قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

لنعلم اطفالنا ثقافة القرآن الكريم وأهل البيت (ع)
*يونس الموسوي
يقول علماء النفس أن سنين الطفولة هي المحددات الرئيسية لشخصية الإنسان في الكبر، بمعنى أن المجرم يصبح مجرماً وقاتلاً لأنه عايش في طفولته ظروفاً وأحوالاً خاصة، وأن الإنسان الصالح يصبح كذلك لأن طفولته كانت صالحة.
نحن لا نقول بأن الطفولة تسلب حق الخيار من الإنسان، وتنزع مشيئته في اتخاذ القرار والسلوك الذي ينتهجه، لكننا نقول بأن للطفولة تأثيراً عميقاً في حياة الإنسان ومن هذا الباب جرى التأكيد على تعليم الأطفال، لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر.
من هنا ومن أجل بناء مجتمع إسلامي تزدهر فيه قيم الإسلام، يجب العمل على بث هذه المبادئ والقيم بين شرائح الأمة وأصغر خلية فيها وهي الأسرة. والانطلاق في هذه المسيرة مع الأطفال، لذا يجب تكوين ثقافة إسلامية خاصة بالأطفال يقوم الآباء بإشاعتها بين أبنائهم حتى يضمنوا سلامتهم من الإنحراف عند الكبر.
من هنا فان تكوين ثقافة إسلامية للأطفال، هي مهمة العلماء والمفكرين والأدباء والشعراء والفنانين، وذلك أن الأطفال بحاجة إلى كل أنواع المعرفة ولكن بلهجة مبسطة تناسب مرحلتهم العمرية، فالعلماء على سبيل المثال يجب أن يبتكروا إسلوباً مبسطاً لعرض الاحكام الإسلامية بصورة سلسة للأطفال، كما على المفكرين ان يعرضوا المبادئ الفكرية الإسلامية بقوالب جديدة وسهلة الفهم للأطفال، ومن ناحية الأدباء فإننا نلمس في الوطن العربي والإسلامي إنبعاثاً لظاهرة (أدب الطفل) وهي ظاهرة جديرة بالعناية والاهتمام، لأنها بحاجة إلى تنمية وتطوير وإدخال مفاهيم الإسلام العالية في مضمون هذه الظاهرة من أجل ضمان نشر قيم الإسلام عبر هذا الطريق، والشعراء أيضاً يتحملون مسؤولية كبيرة في طرح المضامين العالية عبر قالب الشعر، فإضافة إلى ترسيخ معاني الخير في قلوبهم، فهو يجذبهم إلى الأدب وحب اللغة العربية التي هي أم اللغات، وللفنانين مساهمتهم في التكوين الثقافي للطفل، فالرسم والنحت والتمثيل وغيرها من الفنون لها دور في تنمية المشاعر النبيلة للطفولة.
والطفل هو أكثر إستعداداً لتقبل هذه الأمور حتى من الكبار وذلك بفضل قدرته على حفظ الأشياء.. ونجد اليوم إن الكثير من كبار السن يعانون من سوء حفظهم لأسماء الأئمة عليهم أفضل الصلاة والسلام، بينما كان بالإمكان أن يحققوا رغبتهم هذه في فترة الطفولة، فهناك أشعار تأتي على ذكر الأئمة الأطهار واحداً واحداً وتساعد الطفل على حفظ أسماء الأئمة عليهم السلام.
ولابد أن أذكر بأن المسلمين الأوائل كانوا يبدأون بتعليم أطفالهم القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية وتاريخ أهل بيت النبوة منذ عهد الطفولة، فكان الكثير منهم يحفظ القرآن الكريم وهو في تلك السن الصغيرة وكان الآباء يدفعون الكثير من الأموال لتعليم أطفالهم تلك العلوم التي تدر عليهم بالخير المادي والمعنوي.
ونحن إذا نطالب بتطوير مناهج التعليم في مدارسنا العربية والإسلامية، نشير إلى أن الكتاتيب من العهد الماضي كانت أكثر نفعاً من مدارس اليوم، صحيح تلك الكتاتيب ما كانت تعلم التلاميذ العلوم الحديثة على مثل هذه العلوم، غير أنها كانت تعلم الأطفال العلوم الرئيسية ومنها القرآن الكريم والسنة الشريفة، حيث أصبحت هذه المواد في يومنا هذا من أضعف الدروس في المدارس الحديثة، وكانت تلك الكتاتيب تربي الأطفال على الأخلاق الفاضلة هذا الشق المفقود اليوم من مدارسنا الحديثة.
واليوم حيث يعيش العالم مشكلة الأخلاق، ينبغي العودة مجدداً إلى التركيز على هذه المادة الرئيسة في مدارسنا، ومتابعة أحوال التلاميذ من ناحية تربيتهم الأخلاقية ومراقبة سلوكهم داخل المدرسة ومتابعة ذلك خارج المدرسة.
لكن نعود ونقول أن مسؤولية الأطفال التربوية تقع بالدرجة الأولى على آبائهم، فهم معنيون أكثر من سواهم بمصير أبنائهم وما تؤول إليه أحوالهم، لذا لابد وأن يبتكروا أساليب جديدة على حث أبنائهم للالتزام بالمبادئ والقيم الدينية. وأن لا يلجأوا الى القسوة والعنف لتوجيههم الى الوجهة التي يعدونها جيدة وحسنة، لأن لذلك آثاراً عكسية وخطيرة في المستقبل، وهذا يدحض المقولة الشائعة اليوم بان الصفع على الوجه هو هدية من الوالدين لضمان مستقبل الشاب او الشابة! او ان الابوين انما يريدان من الضرب اظهار محبتهما وحرصهما على ابنهما، وهذا ربما يشك به الكثير من الاولاد.
فعندما يدعو الأب إبنه الصغير لإقامة الصلاة فإنه لايدعوه لذلك عن طريق الضرب بل يحثه على فعل ذلك وتشجيعه عن طريق الجائزة كأن يقول له إذا صليت شهراً كاملاً سأشتري لك جائزة ثمينة.
والآباء بشكل عام يشترون لأبنائهم الهدايا، فلماذا لايربطون تقديم الهدية والجائزة بحفظ شيء من القرآن أو بعض أحاديث أهل البيت عليهم السلام أو حتى إقامة الصلاة، وليس بالضرورة أن تكون الجائزة دائماً مادية وذلك حتى لانرسخ في ذهنه الرغبات المادية، فلتكن جوائز معنوية على سبيل المثال أن تكون جائزته سفرة إلى أحد المراقد الشريفة في المدينة الأخرى.. أو الذهاب الى متنزه وقضاء فترة للاستجمام.
ومن المهم أن نتعلم كيف نثبت الأفكار الفاضلة عن طريق القصص، فالأطفال يحبون القصص ويحفظونها بسهولة وهناك عشرات القصص المذكورة عن طفولة الأنبياء والأئمة الأطهار عليهم صلوات الله، فهذه القصص هي للتسلية وللتربية وتنمية الوعي والفكر لدى الأطفال.
ولابد أن نعرف أن فترة الطفولة هي فترة التلقي والتعلم، وليست فترة الشباب، لأن الشاب في هذه الفترة يريد أن يكون صاحب رأي وموقف، ويقول: (انني كبرت وأصبحت رجلاً) أو بالنسبة للفتاة تقول: (أصبحت امرأة ويجب أن يكون لي دور في المجتمع). فكيف يكون له أو لها دور في الحياة من دون أن تكون لهما خلفية ثقافية يستمدان منها قوة الموقف.
وإذا شاهدنا بعض شباب اليوم وهم فارغين من الناحية الثقافية فسبب ذلك يعود بالدرجة الاولى إلى عدم اهتمام آبائهم برفد اذهانهم بالافكار الايجابية والبناءة، وتحفيز مشاعرهم النبيلة والبريئة، فالطفل مثل الكبير بحاجة إلى الفكر المبسّط وليس الى التعقيد والغموض، وإلى القصيدة الشعرية التي توسع خياله وتنمي مشاعره، وترسخ فيه قيم البطولة والشجاعة، وإلى القصة التي تحتوي على مفاهيم الخير والصلاح وتنمي لديه الشعور الحسن.
إن قصص وتاريخ النبي وآل بيته عليهم أفضل الصلاة والسلام تشتمل على كافة عناصر القصة الصالحة من أجل الأطفال ولايقتضي الأمر من الآباء إلا أن يذهبوا إلى تلك الكتب التي تحكم حياة هؤلاء العظماء، حتى يطالعوها ثم يسردوها على أبنائهم، فهناك عشرات القصص عن الإيثار والكرم والشجاعة والفداء في سبيل الدين ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والكثير الكثير من القيم السامية التي قدموا لنا هؤلاء العظام نماذج لها في حياتهم العملية.
من المعيب جداً أن تنتشر في بلداننا قصص (سبايدرمان) أو (سوبرمان) أو (باتمان)، هذه القصص والأفلام الخيالية التي ترسم أبطالاً وهميين، بينما تفتقد مكتباتنا قصص العباس بن علي عليه السلام وهو مثال حقيقية في البطولة والشجاعة، أو قصص الإمام علي عليه السلام في قلع باب خيبر أو في معركة الخندق والكثير الكثير من القصص التي تعد خزيناً هائلاً لهذه الأمة التي لاتعرف كيف تقدر أبطالها.
الكاتب الغربي بحاجة إلى أن يعتصر كل مخيلته حتى يستخرج من الوهم شخصية من تلك التي ذكرناها، بينما الكاتب العربي والمسلم لديه نماذج كثيرة ومواقف كثيرة تصلح أن تكون مادة جاهزة للكتابة، فالأطفال هم حاضرنا ومستقبلنا.. فلا نضيع مستقبلهم كما ضاع حاضرهم!!