لماذا لا نعتبر .. !!؟؟
|
ماجد الكعبي
من السمات المتميزة لدى الإنسان الحصيف الواعي المثابر , والذي يمتلك خزينا من التجارب والدلالات , فانه يرتكز على قناعات ضمنية وذات فاعلة في معترك الحياة , فتراه يلتزم التزاما أكيدا بالعظة والاعتبار , الذي يضمن له صواب الرأي والسير إلى مرافا الحقيقية بثقة واطمئنان ... فالإنسان الرائع والواقعي هو الذي يعتبر ويأخذ العبرة من كل حدث تاريخي وحديث طارئ ويوظف تلك العبرة من اجل العطاء الثر والنفع المتواصل والصياغة والحصانة بسلوكه اليومي .
إن الإنسان في تواصل متصل مع مجريات الأمور في خضم متلاطم من الحقائق والتوقعات والنبوءات والإشراق , فانه يتسلح بسلاح لا يخون هو سلاح الإرادة المبدعة والتجربة الخلاقة والاتعاظ الواعي لما كان وسيكون عبر ممارساته المستمرة في محيط الواقع المعاش ... إن أغبى الأغبياء وأتفه التافهين هو الذي يتجاهل حقائق التاريخ , ويدير ظهره إلى مايفرزه الواقع من مفاجئات مذهلة وغير متوقعة , فمن يقرأ التاريخ بدقة وإمعان يقف مدهوشا حائرا أمام تلال من الوقائع غير المتوقعة , وأمام أرقام مذهلة من الإحداث الصاعقة , وأمام شخصيات عملاقة ومتعملقة قد طواها كفن التاريخ .. فأين هتلر وجبروته , وأين موسليني وعنترياته , وأين نيرون ونزواته , وأين نوري سعيد وتبعيته , وأين صدام حسين وتطاوسه , وأين ناظم كزار وأجرمه , وأين أين فلان وفلان وأين أصبحت طموحاتهم اللامشروعة وإجرامهم الفظيع وممارساتهم الخسيسة فالكل أضحوا في مزبلة التاريخ مصحوبين بلعنات واحتقار الشعوب والتي هي الباقية والى الأبد , وكل الملوك والرؤساء والأباطرة زائلون لا محال وكل منهم رهين بما صنع وفعل وقدم .. فأين العبرة والاتعاظ من هؤلاء ..!!؟؟ . ولماذا لا يتعظ الحكام بما شاهدوا وسمعوا وقرأوا عن السالفين الغاطسين في وحل الخيانة والخسة والإجرام ..!!؟؟ فما أكثر العبر التي تتزايد على مر الأيام ولكن قليل تعدادهم أولئك الذين يستفيدون من قراءة التاريخ ويأخذون منه الدرس والعبرة التي تحصنهم من منزلقات السلطة , وهوس الادعاء الأجوف , والطمع الرديء , فالمرء اليقظ هو الذي يستغل كل شاردة وواردة ويوظفها من اجل النفع العام والصالح المنشود في هذا الخضم المتلاطم من الأطماع والأنانيات والنفعيات التي لا تعرف حدا تقف عنده .
إن واقعنا المتلاطم يجاهر بحقيقة دامغة هي أن أكثرنا ( لا يعتبر ) وان مرد ذلك ليس هو الغباء الذي يهيمن على عقول الكثير منا ..! بل يتأتى هذا من النفوس الموغلة بالطمع والمطامع اللامشروعة , والتي تتقاطع مع جوهر الدين والإنسانية , وتأتي أيضا من الطموحات المهولة وغير المشروعة والتي تدفع إلى الانزلاق في مهاوي الخساسة والابتذال , كما أن للتربية العائلية والاجتماعية الأثر الكبير في إعداد النفوس وتهيئتها لأداء الأدوار المطلوبة , كما نجد أن انعدام الوازع الديني والوطني والأخلاقي يؤدي حتما إلى التردي في كثير من الحالات والظواهر الفردية والاجتماعية فان الأغلبية الغالبة من الذين لا يتمسكون بجوهر الدين والوطن لا يعتبرون بشيء ولا يتعظون بعظة بالرغم من صراحة كتاب الله الكريم ( القران ) الذي أغنى البشرية وما يزال يغنيها إلى ابد الآبدين بالعلم والمعرفة والنور وتبيان ما يضمه الزمن في دفتيه من أحداث لا يعرف سرها إلا الله العظيم وحده .إننا كلما نغوص في مسامات الواقع تتكشف لنا أمورا نجهلها وتستبين لنا حقائق عن جوهر النفوس ومعدن الرجال , فنحن أمام تجارب هائلة وغنية بالعبر والدروس , التي قد لا يستفيد الكثير منا من معطياتها ويجهل ماهيتها ولا يستفيد من معطياتها الايجابية والتي تغني النفوس والعقول بفوائد جمة وبمعطيات متنوعة , فمرحى وطوبى لمن يتخذ العبر والعظات شموسا ساطعة وأقمارا مضيئة تهدي إلى سواء السبيل , فكل تجربة في الدنيا , وكل عبرة في الوجود تعطي عطاءات ايجابية مشرقة تدعم مسيرة الآخرين إلى أمام بكل ثقة وقناعة واطمئنان , وبؤساء أولئك الذين لا يكتنزون العبر للاستفادة منها في مسارهم الطويل .
إن الذين لا يعتبرون هم مكابرون ومعاندون ويجافون الحق والحقيقية , ويسبحون في ظلمات الجهل والتسيب والضياع , إن الذين يتمسكون بعروة العبرة فهم يظلون في مأمن ومنجاة من التخبط والضياع .إن ما أريد قوله أن الذين لا يعتبرون هم في العادة من الرؤساء والوزراء وأصحاب المواقع العليا فأنهم يسبحون في بحور الغرور والتعملق , ولا يأبهون بما حدث ويحدث فهم في غربة عن الواقع المتفجر والمتطور في عراقنا المقهور والمثقل بالجراح , وان سحر الكراسي التي يعتلون عليها أنستهم وتنسيهم العبر الكبيرة والدروس الكثيرة التي حدثت لمن هم اقوى وأكثر شهرة منهم , ولكن كفن النسيان قد لفهم بلا غير رجعة هم وموبقاتهم ونزواتهم وأجرامهم فأصبحوا في وادي النسيان , فأين تلك القصور المتشامخة ..!؟ وأين تلك المواقع المتعالية..!؟ وأين تلك العناوين الشهيرة..!؟ وأين تلك الفخفة والنفخة والانتفاخ..!؟ أين هم الآن..!؟ فقد أصبحوا رمادا تحت أطباق الثرى , فلماذا لا يتعظ الحاضرون ..!؟ ولماذا لا يلتزم المتحكمون بعروة الشعب والوطن والعطاء للجماهير التي علقت عليهم الآمال والأحلام ..!!؟ إن الوقاحة والصفاقة جعلتهم بعضهم لا يعتبرون بأي اعتبار , فالويل لكل من لا يعتبر , والويل الويل للذين يشربون من منابع الغرور والتطاول والازدراء بالآخرين وهم في نهاية الأمر مجرد جيف مدفونة , وأسماء شاحبة في ضريح التاريخ الذي لا يرحم كل أعداء الله و الشعب والوطن والحق والحقيقية .. وان كل من يتجبر ويتكبر ولا يعتبر سيظل في معرض اللعن والطعن , ولا يكون في لحظة ما في قلب كل مواطن حر وشهم وغيور، فالكل ينشدون ويبتغون ويريدون الإنسان الشريف النظيف المشبع بالأصالة والقيم والوطنية , ومهما يكن موقعه الوظيفي أو الديني أو العشائري أو الحزبي , فخير الناس من ينفع الناس , والمرء رهين بما جنى وكل شيء يفنى ويتلاشى إلا العمل الصالح , والإنسان المصلح سيظل علامة بارزة في طريق الإنسانية التي تمجد كل من يلتصق بخافق الجماهير وطموحاتها المشروعة .
|
|