قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

المعارضة في النهج الحسيني
إيمان شمس الدين
طالعنا التاريخ بمواقف لرجالات لهم وزنهم الاجتماعي والديني، كانوا يمثلون النموذج الذي طالما يتطلع المجتمع إليه للاقتداء به واتباع أثره.فالاخلاق والقيم من الثوابت على المستوى النظري، وإن تغيرت على مستوى الفعل، والإنسان دوما تواق نحو الكمال، لكن الاختلاف دوما يقع في مصاديق الكمال وطرق الوصول إليه.وصناعة الحاضر والمستقبل تعتمد كثيرا على استقراء التاريخ بطريقة ملهمة لمعالجة إشكاليات الراهن، فالأيام دول بين الناس.ومن أهم الإشكاليات التي نعاني منها اليوم تلاشي القيم والمبادئ تدريجيا أمام ازدواجية المعايير، والانتشار التدريجي للفلسفة النفعية والتكسب على المستويات كافة، وأهمها المستوى السياسي الذي يخط حاضر الأمة ويقود إلى مستقبلها.
وعلى ضفاف كربلاء، يطل علينا نموذج إنساني في المعارضة، فمأساوية مشهد كربلاء وكيف كان حجم هذا المشهد في حيز التراجيديا من جهة، والمذهبية من جهة أخرى، رغم أنها مدرسة لا ينضب عطاؤها، ومناهجها الحياتية كثيرة، أديا إلى تحجيم هذا الحراك المطلبي الإصلاحي كي لا يتحول إلى حراك ملهم للمصلحين وليحرف التجربة الإسلامية في قيام الدولة عن المسار الذي أراده لها النبي الأكرم، فقد أعلن الامام الحسين (ع) رفضه مبايعة يزيد، وخرج طالبا الإصلاح في الأمة كي لا تبايعه. وقدم في ذلك الحسين (ع) نموذجا في كيف يجب أن يكون الرمز والقائد المتصدي للإصلاح وخاصة السياسي، وكيف يجب أن يستغل حضوره الاجتماعي في قلوب الناس ليميل بهم نحو الحق، حتى لو تضررت مصالحه، بل حتى لو ضحى في سبيل ذلك بنفسه وأهله.
إن تضحيات الامام الحسين (ع) والدماء التي هيمنت على المشهد العاشورائي في كربلاء لها دلالات مهمة نوجز أهمها:
1: أن الإصلاح السياسي مطلب حقيقي وواقعي لنهضة الأمة على المؤهلين التصدي له. 2: أن المصلح المتصدي يجب أن تتوافر فيه مجموعة معايير أهمها حضوره بين الناس وفي قلوبهم، واستعداده النفسي للتضحية بكل شيء لأجل رفع الظلم وإقامة العدل، وحفظ القيم والمبادئ حتى مع الخصم، والتجرد من كل قبليات مذهبية وقبلية وحزبية، وموضوعيته في علاج الإشكاليات. 3: مقارعة الحجة بالحجة وعدم التعدي على الأشخاص، أي سلمية الطرح هي الأولى وفق طريقة الحجج البرهانية في تبيان شرعية المطالب. فالحسين (ع) لم يعتد على معسكر الخصم واستخدم كل دليل يمكن أن يستدل به على حراكه ليجلي الحقيقة حتى أمام معسكر الخصم علّ هناك من يهتدي ويلتحق به، فبادروا هم للحرب، ومن ثم هو وأتباعه ردوا بالدفاع وثبتوا على مطالبهم حتى استشهدوا جميعا.4: النبل في الخصومة وعدم الفجور مع المختلف الآخر في السياسة والعقيدة، بل إنصاف العدو من النفس من خلال تطبيق قوانين الشريعة معه حتى لو يضعف ذلك حراكي المطلبي، فالأولى ترسيخ القانون وقيام العدل ورفع الظلم، أي درء المفسدة وليس جلب المنفعة.
ومنا إلى كل سياسي ورمز متصد للعملية الإصلاحية كي يقف قليلا على ضفاف كربلاء لينهل من معينها.