قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

أشدّ الأعداء
*يونس الموسوي
هل تعرف أشد أعدائك قوة؟
إنه ليس قوة عظمى ولا جماعة اقليمية أو محلية، إنه شيء يعيش في ذاتك، أتعرف ما هو الهوى ...!! هذا ما قاله الإمام علي (عليه السلام) في حديثه: (الهوى أعظم العدوّين).
إن عدوك الظاهري هو التكفيري والارهابي، فهو ربما يقتلك غيلة بواسطة عبوة مزروعة أو في عملية انتحارية أو غير ذلك، فيرسلك من حيث هو لا يشعر إلى جنة الخلد، بينما عدوك الداخلي وهو الهوى يجلب لك التعاسة في الدنيا والعذاب في الآخرة، وقد لا تشعر أنت أيضاً.
هذه القضية، فضلاً عن كونها دينية، فانها مسألة عقلية، ذلك أننا لو أزحنا المفاهيم الدينية عن هذا الموضوع سنجد أن العقل أيضاً ينادي بلجم النفس، وحبس الهوى، لأن إنطلاقهما من أماكن حجزهما سيؤديان إلى أسوأ الأمور ويقودان الإنسان إلى أسوأ مصير.
ويمكن تشبيه الهوى المنفلت من عقاله بمنزلة الرجل السفاح الذي يقتل الناس ليس من أجل مكسب يحققه بل لغرض إرواء عطشه للدماء كازلام النظام البعثي أو التكفيريين الذين لايستطيعون رؤية الابتسامة على شفاه و وجوه أطفال العراق وهم يعيشون الخوف والمطاردة والذل، فيحاولون بكل الطرق والوسائل أن يعوضوا عن هذه العقدة الدنيئة، وليوهموا الناس بهذه المقولة: بان الوضع الحالي أصبح أسوأ من فترة الطاغية المجرم.
وإذن، فالعدو المستتر وهو الهوى أو العدو الظاهري وهو التكفيري والارهابي، هؤلاء عندما يطلق سراحهم من قيد العقل والحكمة فإنهم سيدمرون الحياة، كما يسفر الهجوم النووي عن إبادة بشرية كبيرة، فالأفضل هو اعتقال هذا العدو ولجم تحركاته حتى لايعيث في الأرض فساداً.
وقد سُمي الهوى (هوى)، لأنه يهوي بصاحبه إلى أسوأ درك، فهو عندما ينزل إلى ذلك المستوى كالبعثي والتكفيري فإنه تسقط جميع القيم والمبادئ أمام عينيه، وكل شيء يصبح بالنسبة إليه مبرراً فهو يقتل حتى الأبرياء، لأنه بنظره لا قيمة لحياتهم، فإن كان القتيل بريئاً دخل الجنة وإن لم يكن كذلك دخل النار، وهؤلاء الحمقى لايعلمون بأنه حتى المذنب أيضاً سيدخل الجنة لسبب مهم وأساسي وهو لأنه قتل مظلوماً فيأخذون كل سيئاته ويلقونها على كاهل القاتل المجرم، فيخرج من الذنوب كما ولدته أمه نقي الثياب والأعمال، ويصبح التكفيري والبعثي ثقيلاً بذنوبه وذنوب غيره.
والبعثي والتكفيري هما يشبهان الهوى في أنهما يخفيان وجههما الحقيقي، فالتكفيري يأتي إلى الناس بشعارات دينية وإسلامية فيظن البعض أنه محق ولايعلمون بأنه منافق، أما الآخر فهو يستخدم شعارات وطنية ليظهر حبه للوطن وهو أيضاً منافق، بعد ما تسببت هذه الشعارات ولفترة طويلة بضياع الوطن و زجّه في حروب ومغامرات مدمرة.
الهوى أيضاً هو رفيق الإنسان في درب حياته، لكنه رفيق سيئ، فيظهر ما هو حسن ويخفي الشيء السيئ، يقول الإمام علي عليه السلام: (الهوى قرين مهلك) فيأتي إليك بلسان جميل فيصبح، ويقول انه يدافع عن مصالحك ويريد لك الخير، وانك إذا اتبعته فسيقودك إلى أفضل فرصته للحياة، وإذا اتبعته فإنه سيذوقك شيئاً من طعم اللذة، لكنها لذة مؤقتة ستعقبها ندامة مؤكدة وأبدية في الدنيا والآخرة.
وإذا كان هناك للذنوب علاج وهو الاستغفار فإن الهوى لا علاج له لأن الإنسان معه يذنب ويجرم ويقتل ويظن نفسه على الهدى، وهذا هو بالضبط وصف الشيطان للهوى فقد ورد عنه: (أهلكتهم بالذنوب فأهلكوني بالإستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون). ذكر ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله). (الترغيب والترهيب، ج1، ص87).
فحتى أصحاب الفسق والفجور هم أفضل حالاً من التكفيريين والبعثيين لأن هؤلاء يستغفرون الله عزوجل من ذنوبهم فيغفر الله لهم ذلك أما اولئك المنافقين الذين يلوكون اسم الإسلام والشعارات الوطنية فهم يظنون أنهم على الهدى فلا يستغفرون الله، فتتراكم الذنوب بثقلها على ظهورهم.
ولابد أن نعرف، أن الهوى هو سلاح فعال يستخدمه الشيطان الرجيم ضد الذين يدعون التمسك بالاسلام والايمان، فهؤلاء لايأتيهم الشيطان عن طريق الفسق والفجور وإنما يأتيهم عن طريق الهوى، وما من إنحراف حدث في الإسلام إلاّ من خلال تزوير وتحريف لوقائع التاريخ، وكذلك تحريف تفسير القرآن الكريم، وتحريف مفاهيم الدين، وتزوير الروايات التاريخية المتعلقة باحداث مهمة دينية ومصيرية.
إن جميع أصحاب العقائد الباطلة يعتمدون في توكيد عقائدهم عن طريق تفسير مزور للقرآن الكريم، والتفسير المزور هو التفسير حسب الهوى أو ما يعرف بالتفسير بالرأي، وقد حرم نبي الإسلام تفسير القرآن بالرأي، ذلك أن هذا التفسير يغيّر المعاني والأحكام والحقائق، وكان قد نزل على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) القرآن وتفسيره فلا يجوز لأحد أن يفسر القرآن بحسب أهوائه وآرائه، كما لايجوز لأحد أن يصنف الناس والجماعات والأحزاب حسب آرائه ومعتقداته فيكفر هذا ويسيئ إلى ذاك ويخرج الآخر من جماعة الإيمان، فهذا هو الهوى الذي يقود الإنسان إلى الانحراف عن جادة الصواب والايمان.
وخير الأعمال هو أن الإنسان يتمسك بالنص الذي لديه ويلتزم بما جاء إليه من القرآن والنبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم)، فهؤلاء القادة لم يتركوا شيئاً للناس حتى يفتوا فيه أو يتخذوه بآرائهم فالله سبحانه الذي صمم وأقرّ كل حركة وسكنة من حركات وسكنات نبيه العظيم فإنه عزوجل لن يترك دينه لأناس يفتون فيه بآرائهم.
ذلك أن من يفتي يقحم هواه ورغباته الشخصية في الفتوى فنجده مرة يحرم قيادة المرأة للسيارة ومرة أخرى يفتي بجواز ذلك، كما حصل في بعض دول الخليج، وتتضارب الفتوى لدى كل واحد منهم حتى إنه يفتي بشيء في يوم ثم يعود وينقلب على فتواه في يوم آخر .. وهذا ليس بدين الله.
إن لدين الله حقيقة واحدة لايمكن أن تتناقض وتتضارب في شيء من تفاصيلها، وإذا حدث مثل ذلك كما يحدث لدى رجال الافتاء في السعودية فإن ذلك يعني انهم يفتون بآرائهم وأهوائهم البعيدة كل البعد عن الدين وقيمه الحقة وقد جاء في القرآن ذكر ذلك الرجل الذي انسلخ من القيم الإيمانية والآيات الربانية نتيجة إتباعه للهوى وقال الباري عزوجل: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الاعراف /175-176).
إن من يقرأ هذه الآية يتساءل عن سر الارتباط بين الهوى والدين، وما هو تاثير تغلغل الهوى على دين الإنسان؟
الإمام علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) هو الذي يبين مستوى العلاقة ما بين الدين والهوى فيقول عليه السلام: (رأس الدين مخالفة الهوى). ونفهم من ذلك أن اتباع الهوى يؤدي الى تقويض الدين وضياعه في النفوس.
ولو عدنا إلى القرون الوسطى حيث كانت الكنيسة تحكم البشرية،، سنلاحظ أن الشيء الذي غيّر قيم الدين والإيمان هي الأهواء التي كانت تتحول على شكل أحكام يصدرها القساوسة.
ونلاحظ اليوم أوضاع عالمنا الإسلامي حيث يدمرون الشعوب، ويسفكون دماء المسلمين، فهذا القتل وهذه الدماء تسيل نتيجة فتاوى من أضلّ الله قلوبهم بالهوى، فأصبح الدين لعقاً على السنتهم، يحرمون شيئاً، ويبيحون آخر حسب اهوائهم.. فجهنم مأواهم، ومصيرهم الهلاك في الدنيا قبل الآخرة.
1