قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

النجاح رحلة لا محطة وصول
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة * عبد الكريم العامري / باحث اجتماعي
بوسعك أن تحول الظروف إلى تجربة تزيدك علما. لا فرق في ذلك بين أن يكون الإنسان طريح الفراش من مرض ألم به، أو قائماً بنشاطه اليومي وسط ضجيج المدينة. كل شخص يستطيع أن يقتبس الخبرة والعلم من التجارب التي تمر به.
كن مؤمنا بالنشاط المبدع. ولا يقصد بالإبداع أن يكون الإنسان متميزا بمهارة خاصة في الفنون أو قادرا على الإبداع ثقافيا، إنما قدرته على التجاوب مع أي وضع في هذه الدنيا، بمعنى أن ينظر المرء فيما حوله ويتساءل: كيف أحول هذا الوضع إلى تجربة هائلة؟ ماذا ينبغي لي قوله أو أظنه أو أشعره لكي أجلب على نفسي الخبرة و المعرفة من هذه التجربة؟
يظن البعض أن الحياة سلسلة من محطات الوصول والتطورات المتنوعة... التخرج من المدرسة أو الجامعة، الزواج، إنجاب الأطفال، الحصول على فرصة عمل، الترقيات. لذلك يعقد العزم على أن يسير من محطة إلى أخرى. إن تقويم السعادة على أساس مواعيد الوصول إلى المحطات، الواحدة بعد الأخرى يُعدّ تفكيكاً، أنظر إلى حياتك بدلا من ذلك على أنها رحلة مستمرة يجب أن تستمتع بها، وبكل دقيقة فيها.
لنأخذ الطفل الصغير. انه رغم حداثة سنه و قلة خبرته، يعدّ خبيراً في فن تحويل الشدة إلى متعة. فإذا هطلت الثلوج خاصة في المناطق الشمالية من العراق، فانه يحول العارض الجديد إلى مصدر متعة له بدلا من أن يقضي نهاره متحسرا على ما فاته، إذ أن الطفل يندفع إلى تشييد القلاع الثلجية والتماثيل، وما إلى ذلك من أعمال. كذلك الأطفال في حال وجود الرمل أو الطين بجواره فانه يصنع منه ألعابه، وهذا ما نشاهده ببساطة في أوساطنا المحلية.
لكن عندما يكبر الإنسان فقد يضعف لديه الميل الطبيعي للاستفادة من فرص كهذه إلى أقصى حد ممكن وقد يستعيض عنه بشعور الاستسلام والتخاذل.
هناك عبارتان تعبران عن طريقة في التفكير تمنعان أي إنسان يتفوه بهما، من أن يعيش حياة مبدعة تحت أي ظرف من الظروف، هما:
1ـ ليس هناك ما أستطيع عمله.
2ـ هذه طبيعة الأشياء، لا حيلة لي فيها.
فإذا آمن الإنسان بالعبارة الأولى، وقالها لنفسه، فأنه مقضي عليه بالإخفاق ما برح مؤمنا بها. إذ أن من واجب الإنسان ألا يكف عن محاولة تحسين ظروف حياته وإيجاد البدائل التي تجعله إنسانا نشيطا مبدعا.
أما العبارة الثانية فأنها تقتل في نفس الإنسان المقدرة على تغيير حياته، وتحمله على الاستسلام، والكف عن محاولات الإبداع.
ان فن الحياة بصورة نشطة مبدعة يتطلب أن يتخلى الإنسان عن أكبر قسط ممكن من تصلبه وتحجره، فإذا ظن أن عليه أن يواجه سائر المواقف بنفس طريقة المعالجة كان ذلك دليلا على فقد الروح الإبداعية.
من هنا فان حياة النشاط والابداع تتطلب أن يتخلى الإنسان عن وضع الجمود، فالعمل هو الدواء الذي يشفي الإنسان من الانقباض، القلق، التوتر، الخوف، الإحساس بالذنب، انعدام القابلية للحركة. ومن المستحيل أن يكون الإنسان نشيطا ومنقبضا في نفس الوقت. يجب أن يدرك أن انعدام النشاط ليس فقط نتيجة من نتائج الانقباض بل يجوز أن يكون سببه. والخمول في أغلب الأحيان هو اختيار لا حقيقة من حقائق الحياة التي لا مهرب منها. بينما النشاط وسيلة مضمونة لتجنب وقوع الإنسان ضحية لنفسه وللآخرين.
ليس للنشاط حدود، بوسعك أن تكتب في أي وقت من الأوقات قائمة بالأمور المفيدة التي تستطيع أن تنفض عن كاهلك الخمول، تجعلك نشيطا مبدعا: الجري أو الانضمام الى المؤسسات الاجتماعية والثقافية، أو مؤسسات المجتمع المدني، أو ممارسة الهوايات الخفيفة، أو زيارة المراقد الدينية المشرفة، أو زيارة الأحياء التاريخية، أو ارتياد المكتبات القديمة، أو ممارسة الكتابة أو... إلى آخر القائمة، وهي لا تكلف المرء شيئا من وقته أو ماله، لكنها تخرجه من دائرة الكسل و الجمود والموت الحي.
السمة الأساس لنموذج الإنسان، أن يكون نشيطا إيجابيا فاعلا، لكن ليس بمعنى النشاط الظاهري، أي خوض ميدان النشاط العضلي، إنما الاستخدام المثمر للطاقة الإنسانية. بأن يستطيع التعبير عن الملكات والقدرات والمواهب، فعند كل إنسان قدر منها. وأن يكون الإنسان نشيطا بمعنى أن يجد نفسه ينمو ويتدفق ويتجاوز سجن ذاته المعزولة بمحبة الآخرين، يكون شغوفا، منصتا، معطاء. الكلمات تظل قاصرة عن التعبيرعن كل هذه التجارب. لابد للناس من أن يشرعوا في استخدام قواهم الذاتية، يسيروا وحدهم حتى بلا عكاز.
كلمة (مثمر) لا تستخدم هنا لوصف القدرة على خلق شيء جديد أو أصيل بالمعنى الذي نقصده حين نصف فنانا أو عالما بأنه خلاّق، كلا، ولا يقصد بها كذلك الإشارة الى ناتج نشاطي، إنما هي وصف لنوعيته. والنشاط المثمر يدل على حالة النشاط الداخلي، بل يلزم أن تكون له علاقة بخلق عمل فني، أو علمي، والإثمار هو عملية توجه للشخصية، فكل الكائنات البشرية قادرة عليها بقدر ما تكون عواطفهم غير مشلولة. والشخصيات المثمرة قادرة على تنشيط مقومات الحياة في كل ما تلمسه أيديهم. إنهم يخلقون ملكاتهم ومواهبهم وقدراتهم ويبعثون الحياة في غيرهم من الأشخاص والأشياء.