في رمضان المبارك.. الأمة تبني إنسانها وتجمعاتها ومجتمعها
|
إعداد/ بشير عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
"شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (سورة البقرة / 185- 186)
حينما بيّن الرّسول (ص) صفات الأشهر الثلاث الفضيلة, وسمّى شهر رجب أنه شهر الله، وشهر شعبان بأنه شهر رسول الله (ص)، قال: (شهر رمضان شهر أمّتي). هكذا جاء التسلسل الطبيعي، ابتداءً من الخالق البارئ المصوِّر الذي لا شريك له، الذي وهب لنا الحياة والهدى، ومن ثمّ الرسول الذي بلّغ هذه الرسالة، وأخيراً الأمّة التي هي محور رسالات الله، أي الهدف الرئيس لتنـزّل آيات الله على الأرض، ونحن ها نقدم بعد شهر رجب وشعبان لندخل رحاب شهر الله وشهر عباد الله.
وفي سورة البقرة التي يبدو أنها جاءت ككبرى سور القرآن الكريم وأولاها بعد الفاتحة من أجل بيان ملامح الأمّة الإسلاميّة وشخصيّة هذه الأمّة وعناصر تكوّنها، نجد الحديث عن شهر رمضان بصورة مفصّلة، لأنّه شهر يضم الصيام وما فيه من القيام وما فيه من تفاعل المؤمنين بعضهم مع بعض عبر الإحسان وعبر التعارف والتعاون والتكامل والتواصي، يُعد عنصراً أساسيّاً من عناصر تكوّن شخصيّة الأمّة الإسلامية، بالإضافة إلى الحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والزكاة، والإنفاق، وما أشبه من الحقائق الدينيّة التي ذكّرنا الله سبحانه وتعالى بها في هذه السورة المباركة.
إذن؛ لنحوّل هذا الشهر الكريم الى عملية ميلاد جديد للأمّة الاسلامية، بل ولادة جديدة لكلّ واحد منّا.
كيف تتكوّن الأمّة؟
لكي نضرب مثلاً موضّحاً لتكوّن الأمّة الإسلاميّة لابدّ أن ننظر إلى البنيان، لأنّ الأمّة بنيان مرصوص. فحينما تجد ركاماً من الحجارة وتريد أن تحوّلها إلى بنيان مرصوص قوي وجميل، ماذا تصنع؟ الخطوة الأولى بعد ترسيم خارطة البناء، تفحّص الحجر الواحد بعد الآخر ليصبح مؤهلاً للبنيان. كذلك الأمة، هناك ثلاث مستويات أساسيّة لابدّ أن نطويها لكي نحصل على بناء الأمّة: المستوى الأوّل: بناء الإنسان، ومن ثمّ بناء التجمّعات، وأخيراً بناء المجتمع. وعبر هذه المستويات الثلاث تتكوّن الأمّة، والتي يقول عنها ربّنا سبحانه وتعالى: "إنّ الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفّاً كأنهم بنيان مرصوص".
أوّلاً: بناء الإنسان..
ليس كلّ إنسان يصلح لكي يكون عضواً صالحاً في بناء الأمّة، إنما ذلك الذي زكت نفسه أو زُكّيت نفسه بتعبير آخر، أي تأقلمت هذه النفس لكي تصبح صالحة للتكامل مع سائر النفوس. بينما الإنسان المستأثر والذي يرى نفسه محور هذا الكون، والذي لا يرى الآخرين، وإذا رآهم فبمقدار ما يستفيد منهم، ولا يحب إلا نفسه، هكذا إنسان لا يصلح أن يكون عضواً صالحاً لبناء الأمّة. من هنا جاءت التعاليم الأخلاقيّة في الإسلام لتصنع الإنسان، و ربّنا سبحانه وتعالى في سورة الشمس، حيث يبيّن ربّنا في تلك السورة ما هي فلسفة وجود الإنسان في هذه الأرض، يقول ربّنا سبحانه وتعالى: "ونفسٍ وما سوّاها فألهما فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها"، فالله تعالى هو الذي يزكّي النفوس، ولكن للإنسان أيضاً دور مهم حيث أنّ الإنسان لو لم يرد ولو لم يشأ أن يزكّي نفسه فإنّ الله يتركه لنفسه، إذن، لابدّ أن نبدأ بأنفسنا، ولذلك ربّنا في هذه السورة لا يحدّثنا عن ثمود كأمّة ضالّة وإنما أيضاً كشخص قام بدور خبيث في هذه الأمّة، لأنّ ذلك الشخص كان ممن دسّ نفسه ولم يزكّها، فيقول ربّنا سبحانه وتعالى: "ونفسٍ وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها كذّبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها".
إذن، على الانسان أن يفكر بنفسه قبل الآخرين، فإذا دخل الناس كلّهم نار جهنّم، أوَ تطيب نار جهنّم؟! ولو جاء زلزال مثلاً وجرف كلّ الناس فهل أنت ترضى بنفسك أن تكون ضحيّة ذلك الزلزال أيضاً؟ أم تسعى من أجل نجاة نفسك؟
الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه له كلمة عظيمة جدّاً، حينما كان الناس يتداولون مثلاً شائعاً أو خاطئاً ويقولون (حشر مع الناس عيد)، فقال (سلام الله عليه): أوَ حشر مع الناس إلى نار جهنّم عيد؟!
ليسع كلّ منّا في هذا الشهر الفضيل من أجل إصلاح نفسه، لأنه إذا أصلحت نفسك، زكّيتها، وجمّلتها بالآداب الحسنة، فإنك سوف تصبح إنساناً وعنصراً صالحاً لبناء الأمّة، وتساهم بهذه النسبة في بناء أمّتك وهذا هو الواجب العقلي والواجب الاجتماعي، وأيضاً الواجب الديني. بينما الإنسان حينما يكون حسوداً أو حاقداً أو عصبيّاً، ويرى الأمور بمنظار الحميّة الجاهليّة، هكذا إنسان لا يدخل الجنّة أبداً حتى يطهّر، فقد يطهّر في هذه الدنيا بالتوبة، وقد يطهّر في هذه الدنيا بالعذاب، وقد يطهّر في القبر بعذاب القبر، وقد يطهّر في يوم القيامة، و ربّما يدخل الجنّة، لكن لماذا ننتظر ألوان العذاب في الدنيا حتى تطهّرنا، فهناك سبيل أفضل وهو أن نطهّر أنفسنا بماء التوبة، و أن نطهّر أنفسنا بإصلاح أنفسنا، وأمامنا فرص وبرامج أخلاقيّة في بعض الفضائيّات المتلزمة والرسالية، طبعاً الى جانب فضائيّات تدخل الناس في هذا الشهر الفضيل إلى النار، فمن أراد الجنّة فليجلس تحت منبر الفضائيّات الملتزمة لتساهم في تطهير نفسه. والأمر بحاجة إلى لحظة إرادة وعزم. فإذا عزمت فتوكل الى الله تعالى.
و أوصي إخواني العلماء و الخطباء و المتحدّثين و كبار القوم، وكلّ المؤمنين أن يستفيدوا من هذه الفرصة الإلهيّة المتاحة لشهر رمضان في بث الوعي الأخلاقي، والخروج من زنزانة النفس. و ربّنا سبحانه وتعالى اشترط بدخول الجنّة أن نخرج من زنزانة أنفسنا، فقال: "ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنّة هي المأوى"، فعلى المجتمع الواعي أن يبث الوعي في الآخرين من أجل أن يتحوّلوا من عبادة الهوى إلى عبادة الرّب، من اتباع الهوى إلى اتباع الهدى.
ثانياً: بناء التجمّعات..
لا يكفي أن يكون الإنسان مؤمناً ويعتزل الناس ويجلس في زاوية البيت أو زاوية المسجد أو في صومعة أو ما أشبه ويذكر الله بالسبحة ويصلّي لربّه، لأنّ الله سبحانه وتعالى قد خلق الإنسان اجتماعيّاً، فلابدّ أن تكون عضواً صالحاً في المجتمع، ولابدّ أن تتعاطى مع المجتمع، ولكن اسعى لكي يكون تعاطيك مع المجتمع إيجابيّاً، لكن كيف؟ هناك عدة أمور:
1- علينا أن نقوم بواجب التواصي، فمن أبرز صفات المؤمنين التواصي، يعني أحدهم يوصي الآخر بالخير والمعروف و الكلمة الطيبة، والكلمة الطيبة صدقة، وأن تدعو الناس دائماً إلى الائتلاف وإلى الوحدة وإلى العمل الصالح والإحسان للآخرين. وعلى الانسان أن يحذر بشدة من أن يتدخل في بث الثقافة السلبية في المجتمع، إن الله سبحانه وتعالى خلق عشيرتين: الذبابة والنحل. الذبابة تنقل الميكروب من مكان إلى مكان، بينما النحلة تمتصّ الرحيق من الاوراد، ويتحوّل هذا الرحيق في بطنها إلى شراب سائغ فيه شفاء، حاول أن تكون مثل النحل، تسعى من أجل أن تنقل من هذا إلى ذاك الرحيق وهي الكلمة الطيبة.
2- لم يدع الله سبحانه وتعالى كلّ العلوم في نفس واحدة، إنما أعطى لكل واحد هداه، ولكي يعيش المجتمع التكامل لابدّ أن يتشاوروا حتى يجمعوا عقول بعضهم وعلوم بعضهم، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه، وأعقل الناس من جمع عقول الناس إلى عقله. وربنا سبحانه وتعالى قال: "وأمرهم شورى بينهم".
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الخير.
4- التعاون.
5- الإحسان.
هذه الواجبات وغيرها، وهي مبثوثة في كتاب ربّنا وفي الأدعية المأثورة في هذا الشهر الكريم، و هي في الحقيقة تهدف إلى بناء التجمّعات.
إن بامكان أي مجموعة سواء كانت في مسجد أو في هيئة حسينيّة أو في هيئة خيريّة أو حتى في عشيرة، وفي قبيلة و في منطقة سكنية وفي حيّ بل و زملاء في الدراسة وفي العمل، أن تشكل تجمعاً سماته التواصل والتواصي والتعاون، وأداء الواجب الشرعي تجاه الآخر، وهناك واجبات أخرى مذكورة في القرآن الكريم تتضمن حقوق الناس.
فاذا كونّا التجمّعات القوية، نتمكن من تشكيل الأمّة القوية، وسواء كانت التجمّعات خيريّة أو دينيّة أو طلاّبيّة أو مهنيّة أو فكريّة أو سياسيّة، وأي تجمّع في الأمّة، لأنّ الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعيش مع بعض، ولا يريدنا أن نبقى متفرّقين عن بعضنا، وهو الذي أمرنا بأن نوحّد أنفسنا بحبل الله، فحينما نعتصم بحبل الله، يعني حبل الله يشدّنا، لذلك ربّنا قال: "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا"، بمعنى اذا لم نعتصم بهذا الحبل، والحبل لا يجمعنا، فسوف نتفرّق، وحينما نتفرّق تحلّ الكارثة، لأنه لا يمكن بناء حضارة ولا بناء مجتمع ولا حتى العيش السليم في هذه الحياة من دون الاجتماع.
ثالثاً: بناء المجتمع..
إن التجمّعات تتكامل بصورة هرمية حتى تشكل دولة، وفي الحقيقة فان الإسلام ركّز على الأمة وليس على الدولة، لأنه الدولة في الحقيقة تعبير عن الأمّة وعن المجتمع، وتعكس الدولة ما في هذا المجتمع: «كما تكونون يولّى عليكم»، فإذا كان المجتمع متعاوناً، وقويّاً، ومجاهداً فسوف لا تكون هناك دولة ظالمة تحكمهم. ونحن في رحاب شهر رمضان، وبالذات في العراق نعيش أزمة تشكيل الحكومة. كنّا نرغب ونتمنّى لو أنّ إخواننا السياسيين في العراق قد استمعوا إلى نداء الضمير ونداء الأمة ونداء الدين، واجتمعوا مع بعضهم وشكّلوا دولة التعايش ودولة الشراكة الوطنية.
إن العراق لا يمكن أن يقاد من قبل جهة واحدة أو حزب واحد أو تجمّع واحد، فقد ولّى ذلك العهد، لنضع حداً للصراعات وتحدي الآخر، فهناك لدينا دستور، وفائدة أنه يوحدنا ويفترض أن يكون مرجعاً لاختلافات الناس، لكن إذا كان الدستور ونحن في بدايات الطريق، لا يمكن أن يحل مشاكلنا، ولابدّ أن يأتي شخص من وراء الحدود ويحاول أن يجمعنا أو يحل مشاكلنا، فهذا دليل على انه إمّا أنّ هذا الدستور غير متكامل وغير كفوء ولابدّ أن نغيّره، وإمّا على أننا لم نريد تطبيق الدستور.
لنحترم الدستور ونبني العراق
إن الذي لا يطبّق الدستور اليوم، فان غداً غيره سيتمرد عليه أيضاً، و قد يعتقد البعض انه في عدم تطبيقه الدستور يكون في مصلحته، لكن ليس الأمر كذلك أبداً، فحتى لو لم يكن مصابقاً لمصلحتك الآن، فمن الجدير أن تتنازل عنه، لأنّ غداً ستكون مصلحتك في تطبيق الدستور، علماً ان الدستور ليس بالشيء المثالي، ولابدّ من أجراءات لتغييّره كلّ عشرة سنوات، و لابدّ أن تكون هناك مادة في الدستور، تؤكد بانه ليس كلام الله، إنما هو وضع البشر ولابدّ أن نسعى من أجل إصلاحه بين فترة وأخرى، ولكن الآن لابدّ أن نجعله مرجعاً لحلّ خلافاتنا ونبني العراق على أساس المشاركة الوطنيّة.
هنالك سؤال مطروح: هل أنّ السياسيين وحدهم يتحمّلون مسؤولية بناء الدولة؟ أقول: كلاّ، بل المجتمع كلّه مسؤول، ولكن كيف يمكن أن يعبّر عن مسؤوليته؟ فلابدّ أن نسعى جميعاً من أجل إقناع السياسيين وهم من هذه الأمّة ومن هذا البلد، وكثير منهم كانوا مناضلين، ومجاهدين، وعاملين في الساحة، وكثير منهم من سلالة الشهداء الذين ضحّوا بأرواحهم ودمائهم من أجل هذا البلد، لكن النصيحة واجبة، لابدّ أن ننصحهم، ولابدّ أن يخرج الناس عن صمتهم ويقولوا كلمتهم الطيبة لعلّ الله سبحانه وتعالى جعل في هذه الكلمة الطيبة الأثر الأخير لتلاحم الإخوة، ومن ثمّ بناء الدولة.
بصائر من آيات الحج
ربّنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: "شهر رمضان"، فهذا الشهر مميّز، وله خصوصيّة، و ربّنا لم يركز على الشهور ولكن ركز على شهر رمضان المبارك. وفي مسألة الحج ربّنا سبحانه وتعالى قال: "الحج أشهر معلومات"، لكن هنا قال: "شهر رمضان"، وحقاً فان لهذا الشهر خصوصيّته، لأننا نرى عبر التاريخ حينما يستقبل المسلمون هذا الشهر الفضيل كأنهم يولدون من جديد، فيتعرّضون إلى نفحات الرحمة الإلهية يتوحّدون، يتبادلون الحب والإحسان والتواصي بالخير، والحمد لله يمكن القول: إن الأمة الإسلامية بيت القرآن الكريم، فالقرآن هو الذي بنى هذه الأمة، ولذلك ربط ربّنا سبحانه وتعالى بين شهر رمضان وبين القرآن الكريم: "الذي أنزل فيه القرآن".
والقرآن الكريم هدفه: "هدىً للناس"، يهدي الناس إلى الحق، فكلّ الناس يستفيدون من القرآن، ولكن في القرآن بالإضافة إلى الهدى هناك بيّنات، أي تعاليم واضحة، وهذه التعاليم عادة يستوحيها من الفقهاء و أولوا البصائر وأولوا الرؤية الثاقبة: "وبيّنات من الهدى"، وأخيراً: "والفرقان"، والفرقان بمعنى المرجعية، وحيث أنّ القرآن الكريم هو حكم الله تعالى فيما يشجر بيننا وفيما يحصل من الخلافات، فهو يفرّق بين الحقّ والباطل وهو الميزان، وبالتالي يقضي بيننا، يعني يجب عليكم أيها الناس إذا اختلفتم في أمر أن تردّوه إلى الله وإلى الرسول ليعلمه الذين يستنبطون الأحكام من القرآن الكريم.
ثمّ بيّن ربّنا واجبنا: "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، فهذا واجب شخصي، وإذا افترضنا أنّ جميع الناس لم يصوموا، فان واجبك كإنسان أن تصوم، وهذا مستوى بناء الذات: "ومن كان مريضاً أو على سفر فعدّة من أيام أخر"، إن دين الله سبحانه وتعالى يتسم بالواقعية، لأنه هو الذي خلق البشر، ويعلم نقاط الضعف في هذا الإنسان، فالمسافر يصعب عليه الصوم، وكذلك المريض يكون الصوم عليه حرجيّاً أو مضرّاً، ولذلك أسقط الله سبحانه وتعالى الصوم عن المسافر وعن المريض، وأمرهم أن يصوموا أيام أُخر، فقال: "فعدّة من أيام أخر"، أي أيام تتناسب مع الأيام التي فاتته من الصيام، وبيّن ربّنا سبحانه وتعالى أنه لا يريد أن يضرّ بالناس ولا يريد أن يعيش الناس في عسر وحرج، وإنما يريد لهم اليسر: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدّة ولتكبّروا الله على ما هداكم»، أي أنتم في شهر رمضان حينما تصلون للهداية تعرفون أن هذه الهداية من الله سبحانه وتعالى، فتكبّروا الله وتشكرونه.
ومن ثمّ ربّنا سبحانه وتعالى بيّن شيء أساسي في هذا الشهر وهو الدعاء، وقال: "وإذا سألك عبادي عنّي فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون"، ومن ثمّ السياق القرآني حملنا مسؤولية بناء الأسرة وبناء المجتمع وبناء التجمّع، والآيات القرآنية الأخرى في هذه السورة كفيلة ببيان كلّ ذلك.
|
|