" كُنْتُمْ خَيْرَ أُمةٍ ".. الخصوصية التي تبحث عن الأمة الاسلامية
|
*أنور عزّ الدين
من الشواخص الحضارية في الأمة الاسلامية التي تفتقدها اليوم، هي الريادية في الخير والتكامل والنموذج الأكمل للعالم وللبشرية، وهذا ما بشّر به القرآن الكريم في الآية الكريمة: "كُنْتُمْ خَيْرَ أمة اُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ" (آل عمران/ 110). هذه الآية تصرح بوضوح إن الرسالة الواعدة لم تكن لتختص بالمسلمين وإنما للبشرية جمعاء، والقرآن الكريم عندما يوجه الخطاب الى عموم البشرية فانه يأتي بمفردة (الناس)، بينما (الذين آمنوا) اذا كان ثمة تخصيص في الخطاب، أي ان البشريـة لابد ان تنتفع من بركات هذه الأمة، من هنا نجد إن المسلمين منذ بعثـة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لم يعملــوا قـط من أجـل ذواتهـم ومصالحهم الخاصة، بل كانوا يعملـون من أجل الناس جميعـاً. وهذا كان السر وراء النجاح الباهر في الانتشار والتوسع بعد تثبيت الدعائم في شبه الجزيرة العربيـة، وكلما دخلت الأمة الاسلامية بلداً وفتحت أرضاً، نشرت فيهما الخير والبركة والحرية والعدالة، وهذا ما بالتأكيد ما عاد على الاسلام بالمردود الحضاري، حيث تسابق الناس للدخول في دين الله أفواجــاً وخلال فتـرة قياسيـة.
*خصوصية بثمن..
إن خصوصية الخير والعطاء للأمم والبشرية، ليس دون ثمن ومقابل، إذ ما هو فضل العرب المنطلقين بدينهم من الجزيرة العربية على سائر الأمم والشعوب التي أوصلوا اليها الدين الحنيف؟ لاشك إن ثمة ميزة أعطاها الله تعالى لهذه الأمة لتفتخر بها - في حال تطبيقها طبعاً- وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فالمسلمون انما كانوا خيراً وبركة للعالم لانهم كانوا يدافعون عن القيم الحقة، ولانهم كانوا ينشرون العدالة، وكانوا يريدون للناس الرفاهية والسعادة، ويقاومون الظلم والطغيان والبغي والمنكر، ومن ثم كانوا حقاً أمةً من اجل البشرية.
وهذه الصفات هي الصفات المثلى التي جعلت الأمة الاسلامية أمة رائدة في الارض، لاتحافظ على القيم في مجتمعها فحسب، وانما تنشرها في ربوع الارض. فقد كانت تنشر العلم والعدالة ونور الهدى الى أبعد نقطة في الارض.
ولكن عندما فقدت الأمة هذه الميزة والخصوصية، بدأت بالانحدار والتقهقر أمام الأمم الطامحة الأخرى والتي كانت تجد في الاسلام المنافس لها، لأنها كانت تفتقر الى القيم الاخلاقية وفي مقدمتها مسألة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، وهي بحق الآلية الناجحة للحؤول دون انتشار الرذيلة والانحراف في المجتمع، فيبقى المجتمع معافى وقوياً أمام الامراض الاجتماعية والنفسية، أما عندما تخلّت أمتنا عن هذه الآلية فانها وضعت نفسها في مستوى سائر الشعوب والأمم التي تعاني بالأساس من الأمراض الاجتماعية لابتعادها عن الرسالات الالهية، والنتيجة طبيعية، وهي التخبط بين الالتزام بالتعاليم الدينية وبين اتباع الهوى والغرائز والمصالح الدنيوية. فرضي المسلمون بظاهر الدين وقشوره مقابل استحصال الأمان من غارات وهجمات الغرب، حتى وإن كان هذا الأمان بثمن التضحية بالكثير من الالتزامات الدينية والاخلاقية، لذا نجد اليوم وبشكل جلّي للعيان، أن لا خجل ولا وجل من ارتكاب المعاصي والذنوب مع وجود الظاهر الديني الذي يتلبّس به المجتمع!
*تقويم الإنحراف للعودة الى المجد..
إنه سؤال عريض ومثير على طول الزمن، كيف نقوّم الانحراف الذي ألمّ بنا وجعلنا أضحوكة العالم؟
إنه بإعادة النظر كليّة الى السلوكيات والتصرفات الموجودة على سطح المجتمع، والبحث عن سرّ الشحّة التي نعانيها من النعم الإلهية بعد أن كنّا نباهي العالم بوفرتها لدينا. وبهذه الوفرة من النعم الألهية تمكنّا من توسيع نطاق الحضارة الاسلامية وتوطيد دعائمها.
إن الذنوب والمعاصي تُعد من أهم أسباب زوال النعم بل ونزول النقم الإلهية، لذا جاء في الحديث عن رسول الله (ص): (إذا كثر بعدي الزنا كثر موت الفجأة)، وهنالك أحاديث كثيرة عن الآثار الملموسة لهذه المعصية العظيمة على حياة الانسان، فهي تحبس الرزق وتورث الفقر وتزيل البركة، كما هنالك أحاديث تضع لنا قاعدة رصينة في العلاقات الاجتماعية حيث جاء عن الامام الصادق (ع): (عفّوا عن نساء الناس تعفّ نساؤكم)، و(كما تدين تدان)، طبعاً هنالك الكثير من المنزلقات التي نلاحظها منتشرة في المجتمع، ولكل واحد منها آثار واضحة على صحة وسلامة المجتمع في حاضره ومستقبله.
وعليه يجب على الجميع الوقوف صفّاً واحداً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا تتحول الظواهر اللاأخلاقية الشاذة الى حالة طبيعية حيث يكون أهل المعروف قلّة أمام أهل المنكر، فعلينا ان نقضي على بوادر الجريمة قبل وقوعها، ونحول دون ارتكاب المفاسد الاخلاقية والاجتماعية قبل حصولها، لأن القضية أشبه ما تكون باللغم إن انفجر لايمكن الحديث بعدئذ عن الاصلاح والأسف.
هذه العملية لا تتم على يد شخص واحد، ولا حتى على جهة معينة، بل المسألة عامة، وإلا لماذا فرضها الله علينا كأحد فروع الدين، كما هي الصلاة والصيام والحج والخمس والزكاة؟ إنها فريضة، وليس من حق أحد السعي للتهرب منها تحت أعذار وتخريجات متعددة. ربما يتعلل البعض بالشروط والظروف وغير ذلك، لكن لنفترض ان النسبة الأكبر من المجتمع سواء في الحيّ السكني أو في الزقاق أو في القرية وحتى في المدينة، كانت تشير دائماً باصابع الاتهام والادانة الى كل منكر، فهل سنكون بحاجة للحديث عن الظروف المناسبة والحالة النفسية التي تؤهلنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
إنها بكل بساطة مجرد تضامن وتآزر وتواصي بين ساكني المحلّة الواحدة والمنطقة الواحدة، فالفكرة ذات البعد الثقافي العام تنطلق من البيوت وليس من أفراد أو حتى من الجهات الحكومية. لنلاحظ تجربة السعودية وما يسمى هناك بـ(هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، فقد تحولت هذه الهيئة رغم ما تحمله من اسم مقدس، وسيلة للإساءة على الدين الاسلامي في بلد يدّعي انه الوحيد الذي يطبق الاسلام بحذافيره وليس عنده دستور سوى القرآن الكريم، وأعطت السلطات السعودية من حيث تشاء أو غير ذلك، الذريعة للدوائر الاعلامية والثقافية في الغرب لأن تسخر بالتعاليم الاسلامية التي ترى صورتها المشوهة في السعودية، وكيف ان افراد هذه الهيئة يطاردون الفتيات والنساء في الشوارع والأسواق لما يظنون أنهنّ يرتكبن المحرم!
من هنا علينا أن نسارع في الحقيقة لإصلاح ما أفسده الآخرون وإعادة المجد لأمتنا الاسلامية، ونحن نجد اليوم السباق المحموم على النفوذ، ليس العسكري وحده وهو ظاهر الأمر، إنما النفوذ الثقافي والفكري والحضاري في العالم، ويجب أن نتذكر وصية نبينا الأكرم (ص): (اغزوهم قبل أن يغزوكم.. فوالله ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا). لكن اذا بادرنا بالغزو والتأثير فان القضية بالتأكيد تكون لصالحنا وهي تحقيق العز والمجد، لكن تبقى القضية المحورية والاساسية وهي إصلاح ذواتنا وبناء دواخلنا تحدونا الآية الكريم: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
|
|