ظاهرة الأقلمة في العراق.. أسباب ونتائج وحلول
|
علي حسين عبيد
في الوقت الذي يتطلب الوضع السياسي والحياتي عموما، تفعيل التقارب بين العراقيين، وتطبيب الجراح، وتماسك الصفوف، ووحدة الكلمة، بعد انسحاب القوات الامريكية، نلاحظ حدوث العكس تماما، متمثلا بتصاعد دعوات التفكك، حيث تشير ظاهرة الأقلمة التي آل إليها حال الشعب العراقي الآن، الى نوع خطير من أنواع التفكك، ليس لخلل في التقدم نحو خطوة الاقاليم او الدعوة إليها، بل بسبب سوء التوقيت، والعجالة والتسرع في التعامل مع قضية إقامة الاقاليم، ناهيك عن طبيعة مرحلة ما بعد الانسحاب، التي تتطلب التآزر والتقارب والتماسك بين عموم مكونات الشعب، مهما كانت الاسباب الداعية الى عكس ذلك!!.
ولو طالعنا المشهد السياسي بتأنٍّ ودقة، لأمكننا فهم الاسباب التي حدَتْ بالبعض للدعوة الى إقامة الاقاليم، والانفصال اداريا واقتصاديا عن المركز، وهي أسباب يقول عنها المراقبون والمتابعون للشأن العراقي، بأنها نتجت عن الحيف الذي ألحِق ببعض شرائح ومكونات الشعب، الامر الذي تسبب في قبولهم لفكرة إقامة الاقاليم، بعد أن كانت معظم مكونات الشعب العراقي ترفض التفكير في مثل هذه الخطوة جملة وتفصيلا.
ولعل السبب الرئيس الذي يقف في مقدمة الاسباب التي قادت الى قبول وتنامي ظاهرة الأقلمة، هو تفكيك روح المواطنة أو انعدامها لدى المواطن العراقي، وسبب ذلك ايضا غياب الانصاف الحكومي أو سواه في التعامل مع المواطن، فالاخير كما تشير الوقائع لم يحصل على حقوقه، إلا ما ندر، خاصة ما يتعلق بالخدمات والسكن والضمان الصحي والدخل المعيشي وما شابه، ولعل الاسباب التي أدت الى إهمال المواطن واضحة تماما، فقد انشغل السياسيون بالمحاصصة، وتصارعت الاحزاب والكتل على المناصب والامتيازات وما شابه، فيما أخذ الخط البياني للفساد يتصاعد على نحو خطير، بسبب التغاضي المتبادل بين السياسيين عن ملفات الفساد وسواها، وهو وضع شاذ جعل بلدا مثل العراق يحتل موقعه المتميز في الفساد!!، وفقا للمنظمات المعنية المستقلة.
والاسباب لا تتطلب جهدا كبيرا لفهمها او الوصول إليها، فهي جلية تماما ويمكن اختصارها، بضياع حقوق المواطن، في فورة الصراعات المستمرة بين السياسيين اللاهثين وراء مصالحهم الحزبية او الفردية، بغض النظر عمّا تلحقه تلك الصراعات من أضرار فادحة بالمواطنين، ليس على المستوى المادي المتمثل بضعف الخدمات وخواء سلة البطاقة التموينية، وإهمال الشرائح الفقيرة، فحسب، بل يمتد ذلك الى ما هو أخطر، حيث تُصاب المواطنة وقضية الولاء للوطن بنكسة خطيرة، الامر الذي أدى الى ظهور، بل انفجار ظاهرة الدعوة الى إقامة الاقاليم، في وقت غير مناسب تماما، وفي حال بقاء وضع المواطن العراقي على حاله، وبقيت الكتل والاحزاب تسلك المسالك نفسها، في ادارة الشؤون السياسية والاقتصادية والخدمية وسواها، فإن الدعوة الى الأقلمة لن تتوقف في عموم العراق.
ولهذا لابد أن تعالج أسباب هذه الظاهرة بعلمية تامة، ووفق خطط عاجلة ومدروسة بدقة. على أن يرافق ذلك، تصميم منبثق من ارادة وطنية لعموم السياسيين العراقيين، تسعى بجدية تامة الى إلغاء حالات التهميش والاقصاء، وتقضي على حالة تغليب المصلحة الحزبية او الذاتية على مصلحة المواطن، وتحرص كليا على الايفاء بحقوق المواطنين، من اجل ترسيخ الشعور الحقيقي والأصيل بالمواطنة، التي ستدفع بدورها مكونات الشعب الى التآزر والوحدة، فحتى لو كانت الأقاليم مبررة دستوريا أو سياسيا، يبقى الهدف دائما عدم تركيز السلطات في المركز، وفي الوقت نفسه عدم تجزئة العراق بحجة الأقلمة المقبولة دستوريا.
|
|