قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

قيمة الوقت.. قيمة شهر رمضان
*طاهر القزويني
للزمن قيمة ولكن هذه القيمة لاتعرفها إلا الأمم المتقدمة والمتحضرة التي تعرف دور الوقت في تحقيق التقدم الإنساني، وقيمة الوقت تشبه إلى حد بعيد قيمة شهر رمضان، فالأمة التي تعرف قيمة الوقت تعرف قيمة هذا الشهر الفضيل، والأمة التي لاتعرف قيمة للوقت لاتعرف قيمة له!
وجه الشبه بين قيمة الوقت وقيمة شهر رمضان المبارك هو أن رمضان شهر متميز من بين الشهور وله قيمة فائقة على جميعها، ومنزلة عالية لاترقى إليها بقية الشهور. فقد أودع الله العليم في هذا الشهر من الأشياء التي لايمكن أن يحصيها إنسان، لأنها في علم الغيب التي لايحصيه إنسان لا صلة له بالسماء، فهو شهر الخير والبركة والرحمة وهو شهر القرآن الكريم و شهر ليلة القدر وشهر العبادة والصيام، وشهر التطهير والنقاء، وشهر يدخر فيه الإنسان المؤمن من الطاقة ما تمكنه من المضي قدماً في طريق الإيمان مدة السنة كلها.
فمن يتزود من هذا الشهر، سيتمكن خلال الشهور التالية أن يستمر في العطاء، بينما الذي لايستطيع أن يتزود منه شيئاً، بلاشك سيعيش وضعاً مزرياً في بقية الشهور.
ذلك أن رمضان يقدم أعظم فرصة للإنسان كي يغير ذاته ويبني العناصر الإيجابية في شخصيته أما إذا ضيع هذا الإنسان تلك الفرصة الثمينة، فإنه لن يحصل على فرصة مماثلة.
ففي هذا الشهر العظيم تغل أيدي الشياطين وتزاح الحجب عن قلب الإنسان حتى يرى بوضوح الأشعة النورانية في هذا الشهر العظيم ولاشك أن كل واحد من البشرية حتى وإن لم يكن مؤمناً يستشعر وجود النورانية في هذا الشهر لكن يبقى عليه أن يصمم ويقرر أن يبدأ من جديد.
وهذه النورانية تشمل الجميع، لكننا نريد أن نشعر بها أكثر وأكثر، وننظر إليها بعين ثاقبة حتى لا تفلت من ايدينا هذه الفرصة دون أن نستثمرها بشكل جيد، فاليوم الواحد في رمضان توازي قيمته السنة الكاملة من بقية الايام، والساعة الواحدة منه تساوي شهراً كاملاً من الأشهر العادية.
هذا التشبيه بالطبع لتقريب الصورة للأذهان وتوضيح قيمة الشهر الكريم حتى نعرف قيمته ونعطيه من الأهمية والتركيز ما يستحقه، وننتبه أيضاً إلى قيمة الوقت، فالزمن يمر بسرعة والإنسان متوقف في مكانه، لكن هنالك تغييرات بايلوجية تجري عليه دون ارادة منه، حتى تأتي تلك اللحظة التي يشعر معها إن العمر مضى ولم يبق منه إلا القليل، عندها سيتمنى لو أن الزمن يعود الى نقطة الصفر، حتى يقوم بالأشياء التي كان يتمناها ويتجنب الأشياء التي هو الآن يندم عليها.
ما لفائدة من التفكير فيما مضى من العمر؟
الفرصة موجودة الآن للتعويض عن تلك السنين الماضية، هناك فرصة لإصلاح التاريخ، فالكائن الوحيد الذي يستطيع أن يصلح تاريخه هو الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي منحه هذه الفرصة لكي يصلح تاريخه ويبدأ صفحة بيضاء جديدة.
إذن.. لم نكن نعرف في فترة الشباب قيمة رمضان ولاقيمة الوقت، والآن عندما تعرفنا على قيمتها يجب أن نعوض عن تلك السنين التي ضيعناها باللعب واللهو، وإذا كان الله سبحانه سوف يسامحنا على تلك السنين فإنه سوف لن يحاسبنا على هذه السنين التي أصبحنا فيها من الواعين ما يساعدنا على معرفة قيمة الزمن وقيمة رمضان.
وللأسف إننا نجد الشيطان يركز أعماله أيضاً في شهر رمضان المبارك، حيث نرى أن القنوات التلفزيونية تبث أغلى برامجها واكثرها اثارةً في شهر رمضان وهناك منافسة شديدة بين جميع القنوات لجر المشاهدين إلى برامجها، أما الإنسان المؤمن فإنه سيقلع نفسه من التلفزيون ومن تلك البرامج لأنه يعرف قيمة الزمن وقيمة رمضان.
وبالطبع ليست جميع برامج التلفزيون مبتذلة وغير نافعة، فهناك برامج مفيدة وتضيف للإنسان أشياء كثيرة، والإنسان هو الذي يستطيع أن يقيّم الأشياء، ويوزنها بأوزانها الحقيقية. ومن لايعرف قيمة لشهر رمضان، سيكون الشهر بالنسبة إليه كأي شهر آخر من شهور السنة فهذا لايعرف قيمة للزمن، لذا فأن عمره يمضي دون أن يشعر بذلك.
ولو كان الناس يعرفون ما في شهر رمضان من الخير والبركة لتمنوا أن الله عزوجل جعله سنة كاملة رغبة فيه وفي البركة التي يجلبها عليهم، هذا الشهر الذي تفتح فيه أبواب السماء وتستقبل من المؤمنين أقل الأعمال فتكتب لهم بأعظم الثواب. وقد ورد في وصية الإمام الصادق عليه السلام لابنه قوله: (فاجهدوا أنفسكم فإن فيه تقسم الأرزاق وتكتب الآجال، وفيه يكتب وفد الله الذين يفدون إليه وفيه ليلة العمل فيها خير من العمل في ألف شهر) البحار، ج96، ص375.
من الذي يستطيع أن يحصل على كل بركات شهر رمضان المبارك؟
الذي يستطيع أن يبذل كل مجهوده كما قال الإمام الصادق عليه السلام في وصيته، هو ذلك الشخص الذي يعرف قيمة شهر رمضان، وقيمة الزمن الذي هو فيه، فإن أدرك ذلك قيمة هذا الشهر والمزايا التي فيه طوع نفسه للقيام بأصعب الأعمال وأكبر العبادات، ولا أروع من وصف رسول الله صلى الله عليه وآله لهذا الشهر وهو يقول: (أيها الناس أنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب).