عندما تنحرف السياسة..!
|
عبدالرحمن نبيل
في دنيا السياسة، من المسؤول عن تحريك الآخر؟ هل رجال السياسة هم من يحركون الجماهير، أم هي من تحرك رجال السياسة؟! بالتأكيد ستكون الاجابة التلقائية من قبل القارئ ان كليهما يحرك الآخر، وهذا شيء منطقي، ولكن غير المنطقي في هذه الإشكالية ان نترك اجابتنا عن هذا السؤال فضفاضة وعائمة من غير تحديد متى وكيف وأين وتحت اي ظروف تكون مسؤولية التحريك من قبل الجماهير او رجال السياسة، الاجابة التلقائية لهذا السؤال هي كمن سأل طفلا عن كيفية الوصول الى القمر، فكانت اجابة الطفل هي عن طريق صاروخ، ولكن المسألة ليست بهذه البساطة، المسألة هي كيف يصنع الصاروخ؟ ومن يصنعه؟ وبأي طريقة؟ ومتى؟ وأين؟. التلقائية في الاجابة شيء جميل وسهل، ولكن هل تصلح التلقائية كنظام يتحدد على اثره مستقبل الدولة ومواطنيها؟!.
قبل البدء، لا بد من توضيح عدة مسائل. اولا، ان رجل السياسة هو رجل من عامة الشعب قبل كل شيء، كسب ما كسب من الرمزية المجتمعية لعدة اسباب قد يكون احدها امكاناته وقدراته في مجال من مجالات العمل المجتمعي، كما قد يكون السبب قدرته على خداع الجماهير والتمظهر بصورة حامي حمى الشعب ومناصر حقوق المواطنين وهو عما يدعي ببعيد. المسألة الثانية ان الجماهير ليست كلها سواء، فذوو الدخل المتوسط مطالبهم ليست بمثل مطالب ذوي الدخل العالي، وكذلك المتزمت يطالب بغير الذي يطالب به المعتدل، كما ان المتمدن ينشد ما لا ينشده غيره من ابناء البادية مثلا. ثالث هذه المسائل واهمها حجم المساحة الهامشية بين المعنى الحقيقي للمطالب السامية التي يطالب بها غالب رجال السياسة، كالتنمية والعدالة والديموقراطية ودولة المؤسسات، وبين معناها في عقل السياسي التي قد تكون في غالب الاحيان بعيدة عن معناها الحقيقي بعد المشرق عن المغرب، خذ الديموقراطية مثالا، واترك لعقلك المجال لتسرح في استذكار فهم اغلب رجال السياسة لدينا لمعناها المختزل الدقيق المتمثل بسوء الاسلوب ومستوى الرقابة الانتقائي. بعبارة دقيقة ، احدى اهم مشاكل ومعضلة الجماهير ، تكمن في انها (اي الجماهير) هي في العادة والغالب كم من الناس وجداني الفعل وردة الفعل، ظاهري الفهم، يعيش على وعي يومي من دون القدرة على امتلاك وعي تاريخي، فالنُّخب السياسية (يُفترض) ان تكون طبقة من المجتمع لديها فهم عميق للاحداث تستطيع ان تدرك المتغيرات، ومن خلالها ترسم خارطة الطريق نحو مستقبل افضل للدولة والمجتمع، فرجل الشارع البسيط يرى العالم من معيار اليوم، ولا يشكل الغد البعيد اي اهمية بالنسبة له، على عكس النخب السياسية التي (يُفترض أيضا) أنها ترى اليوم مفتاحا لبناء الغد، من هنا نتوصل الى الافتراضية التي تقول ان علاقة النخب السياسية بالجماهير يجب ان تكون علاقة تكاملية لأجل مصلحة الجميع وليست علاقة استغلال وتكسب لحساب طرف دون الآخر، لان الجماهير اذا تُركت وحدها لا تستطيع ان تصنع دولة، ولا النخب وحدها من غير جماهير باستطاعتها ان تصنع دولة كذلك.
متى تكمن الإشكالية في هذه المسألة؟ . تبدأ هذه الإشكالية متى تحولت العلاقة بين النخب والجماهير الى لعبة تحكمها قواعد وقوانين من قبل احد الاطراف، في الوقت الذي تتحول النخب السياسية من دعاة اصلاح وبناء الى طلاب سلطة ومنصب تكون اللعبة قد بدأت، وحينها نكون قد دخلنا في مراحل العد التنازلي لضياع ملامح التنمية والاصلاح على مستوى الدولة. بمعنى آخر، عندما تتحول النخب من ناشرة للوعي بين الجماهير الى ناشرة للاّ وعي، ويتزاحم إمثال هولاء على صدارة كراسي التأثير في جمهور المواطنين، وعندما تتم المفاضلة بمناقشة المسائل الثانوية قبل مسائل التنمية العليا بعلم النخب وجهل الجماهير من اجل الحفاظ على المنصب والكرسي، حينها تكون النخب قد فهمت اللعبة بشكلها السيئ والقبيح، وحينها تكون عجلة الدولة قد بدأت في الدوران بشكلها العكسي نحو مستقبل بلا ملامح .. وقد يكون مظلما اذا لم يُنتبه من الغفلة..
|
|