القرآن الكريم. . واحة خضراء وربيع القلوب
|
*كريم محمد
لكل شيء موسم وربيع، فما هو موسم القرآن الكريم وربيعه؟
إنه شهر رمضان المبارك، شهر فيه ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فحينما يصوم الصائم في هذا الشهر الكريم، فكأنه يشحذ ذهنه لاستقبال كلمات الله تعالى الذي اذا اقترب العبد منه شبراً اقترب هو اليه ميلاً.
وغالباً ما تخوض قلوب المؤمنين خلال شهر رمضان في عملية تطهير وتنقية وابتعاد عن شوائب الدنيا و العلاقات المادية حيث تستقبل النور و الهدى ولذلك كانت تلاوة القرآن فيه افضل من سائر الشهور.
ولقد رأينا من سلفنا الصالح من المؤمنين و العلماء من يختم القرآن ثلاثين او اربعين مرة حيث كانوا يتلون آياته في الليل و النهار فكانوا بذلك يعيشون مهرجان الحب و الايمان في رحاب الرب الرؤوف الرحيم. طبعاً ليس المطلوب منك ان تكون مثل اولئك العلماء ولكن عليك ان تحرص على تلاوة كتاب الله ما استطعت في هذا الشهر الفضيل و ان تختار افضل الساعات لتلاوته و لاسيما في ساعات السحر والفجر حيث يحين موعد التقاء ملائكة الله الكرام الهابطين و الصاعدين بين الارض والسماء وان تجهد نفسك في تذكيرها بآيات الله وجزيل ثوابه وعظيم عقابه.
القرآن محراب العبادة
رغم أننا فقدنا الانبياء والرسل والاوصياء كأبدان، فإن القرآن الكريم لايزال بيننا. فاذا اردنا أن نكون مؤمنين وإلهيين ومحمديين وعلويين، علينا بقراءة القرآن والسير في آفاقه اللامحدودة. فالقرآن الكريم سياحة المؤمن و روضة قلبه، وهو معراج الانسان الذي يحب الله ويريده. وبكلمة: هو محراب عبادة الانسان الحقيقي، وقربان لكل من اراد العروج الى الله سبحانه وتعالى.
وعلى هذا الاساس، لنا ان نبحث عن سبل التدرج عبر القرآن الى درجات الوعي والتقوى، الاجابة عن ذلك تكمن في نقطتين:
الاولى: من آداب قراءة القرآن إظهار الاحترام القلبي له؛ بمعنى ضرورة معرفة من يتحدث إلينا؟ انه رب العزة والعظمة. اذن فليس من الصحيح قراءة كتاب الله ما لم يتحسس القارئ حالة الاقبال والخشوع والخضوع والتوجه الى الله سبحانه في نفسه، وآنذاك ينفتح قلبه على القرآن. بينما البعض من الناس يسمعون آيات الله عبر المذياع - مثلاً - غير أنهم يهتمون بالانشغال بامور اخرى وهذا خطأ كبير، لأن الواجب على الانسان المسلم هو الاستماع الى القرآن والاقبال عليه والتدبر في كلماته المباركة، وذلك لأن هذه الكلمات هي كلمات الله وليست كلمات البشر التي قد لاينبغي التوجه اليها في أحيان معينة.
والنقطته الثانية: ضرورة معالجة انفسنا بآيات ربنا. فاذا قرأنا آية منها وكان فيها اشارة الى خلق فاضل او الى عمل صالح او طالح، فلنسائل انفسنا عن وجود هذا الخلق الرفيع والعمل الصالح او عدم وجوده، فان كان موجودا فرحنا، وإن لم يكن سعينا الى تكريسه في انفسنا. وهكذا يكون كتاب الله و وسيلة رحمته العظيمة معراجا لنا، إذا أردنا الاستفادة منه عبر احترامه بشتى الوسائل وعبرمعالجة انفسنا بآياته المباركات.
لنتلو القرآن...
ان ربيع القرآن وميلاده هو شهر رمضان؛ الشهر الكريم الذي يضاعف الله سبحانه وتعالى فيه عمل الانسان اضعافا كثيرة، ولاسيما قراءة القرآن المجيد. فما أروع ان يتحدث الله مع عبده الصائم، فيعيش هذا الاخير الاجواء الروحية الرمضانية التي من الله بها عليه. فيا ترى هل يعلم الانسان كيف يصبح جليس ربه، فيكون محدثه؟
عليه ان يعرف ان وسيلة ذلك هي قراءة القرآن؛ قراءة لا يكون محورها التخلص منها والوصول الى نهايتها، وإنما ينبغي أن يقرأ الآيات القرآنية، فيكون همه الاستماع بأذنه وبقلبه وبروحه وبعقله.. فيثار العقل وتطهر الروح ويصفو القلب وتعي الأُذن.
ولكن؛ كان ديدن الناس البحث عن كيفية تنمية اموالهم واولادهم وسمعتهم في المجتمع، فينسون بين هذا وذاك تنمية انفسهم، وهي العلة الاولى التي من أجلها خلقوا. وهذا يعني ويتضمن هجرهم للقرآن الكريم الذي فوائده الاساسية تنمية وتنزية النفوس والسمو بها الى أعلى عليين.
من هنا كان لزما على الانسان المسلم ان يتدبر آيات الكتاب المجيد، ويتمعن في كلماته، فالله قد تجلى فيه لعبده البصير ذي العقل، المفكر والمتذكر دون غيره.
إن شهر رمضان قد مدحه القرآن ورفع من درجة أيامه، لأنها الايام التي أنزله الله فيها، فهو القائل عز أمسه: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" (البقرة /185). ففيه الهدى لمن يعيش العمى، وفيه البينات من الهدى لمن يرغب في إحراز اليقين والبصيرة والعلم والفهم والعمق والقرب من المعنويات والشهود والحقيقة، فيكون كأنه فيها ومنها وعليها.
فإذا قُرأ المرء كتاب ربه الجليل انطلاقا من هذه البصيرة، كان له فرقانا يميز له الحق عن الباطل، والصح عن الخطأ، والخير عن الشر، وما ينفع عن ما يضر.. فيكون بذلك فوق الآخرين، لأنه ملك الميزان، فأصبح دليلاً لغيره على الطريق الصحيح. وهذه بالذات بغية الانسان المتطلع الى النور دوماً.
إذن؛ شهر رمضان فرصة ثمينة جدا في إطار التقرب من القرآن ومن منزلته؛ فلنسع الى أن نكون معه، ونأنس به، ونقرأه بحب ومعرفة وتأمل.
|
|