أزمة إدارة دولة.. الكهرباء مؤشرا
|
محمد علي
عادت حليمة " الكهرباء " الى "عادتها القديمة" خلال الأيام القليلة الماضية، فبمجرد انتهاء التظاهرات الشعبية وماشكلته من ضغظ على الحكومة والوزارات المعنية، وبعد ايام بسيطة على اسراع وزارتي الكهربا ء والنفط ــ اللتين اصبحتا "حقيبة واحدة" يتأبطها الدكتور الشهرستاني ــ في توفير تحسن "طفيف" على التيار، عادت ساعات القطع المبرمج بالارتفاع مرة اخرى وبدرجة تبدو في الكثير من الاحيان اكبر مما كانت عليه قبل التظاهرات وتداعياتها، فيما بدا وزير الكهرباء وكالة وكأنه لايجد بدا من العودة الى بعض التبريرات التي كان اسلافه يطلقونها منذ عدة سنوات، ومنها " شدة الحرّ" و" الاعمال الارهابية"..
شخصيا لم اكن و"لن" اكون ممن يعيد ما اتهم به وزراء الخدمات "المفقودة اوالرديئة " ومنها الكهرباء واخواتها.. من عدم الكفاءة وهدر الاموال والوقت واضاعة الفرص، والكذب والحنث بالوعود التي كانت ولاتزال تطلق بلا حساب، وبلا داعي اصلا !.. فضلا عن التحجج بقلة الاموال تارة، وبإتهام المواطن بالتبذير وعدم الترشيد تارة اخرى، بينما يتساءل هذا المواطن ذاته عن السبب في عدم تطبيق سياسة "الترشيد" هذه، على الحكومة واعضاء البرلمان والساسة وكبار المسؤولين و"ماأكثرهم".؟!. الترشيد لاسيما في استنزاف ميزانية الشعب من خلال رواتبهم وامتيازاتهم ومنافعهم الاجتماعية ! وكلها لو جمعت لظاهت بل لتفوقت على جميع المداخيل السنوية لنحو 7 ملايين مواطن تحت خط الفقر ، بحسب تقارير الحكومة نفسها .. ، ولاحاجة لي بإن اذكر هنا ارقاما واحصاءات عن منافع وامتيازات ورواتب الرئاسات الثلاث و المسؤولين والنواب والوزراء والاحزاب و... على مدى هذه السنوات، مقابل ارقام الفقر والبؤس والمرض في اوساط الشعب.. فقد بات الصغار قبل الكبار يعرفونها..!. كما انني لم ولن القي اللوم على هذا الوزير او ذاك، وإن كان بالاساس يجب أن يتحمل مسؤولية الكرسي والموقع الذي قبل بشغله.. من اجل اداء التكليف المناط به وتقديم الخدمة للشعب بلا منة ولامكرمة ولا.. وليس من أجل تحصين نفسه ومن اجل الفخفخة ونفخ الجيوب والحسابات..
مع كل ماقيل ويقال، فأن المعضلة الحقيقية، هي أن هناك "ازمة" ادارة دولة، فعقلية الاستحواذ والجشع والفوضى والتهافت على الكراسي بالشكل .. والتهارش في تبادل الاتهامات وعمليات التسقيط والهمز واللمز بين الساسة والوزراء والاحزاب والتيارات السياسية، والارتجالية وغياب التخطيط العلمي في طرح وتنفيذ المشاريع الحكومية والمراقبة الشفافة عليها وعلى الموازنات طوال السنوات الماضية وحتى الآن، كل ذلك ادى ـ وسيؤدي اذا لم تتم معالجته ـ الى نفس النتائج التي وصلنا اليها اليوم، إن لم يكن اكثر سوءا وخزيا، بفعل تراكم هذا الفشل والاخفاق في الادارة والتخطيط والتنفيذ..
ليس صحيحا أن السبب "قلة أموال" وجعل ذلك من ضمن دستة التبريرات الجاهزة.. بل السبب الاساس والاول كما اشرنا هو ازمة ادارة دولة و"رجال" دولة.. ففي الغالب وللاسف الشديد ، أن ماهو موجود رجال واحزاب سلطة، وادارة إقطاعية لـ"مزرعة" تعمها الفوضى وعدم التنسيق والتضاد في الارادات والمواقف والنوايا.. هذا مايؤكده اغلب الساسة، فمانفع أن يقولوا ويصرحوا بخلاف ذلك على السنتهم التي تلوك الكلام والتبريرات بخلاف ماهو على ارض الواقع..
وبالضبط .. إن ماينطبق على الكهرباء ينطبق على معظم عمل الحكومة والبرلمان واغلب الوزارات ومنها الكهرباء، و "وتيتي تيتي لا رحتي ولا جيتي" هكذا سارت الأمور، وستظل "تيتي" البرلمان و الحكومة والوزارات في مكانها تراوح، ليس في أزمة انقطاع الكهرباء ، وإنما في رداءة معظم خدمات الدولة .. واذا استمرت عقلية ونفسية الادارة عندنا بهذا الشكل فإن التغيير والاصلاح نحو الافضل سيكون بعيد المنال وربما حتى آخر نقطة من برميل النفط وآخر دولار راقد تحت الحصانة الامريكية او دينار في بنكنا المركزي !.. فالمسألة ليست في حاجة مثلا إلى شطارة لجان تحقيق وقصي وكثر اعلانات عن خطط وبرامج .. فالدولة غارقة في محيط من لجان التعمية والتبهيم .. لجان "بلّوشي" على كل شيء وجدت فيها السلطة فيها متنفساً كأفضل وسيلة للهروب من المسؤولية وعدم مواجهة الواقع.. ليست المسألة هي تلك ، بقدر ما هي مسألة إدارة الأزمات في الدولة. فإلى متى نترك الأمور على حالها ونظل على أنانيتنا ونترك " القرعة ترعى" على حساب مستقبل الشعب و الدولة.. هو واقع دولة السلطة والاحزاب والزعامات والمحسوبيات على حساب دولة المؤسسات، وغياب المسؤولية وقراءة المستقبل المقلق.. أزمتنا ليس اسمها فقط انقطاع الكهرباء في كل صيف لاهب أو تفجر محطة ضخ مجار او تصحر وتدمير زراعة و البيئة،او سكن او وقود، او... بل هي أزمة إدارة مؤسسات بل ادارة دولة بكاملها... وغياب كهرباء التفكير والحصافة عند مسؤولي ومديري الدولة..
|
|