قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام
بصائر... قبسات من رؤى ومحاضرات سَمَاحَة المَرجِعِ الدّيني آيةِ اللهِ العُظمى السّيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
الديمقراطية الفاقدة لقيم الحرية والكرامة الإنسانية تنتج الدمار
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *إعداد / بشير عباس
لقد مرت البشرية بأطوار مختلفة، كل طور كان يتميز بميزات خاصة، ففي البدء ونظراً الى قلّة عدد الناس، فقد كانت علاقاتهم ببعضهم علاقات بسيطة وربما لم يكونوا بحاجة الى وجود نظام سياسي أو اجتماعي أو ثقافي، وكانت حياتهم بدائية وبسيطة ومتواضعة، ومع الزمن تعقدت الحياة عندهم فاحتاجوا الى نظام سياسي يتكفل بادارة شؤونهم. هذا النظام السياسي انبثق في البدء من حالة العلاقات الاسرية التي تحولت مع الزمن الى علاقات عشائرية، فكان شيخ العشيرة ورئيس القبيلة ومن ثم مجلس القبائل هو الذي ينظم العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وربما الثقافية أيضاً، وفي هذه الفترات انبثقت الدول ذات السيادة الشمولية حيث أن البعض بدأ يستفيد من قدراته الذاتية ويستفيد من صلاحياته التي مُنحت له لتنظيم الحياة فبدأ يستفيد منها لتكريس موقفه وموقعه، ومُذاك وجدت الدكتاتوريات التي تتحكم بمصائر الناس. وهذا النمط إنما جاء في البدء بشعارات معينة تدعي بأنها تستطيع أن تغير الواقع وان تصلح الأمور وان تقود المجتمع الى التطور والتقدم، وفعلاً قامت بعض هذه الأنظمة الدكتاتورية ببعض مظاهر التقدم واستطاعت – مثلاً- أن تبني القلاع والاهرامات والجسور وتستصلح الأرض، وغير ذلك من مظاهر التقدم، لكن ما افسدتها في البلاد كان أكثر مما اصلحته، فهي ربما تقدمت في الجانب العلمي والعمراني لكنها أخّرت البشر عن التقدم المعنوي والاخلاقي. فقد أفسدت تلك الأنظمة نفوس الناس وجعلتهم يعبدون البشر بدلاً من الله الواحد الأحد، ونشرت في الناس خرافات وأساطير كعبادة الأصنام وعبادة الشمس والاشجار وحتى عبادة الحيوانات!
وللخروج من هذا النفق المظلم انبثقت افكار اخرى، منها (الديمقراطية)، التي قال البعض باننا بحاجة اليها، وبالأساس فان فكرة الديمقراطية ظهرت في أثينا، وذلك بعد أن لاقى الناس ويلات الحكام وجورهم، فقالوا بدلاً من أن نعاني هذه المشاكل دعنا نطور أنفسنا باتجاه الديمقراطية، ومعنى الديمقراطية، هو (رأي الناس). وكانت بداية التطبيق في اجتماع مجموعة من نخبة المجتمع ومن الأعيان وكما يُسمون بـ(حملة الجنسية من الدرجة الأولى)! وكانوا عبارة عن الأشراف والاقطاعيين و رؤساء العوائل، هم الذين كانوا يختارون قائداً وهذا القائد هو الذي يحكمهم باسم الشعب، فيما كان عامة الناس من العبيد والفلاحيين والكسبة والحرفيين والجيش وغيرهم مستثنين من هذه اللعبة الديمقراطية. مع مرور الزمن وحصول تطورات سياسية واجتماعية وتبني شعوب معينة هذه الفكرة، شهدنا تطور هذه الفكرة، وبات البعض يطبّل للديمقراطية ويزمّر ويدعو اليها ويفكر فيها.
على ضوء النهج الإسلامي نعتقد أن للديمقراطية إيجابيات ولكنها لا تخلو من سلبيات أيضاً، ولعل ما يضر منها ليس بأقل مما ينفع، بدليل عدم تحديد القاعدة المتينة والموحدة التي على أساسها تقوم الديمقراطية حيث يطالبون بأن يحكم الشعب نفسه بنفسه، فهل هي القاعدة الأخلاقية أم الثقافية أم الأثنية أم العنصرية أم القومية؟ وما هو الهدف من هذا النمط ؟ وما هي الغاية ؟
إن الديمقراطيات لا تملك أجوبة واضحة على هذه الأسئلة، ولذلك نجدها تبقى (عرجاء) ولا يمكنها السير بطريقة مستوية، فمرة ًً نجدها ديمقراطية للعنصريين ومرةً للقوميين وهكذا... ومثالٌ على ذلك من التاريخ الحديث؛ الحكم النازي في ألمانيا في بدايات القرن الماضي، فقد وصل الحزب النازي الى الحكم من خلال صناديق الاقتراع وهذا الحزب العنصري اختار أدولف هتلر زعيماً وقائداً عاماً للقوات المسلحة بل وأصبح المعبر عن ضمير ألمانيا، لكن هذا الزعيم دفع بشعبه وبشعوب أوربا والعالم بأسره الى حرب ضروس مدمرة، هي الحرب العالمية الثانية التي أودت بحياة حوالي (60) مليون إنسان.
إذن، فان الديمقراطية هي التي جاءت بهتلر الى قمة السلطة ومكنته من رقاب الناس، صحيح انه جاء عبر الانتخابات وآراء شعبه، لكنه كان يفتقد للأساس والقاعدة التي يطبق من خلالها الديمقراطية، كما ان الناس لم يفكروا بشخصيته ولا بكيفية تحقيقه للأهداف والطموحات؟ وما هي أهدافه والقيم التي يؤمن بها ؟ فهم لم يفكروا لأن تعلموا على أن ليس للديمقراطية أساس ولا أصول، بمعنى ليس لها قاعدة أخلاقية وثقافية كافية. وهنالك أمثلة لديمقراطيات أفرزت حكومات ظالمة على البلاد والعباد.
إذا سألت أي شخص في العالم يعرفك بأنك من الشرق الأوسط، هل تعرف ديمقراطية في الشرق الأوسط؟ سيقولون لك نعم، إنها (ديمقراطية اسرائيل)، فالشعب اليهودي في الكيان الصهيوني المحتل يختارون رئيساً لهم من خلال صناديق الاقتراع، لكن أنظر الى جذور رؤساء الشعب اليهودي الذين أنتخبوهم خلال فترة نصف قرن الماضي، ترى أكثرهم من الإرهابيين والقتلة والمجرمين، و أنظر ما قدموا للعالم من آراء وأفكار عنصرية وعلميات إرهابية دموية ودفعوا المنطقة الى الحروب والأزمات، فقد ألحقت هذه الحروب الضرر بالبلاد العربية وبالشعب الفلسطيني وبالشعب اليهودي ايضاً، فهل يمكن تصور إنسان في اسرائيل خلال نصف قرن من الزمن تقريباً يتمكن من النوم ليلة واحدة براحة واطمئنان؟ بين فترة وأخرى يظهر لهم أعداء جدد، فمن مصر ظهر جمال عبد الناصر، ومن ايران ظهر أحمدي نجاد، و... وهكذا، وبمعنى إن في اسرائيل يعيش جيل بعد جيل ظروفاً استثنائية وتحت هاجس الخطر، مع ذلك يسمي العالم النظام القائم في الكيان الصهيوني بانه (ديمقراطي)!
أين المشكلة... ؟
إن دعاة الديمقراطية لا يفكرون بما قبل وفيما بعد الديمقراطية، بالنسبة لما قبل الديمقراطية، فيجب أن تكون ثمة قاعدة ثقافية وأخلاقية، أما ما بعد الديمقراطية فيجب ان تكون هناك اهداف واضحة، فعندما يعطي الشعب الأمريكي رأيه ويختار رئيساً ويمنحه كل الامكانات والصلاحيات، ثم يحلم هذا الرئيس في المنام أنه يغزو هذا البلد ويفتح ذاك ويدمر، فلأنه لم يأت بسياق أخلاقي وثقافي واضح، وكذلك بقية الحكام الذين جاؤوا في التاريخ، فقد ساروا على نفس النهج، لكن بسياقات مختلفة، فجنكيز خان جاء تحت مسمّى عرقي وهم (التتر) والنازية في المانيا جاءت بسياق عنصري. في ظل هكذا نهج لن تكون للحاكم فرصة لأن يفكر بالعالم، بل يجعل العالم كله تابعاً له، فلا يوجد هنالك أناس آخرون يعيشون معه في هذا الكوكب.
وبالرغم من أن الديمقراطية بالرغم من أنها (عرجاء) وليس لها أفق وضح، فانها أفضل من غيرها، وأفضل من الدكتاتورية، وأفضل من أنسان واحد يستعبد العباد ويتخذ البلاد دولاً هو وأصحابه ويبني (70) قصراً باسم الشعب، لذا فان العاقل سيختار الديمقراطية على تلك الدكتاتورية. لكن هذا ليس آخر المطاف، فهنالك أمور لابد من أخذها بنظر الاعتبار لتقويم مسيرة الديمقراطية وتطبيقها بشكل صحيح على الأرض:
الأمر الأول: نحن ندعو الى شيء اسمه (الحرية) وليس فقط ديمقراطية، بمعنى أن يكون لكل انسان حقوقه وقيمه وخصوصيته، ومن أجل ذلك للديمقراطية من قيم وأسس.، هذه واحدة.
الأمر الثاني: لا ندعو الى ديمقراطية تهمل البشر وتؤكد على دولة واحدة، لأن الله سبحانه وتعالى خلق البشر سواسية، لا فرق بين أعجمي وعربي، ولا فرق بين الأسود والأبيض والأحمر، وقد قالها نبينا الأكرم (ص): (كلكم من آدم وآدم من تراب)، كما قال (ص): (الناس كأسنان المشط)، من هنا فان الاسلام دعا الى الكرامة البشرية، أي يجب ان يبقى الإنسان إنساناً بغض النظر عن وضعه المادي أو الاجتماعي أو العلمي أو من أي بلد أو قوم يكون، فالإنسان له كرامة عند الله سبحانه وتعالى، وقد جاء في سورة الإسراء الآية (70): "ولقد كرمنا بني آدم" ولم تقل الآية: كرمنا الشخص الفلاني أو الجهة الفلانية أو الشعب الفلاني، فما دمت آدمياً ومن ولد آدم -بل ان كل البشر من ولد آدم حسب منطق الاسلام- فأنت مكرم عند الله، وجاء في سياق الآية الكريمة: "وحملناهم في البر والبحر"، فمن تجليات الكرامة الإلهية للإنسان كإنسان وللبشر كبشر، أن الله حملهم في البر بواسطة الحيوانات البرية، وفي البحر بواسطة السفن حيث سخر السفن وسخر الرياح للانسان، " و رزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً". وعليه فان الكرامة الانسانية التي يدعو اليها الاسلام تُعد مكملة للديمقراطية.
اليوم وبعد أربعة عشر قرناً وبسبب تموجات الاسلام هناك من يدعو الى حقوق الانسان، واذا طالعنا ما يُسمى بالاعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي تتبناه الأمم المتحدة، نجد فيه الناقص الكبير اذا قارناه بحقوق الانسان التي يدعو اليها الاسلام، لكن للحديث في هذا المقام مجال آخر، ونحن نسلط الضوء أكثر على ضرورة حفظ الكرامة البشرية، والتي تعني أن الانسان يجب أن تتوفر لديه دائماً وأبداً وضع معين يكون قادراً في ظله بان يمتلك قيمه ومفاهيمه.
إن نبينا الاكرم (ص) ونحن في اطار ايام ولادته، كان يسلم على الأطفال ويقوم لهم ويحمل الحسنين (ع) على كتفيه، فقد كان (ص) يحترم الانسان كإنسان، وذات مرة جاءته إمرأة، وما أن وقفت أمامه حتى أخذت ترتعش وترتعد وتلعثمت في كلامها، فقال لها النبي (ص): ما بك يا إمرأة؟! إنما أنا أبن انثى، وكان هذا منهج أئمتنا المعصومين (ع)، وعلمائنا أيضاً، فقد كانوا يحترمون الانسان كإنسان بعيداً عن انتمائه و ومكانته، إن وكرامة الله للإنسان لا تفرق بين دولة وأخرى او جماعة دون اخرى، أما في غير ذلك لايمكن أن تنبت الكرامة الانسانية، لأن شجرة الديمقراطية في عهد هتلر تعطي ثمرة خبيثة، وكذلك الحال بالنسبة للدولة العبرية، والسبب هو أن هذه الثمرة إنما تخرج من شجرة ليس لها أصل، بينما نحن نريد أن تكون شجرة الديمقراطية لها أصول ضاربة في العمق، يقول تعالى: "ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها"، فحينما تكون الأرض طيبة وتكون قيم إلهية تحكم الأرض فان الشجرة تخرج طيبة أيضاً، "والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا"، ونحن نؤمن بأن لابد ان تكون الأرض التي تنبت فيها الديمقراطية أرض نظيفة قائمة على أسس سليمة، أرض الوحي والثقافة الالهية والكرامة البشرية، لذلك لا يمكن أن تعتدي دولة ديمقراطية اسلامية على دولة ااخرى ولا يمكن أن يعتدي إنسان حتى وأن امتلك القوة على انسان آخر، وحتى داخل الإطار الواحد والحكم الواحد لا يمكن أن يتخذ شخصاً من الديمقراطية مطية لأهدافه و وسيلة لأغراضه الشخصية.
مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية في العراق، أدعو الأخوان المرشحين لأن ينووا التقرب الى الله في ترشيحهم، ويجب أن يفكروا في أول ليلة في القبر – وهو اليوم الذي سيأتينا جميعاً- عندما يأتي منكر ونكير، ويفتحون دفتراً كبيراً في أول ليلة ويسألان : أين ذهبت؟ وماذا فعلت؟ إنه حساب عسير حقاً! من الجدير البحث والسؤال عن صفات منكر ونكير من العلماء والذين لديهم تجارب والذين يقرأون روايات أهل البيت وغيرهم، وكيف أنهما يخترقان الأرض بأرجلهم، فيما تكون رؤوسهم في قمة السماء!
قبل أن يفكر المرشح بالسياق الذي سيوصله الى كرسي النيابة في مجلس النواب، عليه أن يضع نصب عينيه أنه أمام إمتحان وابتلاء وفتنة فهل هو قادر على هذا الحمل الثقيل ؟ لا يجوز لأي شخص بان يتخذ من الديمقراطية والنظام والكرسي الذي يجلس عليه ومن الامكانات والصلاحيات التي تعطى إليه وسيلة لتكريس نفسه وشخصيته ومصالحه، إنما عليه تكريس جهده لخدمة الناس.
إن الانتخابات حق و واجب؛ إنه حق لأن للانسان كرامته وحقه في اختيار من يمثله ويحكمه، كما يختار ما يحكمه من قوانين في المتغيرات وليس في الثوابت التي شرعها الله تعالى، أما الواجب، فلأنه اذا لم يتوجه الانسان الى صناديق الاقتراع ولم يمارس هذا الحق ربما سيأتي رجل ويجلس على أريكة الحكم وهو غير مؤهل لذلك، واذا لم يكن صالحاً ومؤهلاً، ستكون أولاً: هناك غضاضة في دين الإنسان وقد يعمل بما يخالف قوانين الرب واحكام الدين، وثانياً: قد يحدث الفساد في حياة الانسان، لذا علينا أن نختار.
ربما يقول بعض الناس : لقد ذهبنا في المرات السابقة وانتخبنا ولكن لم تكن خياراتنا صحيحة وخدعنا! وظهر ان الذين انتخبناهم غير أولئك الذين سمعنا عنهم، وهذا أمر صحيح وممكن، لكن الديمقراطية إنما جعلوها كل أربعة سنين حتى يجرب الناس المرشحين، وتكون فرصة لهم لمعرفة السياسيين وطريقة أدائهم،ومن ثم يصل في يوم من الأيام الى الطريق الذي من خلاله يختار الأفضل والأكفأ، وإذن، فان عملية الاختيار والانتخاب ضرورية في كل الاحوال، ونحن حالنا حال الانسان الذي يمرض له ابن، فهو لا يعرف الاطباء والمستشفيات، لكنه كونه أب ويشعر بالمسؤولية أزاء ابنه فانه يتحرك ويبحث عن الطبيب والدواء فيسأل ويستفهم، وهنا البلد أهم من الإنسان الواحد، وعليه على الفرد في المجتمع أن يبحث ويسأل، "واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون".
البعض يحتجون بأن صوتهم قد تعرض للسرقة فيما سبق من الانتخابات، وهذا أيضاً أمر وارد، ففي كل دول العالم يحصل التزوير والتلاعب في اصوات الناخبين، لكن هذا لايعني التراجع، بل إذا علم الناخب أن صوته تعرض للضياع، يجب عليه أن يدافع عن صوته ويطالب به، فعلى الانسان ان يكون رجلاً يدافع عن نفسه وعن حقه و يدافع عن صوته و كرامته، فاذا استضعف الانسان نفسه، سيستضعفه الناس، والمثل يقول: (كن قوياً أحترمك)، فاذا عرف المزورون أن هنالك من يدافع عن صوته لن يتجرؤون على التزوير والتلاعب في الآراء، لأنه سيعرفون أن وراء هذا الصوت مدافع، (ماضاع حق وراءه مطالب) كما جاء في الحديث الشريف.
على الناخبين أن لا يكتفوا بالمطالبة بتحسين الوضع المعيشي وزيادة فترة الاضاءة وغير ذلك، والخدمات قضية مهمة ومطلوبة بالحاح، ويجب المطالبة باستمرار بتحسين الخدمات في العراق، لكن هذا ليس كل شيء في العراق، لأن الذي نملكه في العراق شيئان اذا ضيعناهما ضيعنا العراق برمته: الأول: حكمة الامام علي (ع) في النجف الاشرف، والثاني: حماس الامام الحسين (ع) في كربلاء المقدسة، ومن دون الحكمة ومن دون الحوزات العلمية ومن دون هذه المساجد والحسينيات فان العراق سيؤول الى الدمار، لذا نجد من يريد أن يحكم العراق بالاستبداد والتلاعب بمصائر شعبه، أول خطوة يتخذها هو استهداف الحوزات العلمية والمرجعيات والحسينيات ويحاول ان يقلص دورها، لعلمه بأن هذه المؤسسات لن تدعه يعبث كما يشاء، وهذا كان ديدن العلماء في تاريخنا، وهناك أمثلة واسماء ليس من ثلاثين أو اربعين سنة وإنما من قبل اربعمئة او خمسمئة سنة، فهنالك من العلماء من قاموا بادوار تاريخية من اجل الدفاع عن حق هذه الامة واستقلال هذه الارض، من هؤلاء الميرزا الشيخ محمد تقي الشيرازي الذي قاد بفتواه ثورة العشرين المجيدة، ففي هذه الارض، أرض كربلاء المقدسة حمل هذا الانسان راية الثورة وشكل مجلس الثورة وجمع العلماء وشكل شورى العلماء وتحرك في سبيل تحرير العراق، و ذلك حصل في يوم كانت بريطانيا تسمى بـ(الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس)، فقد كانت تحتل الهند والصين وكثير من مناطق العالم، لكن نهض علماؤنا، وكسبوا تأييد العشائر والشعب واستطاعوا ان يطردوا بريطانيا ويفرضوا عليها الاعتراف بأستقلال العراق، فنحن حصلنا على الاستقلال قبل الهند وقبل الصين، وقبل الكثير من الدول، بمعنى نحن حصلنا على الاستقلال ببركة العلماء.
اما ما يتعلق بالشعائر الحسينية التي نفتخر بها والتي هي سند لاستقلال بلادنا، فهي سند لكرامة شعبنا ولولا هذه المسيرات الحسينية لضاعت البلاد والعباد ولولاها لما تمسك شعبنا بالامام الحسين، ولولا شعائر الامام الحسين لأنتهى كل شيء في العراق اليوم وغد وبعد غد واجيال بعد اجيال، لذا فنحن متمسكون بابي عبد الله الحسين سلام الله عليه وبشعائره، ومن يريد ان يزيحنا عن هذا الخط نزيحه ببركة الله.
جاء المدعو (حسين كامل) الى كربلاء المقدسة في أحداث الانتفاضة الشعبانية المجيدة بعد أن تعرضت لقصف شديد بمختلف الاسلحة، وقال ما قاله من تطاول وتهجّم على قدسية الإمام سلام الله عليه، ذكرت حينها في خطاب جماهيري عندما كنا في المهاجر: ان الامام الحسين قُتل مرة واحدة ولن يقتل مرتين! إن الله تعالى لا يقبل أن يهان الامام الحسين ثانية، وفعلاً كان الوعد الإلهي، فقد قتل هذا الرجل بصورة بشعة ورموه قاتلوه في سلّة القمامة ! وحصل ذلك في عهد الطاغية البائد وهو عمّه الذي قتله وقضى عليه، لأنه وقف امام ضريح الامام الحسين عليه السلام وقال له (انت حسين وانا حسين...! )، وهذا درسٌ لمن يروم الجلوس على كرسي بأن يعتبر بمن كان قبله وماذا فعل؟ وماذا حلّ به؟!
من هنا يجب أن يحكّم الناخب ضميره بينه وبين الله ويعطي صوته لمن يطمئن اليه، وعندما يريد أن يضع صوته في الصندوق يقول: (الهي انا هذا الصوت وضعته هنا من اجلك ومن اجل هذه البلاد ومن اجل عراق الامام الحسين والامام علي والكاظمين والعسكريين (عليهم السلام)، و عراق الرسالات الالهية، فاذا كان من اصحاب الوفاء اللهم أيده وانصره، واذا خان اللهم انت أأخذ بحقي منه)! وعلى الجميع، كما جاؤوا الى كربلاء المقدسة وهتفوا صرخةً واحدة وصلت الى عنان السماء: (لبيك ياحسين) بهذه الروحية ليذهبوا الى الانتخابات باخلاص النية وبالتقوى والايمان.
إن الدنيا عند المؤمن بمنزلة محراب العبادة، بمعنى كل عمل يقوم به يكون في سبيل الله، "ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"، وليس للكرسي أو للمال!! إن للمؤمن شعوراً و احساساً بانه في الدنيا يعمل من اجل الله والله هو الذي يجازيه خير الجزاء و ينصره ويؤيده، (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)، فهو يكون في الحياة الدنيا كالجبل يستمد ثباته من الله وهو الذي يأخذ بيده، لكن بشرط أن يكون في حالة وعي ويقظة دائمين، وأن لا ينخدع بالظواهر. وسيبقى العراق ان شاء الله عاصمة المسلمين جميعاً وهي مهبط الرسالات الالهية، بل سيصبح العراق ان شاء الله عاصمة الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وفي ذلك اليوم يعرف الناس ما هي قيمة تربة الامام الحسين عندما يكون في كل ذرة منها الشفاء، كما يعرفون لماذا جعل الله تعالى وهو المهيمن على العالم كله، الدعاء يستجاب في كربلاء وتحت قبة الامام الحسين، ويعرفون من هي كربلاء ومن هو الحسين ومن هي النجف ومن هو الامام علي ومن هي الكاظمية ومن هو الامام موسى الكاظم و ما هي سامراء ومن هم الامامين العسكريين؟
أما اليوم فإن النفوس حالياً مصابة بالتعب و الثقافات متداخلة، فبات من الصعب التمييز بين الصالح عن الطالح لكن لا يكون مبرراً للتراجع والتقوقع، بل لابد من خوض التجربة مرة أخرى بعزيمة أقوى وبصيرة نافذة حتى يكون نجاح هذه التجربة الديمقراطية من نجاح اختيار الناخبين.