في ذكراها الأليمة
دروسٌ منسية من (واقعة سامراء)
|
*محمد علي جواد تقي
في مثل هذه الايام من شهر محرم الحرام وقبل خمس سنوات فوجئ المسلمون لاسيما اتباع أهل البيت عليهم السلام بعملية نسف الروضة العسكرية في سامراء وتدمير القبة الشريفة للامامين العسكريين عليهما السلام والروضة المطهرة بكميات هائلة من المتفجرات تم زرعها في مناطق عدة حول الضريح المطهر، وبعدها حدث ما حدث، وحصل ما حصل من ردود افعال وافرازات ومعطيات و... لكن بدلاً من استذكار الألم واجترار الماضي، أجد من المفيد تسليط الضوء – ولو على عجالة- على الانفجارات الاخرى الحاصلة على الساحة العراقية بسبب انعكاس ذلك الانفجار والاعتداء الآثم، ثم لنرى فيما بعد ما اذا كنا قد استفدنا من عبرة او درس بعد تلكم السنوات ؟
أولاً: على الصعيد السياسي، حصل اهتزاز عنيف في التشكيلة السياسية الحديثة النشوء والمبتكرة التي لم يعهدها العراق منذ قرون، فقد كان وما يزال يدار من قبل المكون الكردي والمكون السنّي والمكون الشيعي الذين يشكلون الغالبية العظمى للشعب العراقي، وفي عام 2006 حيث وقع الحادث كانت التشكيلة المذكورة في أيامها الاولى تحبو امام وسائل الاعلام وفي اروقة السياسة في بغداد، ولم يتمكن جلال الطالباني ولا نائبه طارق الهاشمي ولا محمود المهشداني ولا الحكومة من استيعاب الحادث وتوجيهه ايجابياً لدرء الفتنة، وقد كانت المرجعية الدينية بمنزلة خشبة الخلاص للجميع بفتواها بضبط النفس وعدم الانجرار وراء مساعي دفع العراق نحو الحرب الطائفية. ويجب القول، انه اذا كانت الاطراف المراهنة على هذه الحرب قد خسرت رهانها على التشظّي السياسي وإفشال التجربة الديمقراطية، فانها ربحت الورقة الاخيرة في وجوه اتضحت فيما بعد علاقاتها المشبوهة بالخارج وكما رأى الجميع كيف ان دماء الابرياء تقطر من ايديهم.
ثانياً: على الصعيد الامني، تعرضت المؤسسة العسكرية والامنية الحديثة النشوء هي الاخرى لتحدٍ خطير في منطقة أخطر ما يوجد في العراق، حيث تقاطع التقديس العقائدي مع المحيط الاجتماعي، فكان أن لجأت الحكومة بتشكيلتها الجديدة على يد نوري المالكي الذي خلف ابراهيم الجعفري في اذار 2006، الى استيعاب الجماعات المسلحة المتناثرة في المناطق المتوترة مثل (مثلث الموت) في شمال بابل واطراف بغداد، او في محافظات الموصل وصلاح الدين والانبار، والاهم من كل الاضطرار الى ازالة صفة الارهاب من افراد هذه الجماعات بدخولها خيمة (الصحوة)، ليكونوا ذرعاً عسكرياً وامنياً في آن بيد الحكومة، بدلاً من ان يكونوا أدوات بيد (القاعدة) او الجماعات الارهابية الاخرى.
ثالثاً: على الصعيد الاجتماعي، حكم على أهل سامراء بما يشبه العزل التام عن العالم الخارجي وعن كل من يزور المنطقة وعن المرقد المهدم ايضاً، وقد فسرها البعض بانها عقوبة لهم على عدم حمايتهم الحرم الذي أمضوا أحقاباً الى جنبه بأمان وسلام ورفاهية، وسواء صدق هذا التفسير أم أخطأ، فان جميع مناطق العراق التي يسكنها خليط من السنة والشيعة دفعوا أثماناً أكثر بكثير مما دفعه اهالي سامراء بعد انتشار ظاهرة القتل على الهوية وارسال بلاغات بالرحيل قبل النسف والقتل .
ولا ننسى انتشار السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة كانتشار الجراد على المحاصيل الزراعية، فاوقعت في ابناء هذا الشعب تقتيلاً وترملاً وتيتماً ودماراً وضرباً عنيفاً في كيان المجتمع والاسرة وعموم الوضع النفسي والاجتماعي للانسان العراقي، كل ذلك حصل، من اجل إفهام العراقيين ان بلدهم لا يمكن ان يدار بالتشكيلة الثلاثية التي بدأ بها عهده الجديد، وليس أدلّ على وجود الضغط الخارجي في هذا الاتجاه تساقط رؤوس من المسيرة السياسية كان يفترض ان تكون مثالاً للتنوع والتعدد في الحكم الجديد، من امثال (محمد الدايني) او (الشيخ ناصر الجنابي) او (عدنان الدليمي) و(مشعان الجبوري) وغيرهم،ويبدو ان الحبل على الجرار.
والسؤال الكبير هنا؛ لماذا يجب ان يكون مرقد لإمامين من أئمة المسلمين وسيلة لايصال رسائل سياسية من هذا وذاك، الى اهل الحكم في العراق...؟
نعم؛ المشكلة تكمن في مدينة سامراء نفسها لأنها الحلقة الاضعف، وهذا ما جعلها وسيلة طيعة بيد اطراف اقليمية ودولية لتكون حربة في خاصرة العراق، ربما دون ارادة منها، لكن السؤال التالي؛ ولماذا نقبل بهذا الواقع...؟ هل هذا هو قدر مدينة سامراء وقدر المسلمين؟ انها مدينة صغيرة تضم بيوت متواضعة وبعض الاسواق والمدارس القديمة، لكنها تحدت امبراطورية عظمى في العالم يُقال عنها (لا تغيب عنها الشمس)، فيسمع باسمها اصحاب الرساميل واباطرة الرأسمالية في لندن، وان هناك شخصا واحدا تمكن من تعبئة الملايين انطلاقاً من هذه المدينة، وفي نهاية القرن التاسع عشر، ويحبط مخطط اقتصادي عظيم، و ربما كانت مزارع التبغ في ايران تكون على شاكلة (هونغ كونغ) في الصين عندما استأجرتها بريطانيا لمدة (99) عاماً! واعادتها عام 1989.
ان سامراء يجب ان تكون مدينة مقدسة لكل المسلمين كما ان كربلاء والنجف والكاظمية، مدن مقدسة للمسلمين ولمن يزورها من المسيحيين او غيرهم من اصحاب الديانات والمذاهب الاخرى. والمثير حقاً اننا في الوقت الذي نتحدث عن كرامة سامراء واهميتها ومعالجة افرازات ذلك الاعتداء الآثم، نجد ان المعنيين في بغداد ما يزالون يقلبون اوراق الجناة او الجاني الذي شارك في عملية نسف القبة الشريفة. ويسمع المواطن العراقي وكل المسلمين عن وجود وساطة لاعادة المتهم الذي يحمل الجنسية التونسية الى أهله!
من هنا يجب ان يكون كل شيء يتعلق بسامراء – السكان – والروضة المقدسة، وكل ما يتعلق بها، واضحاً جليّاً بعيداً عن اللبس والغموض، اذا كان ثمة ادعاء حقيقي بالحب والولاء للامامين المعصومين والوفاء والاخلاص للامام الحجة المنتظر عجل الله فرجه الذي أصيب أيما إصابة بذلك الاعتداء الآثم، فقد هدمت القبة وفرض حولها الصمت، وطوق الحرم وأغلقت ابوابه، ثم هدمت المنائر وهي رمز التوحيد وذكر الله تعالى، وفرض طوق أخر للصمت، كما شمل الصمت والتكتم ملف التحقيق والمسؤولين الحقيقيين عن الحادث، وكاد المجرم ان يعود الى بلاده كما عاد مجرمون سعوديون شاركوا بتفجير سيارات مفخخة وصهاريج الى اهليهم سالمين بفضل صفقات خلف الستار، وكان يفترض ان يلاقوا مصيرهم العادل امام الشعب العراقي وامام جميع الشعوب العربية والاسلامية.
وهنا يمكننا القول: ان الامامين العسكريين عليهما والسلام وهما يرقدان شهيدان مظلومان، ما يزالان يمدان يد العطاء لنا لتكون الحادثة صفحة جديدة لمراجعة الحسابات على الصعد الاجتماعية والسياسية والامنية، وان يعود الانسان الى فطرته ويحاول الابتعاد ما أمكنه عن الأنانية وحب الذات والمصالح الفئوية والشخصية، ويفكر في الافق البعيد والاطار الاوسع للقضية، فهي بحق قضية اسلامية وحضارية، تشمل مسائل التجارة والاقتصاد والمجتمع وغيرها، يقول الامام الهادي عليه السلام: (من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق).
|
|