وتصرفاته المختلفة ، فلن يرى الانسان في الدنيا والآخرة الا ماكسبته يداه ، وما عمل بمحض ارادته ، فلا يجوز له ان ينتظر الاقدار او الاخرين ليحلّوا مشاكله لان منبع المشاكل كامن في ذات الانسان ، فلو كان مبتلى بجرثومة تتوالد بسرعة في جسمه ، وحاول رفع آثارها عن طريق المسكنات فهل سينجح في ذلك ؟. كلا بالطبع ، لان اصل المرض موجود في دمه وعروقه ، ومن دون القضاء على جذور المرض فان الجرثومة سوف تتكاثر . ويقول سماحته "هكذا الحال بالنسبة الى مشاكل الانسان التي هي نابعة من ذاته ، والتي يؤدي تفاعلها بصورة ظاهرة الى خلق السياسة الحاكمة عليه فتكون اما صالحة واما طاغوتية ، فالسياسة هي عنوان الانسان ورمز تصرفاته ، كما اشار الى ذلك النبي (صلى اللـه عليه وآله) في قوله : كما تكونون يولى عليكم " فمجموع العوامل البشرية النفسية والعملية تتفاعل جميعا لتتحـول الـى السياسة والحكومة والسلطة ، والسلطة هي رمز مستوى الانسان ". واذا كان الأمر هكذا فاننا نستطيع ان نقول ان السياسة هي معيار ومقياس حركة الانسان ، وتوجه المجتمع سلبيا او ايجابيا . وهنا ينبه المرجع المُدرّسي الى ان "معالجة المشكلة السياسية في الامة لا يمكن من دون معالجة سائر المشاكل سواء بدأنا بطرح القضية سياسيا ثم توجهنا من خلالها الى سائر القضايا النفسية والاجتماعية والاقتصادية ام بدأنا بعلاج المشاكل النفسية والاجتماعية والاقتصادية اولا ثم توجهنا الى معالجة القضايا السياسية".
كيف عالج القرآن الكريم المشكلة السياسية ؟
وعندما يعالج القرآن الكريم المشكلة السياسية فانه يشمل بمعالجته هذه ابعادها كافــة ، ونحن نجد في سورة التوبة معالجة حقيقية للقضايا السياسية ، وللأسف فاننا ننتظر طويلا ان يحمل القدر لنا نصرا من السماء ونحن قاعدون دون حراك ، وهذه كلها احلام ، وويؤكد سماحة المرجع على أن " القرآن يستنكر هذا الفهم الخاطىء قائلا : أَم لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّى ، فلا يحق للانسان ان يجلس بانتظار تحقق احلامه ، فلابــد ان يسعى ، فالكون خلق على هذا الاساس : وَمَــا خَلَقْنَــا السَّمَــاوَاتِ وَالاَرْضَ وَمَـا بَيْنَهُمَــآ إِلاَّ بِالْحَــقِّ . فعلينا ان نفهم هذا المنطق القرآني والا اصطدمنا بصخور الواقع .فلابــد من الخروج من هذه الافكار الطفوليــة المتخلفــة التي ابتليت بها الامة ". ولكـن الذيـن ينـامون على حرير الاحلام قد لاينفعهم وعظ الانبياء ( عليهم السلام ) والمصلحين رغم عظمتهم ، وسمو مقامهم ، وبلاغة السنتهم ، وارتباطهم بالوحي . انذروا قومهم كثيراً ، ولكن القليل منهم اصاخوا السمع ، واستجابوا للحق فحل بالمعرضين العذاب الاليم .والقرآن في بعض آياته يعبر بتعبيرات عاطفية عن مختلف الاحاسيس في الانسان فيقول - مثلا - : يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ . ، فالتوجيه انما يكون اتماما للحجة ، ولكي ينتفع به من كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ، فكفانــا هذه التجارب المرة ، والآلام المستمرة ، فاللـه - جل شأنــه - لم يخلقنا لكي نتألم في هذه الدنيا بشهادة قوله - تعالــى - : مَــا يَفْعَـــلُ اللـه بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وءَامَنْتُمْ وَكَانَ اللـه شَاكِراً عَلِيماً . لقد خلق اللـه - سبحانه وتعالى - الانسان لكي يرحمه ، ولكي يدفعـه الى ان يعمّر الارض ، ويستغل طيباتها ، فقد سخر له كل شيء ، واسجد الملائكة اجمعين لآدم ( عليـه السلام ) ، ومـا يزال - تعالى - عند عهده هذا عندما قال : وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَآءً غَدَقاً . وقوله تعالى : وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْــهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ . ولكن عدم الفهم العميق للحياة هو الذي يجر الانسان باتجاه تلك المشاكل .
ويرى سماحته أن "من ضمن الافكار التبريرية المتخلفة ، والتي من شأنها ان تخدر الانسان ، وتجعلـه يبتعــد عن الواقــع تلك الفكــرة التي يعالجها القرآن الكريم ، فينسف من الاساس مقولة ان اللـه انما ينصر الانسان بالقـوى الغيبية فقط" ، فيقول - تعالى - : قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللـه بِاَيْدِيكُمْ . ، فوسيلة النصر هو الانسان نفسه ، فاذا تشبعت ارادته بالعزيمــة ، ونهـض ففي هذه الحالة سوف ينزل اللـه - تعالـى - نصره عليه .والانظمة الفاسدة والطواغيت يحاولون قدر امكانهم ان تكون لهم السمعة الحسنة عند الآخرين ، ويبقون محترمين في اعين الناس ، ومن اجل كشف حقيقة هؤلاء الطغاة يجب على كل فرد ان يعمل بكل جد واخلاص لكي يحقق النصر عليهم ، لان المعارضة السلبية لا تكفي لاسقاط نظام ، كما ان الرفض لا يكفي لوحده لتحقيق الهدف المنشود ، وهو بناء نظام جديد .وهكذا يجب على الشعوب المستضعفة ان تكون يقظة وحذرة من الاعيب ومؤامرات التيارات الاستكبارية ، والقوى الاجنبية الطامعة في خيرات البلدان ، فالجميع يدّعي حقه في خيراتها ، ولكن الحق هو فقط لاولئك المحرومين والمستضعفين الذين يجب ان يجنّدوا انفسهم ، ويبعثوا فيها روح الجرأة والبطولة ، ويعرفوا كيف يقررون مصيرهم بأيديهم .
اننا لا نستطيع ان نكون فاعلين في الساحة من دون ان نخرج من اطار افكارنا التبريريـة ، وندخل في اطار افكار الرسالة ، ومن جملة هذه الافكار التي يعالجها القرآن الكريـم فكــرة ان قلوب المؤمنين الذين تعرضوا للاذى ، وان كرامتهم ، لا يمكن ان تستعــاد إلاّ من خلال الصبر والعطاء و التضحيات ، فان القلب الذي تراكمت عليه السلبيات ، وعشعشت فيه المشاكل واليأس لن يجد خلاصة بأية طريقة . .ومن آيات اخرى في القرآن الكريم نستوحي ـ بحسب راي سماحته ـ " ان الافكار المتخلفة ، والمفاهيم المخملية الحريرية التي تنام عليها الشعوب المتخلفة لا يمكن ان تنتزع من قلب الانسان الا عبر هزات اجتماعية عنيفة في الحياة ونحن بحاجة الى مثل هذه العملية حتى نخرج من قوقعة تلك الافكار "، فالنهوض والتغيير "لا يولد بسهولة ويسر" بل هي عملية بحاجة الى تضحيات وتحديات ، فنظريات الحضارات في العالم تقرر ان اية امة لايمكن ان تبني حضارتها ، وتكسب استقلالها إلاّ من خلال التحديات العنيفــة .