الضمير الغائب !
|
سالم مشكور
في كل دول العالم " الكافر" تشكل الابتسامة مفردة سلوكية بديهية للانسان. تصبح لازمة واجبة في أماكن محددة في مقدمتها المستشفيات والمراكز الطبية بل وحتى العيادات الخاصة. عندنا نرى العكس تماما. . اليكم هذا المثال الواقعي:
قبل أيام أصيبت والدتي المقعدة، بازمة قلبية إستدعت نقلها الى المستشفى منتصف الليل. اتصلنا بالاسعاف الفوري الذي يشغل بناية وارضا كبيرة تصطف عليها اكثر من ثلاثين سيارة اسعاف حديثة. لا احد يردّ على الهاتف. جرّبنا كل الارقام التي كنت للتو اخذتها من مقر الاسعاف لكن لا فائدة. أحد الاقارب نصحني بان لا اجرب المجرَّب لان " الامر معروف هنا فلا يمكن ان تأتي الاسعاف أبدا ً". عندها استنجدت بمدير صحة المحافظة فبادر مشكورا الى التصرف فكانت الاسعاف عند الباب بعد دقائق. (ماذا يفعل من لا يعرف مدير الصحة؟) . صباح اليوم التالي قرر لها الطبيب مجموعة من الصور الشعاعية. مسؤولة الطابق السادس (وهو طابق خاص يقدم العلاج والخدمات لقاء أجور) أعطتنا نقالة متعطلة العجلات وقالت خذوا المريضة الى قسم الاشعة في الطابق الارضي. في غرفة الايكو قال المسؤول : دوركم ياتي بعد عشرين يوما. تخيلوا، مريض طوارئ عليه الانتظار عشرين يوما لاجراء فحص ما. إستنجدت بمدير المستشفى الذي أمر باجراء الفحص فورا، لكن لا احد كان يعرف كيف يشغل جهاز الايكو الذي توالى عليه عدة أطباء دون جدوى. المشهد كان من الكاريكاتورية لدرجة حرّكت ظرف الوالدة الراقدة على النقالة فرأيتها تهزّ يدها وتتمتم " أنه فيلم كارتون".
السمة الغالبة في المستشفى هي سوء خلق العاملين (طبعا بينهم قلة حسنة الخلق) المضمد الخفر يحرص على متابعة حلقة المسلسل التلفزيوني حتى نهايته قبل ان يعطي الابرة للمريض في موعدها. في غرفة مجاورة كانت ترقد امراة أجريت لها قبل ثلاثة أيام عملية جراحية لكن الضماد لم يتغير والسبب هو كما قال المضمد :" ما عدنا ضمادات "، لكنني رأيت كيف ان المخزن مليء بالمستلزمات الطبية. الصيدلية صرفت وصفة بينها عدد من الابر لكنها جاءت دون محاقن في حين طلب منّي المضمد الحسن الخلق جداً! ان أجلبها بنفسي. ترى أين تذهب أكداس المستلزمات الطبية التي تدخل المخزن ؟. في هذا المستشفى الذي يعتبر من أفضل المستشفيات في منطقة الفرات الاوسط توجد عدة مصاعد لكنها معطلة كلها باستثناء واحد يعمل بنصف طاقته ولا يتسع لافواج المراجعين والمرضى المتدفقين على المستشفى. أبشع مشهد رايته داخل هذا المصعد هو مريض على نقاله وبجانبه برميل قمامة ينفث روائحه النتنة كان عامل التنظيف ينقله الى الطابق السفلي. عندما اعترضت عليه قال :" اشتك عند مدير المستشفى". في قسم الطوارئ رأيت مشهدا غريبا اخر (وما اكثرها) . رجل مصاب بقدمه في حادث انزلته السيارة في الباب فدخل "يحنجل" على قدم واحدة فيما الكراسي المتحركة غائبة وان حضرت فانها في الغالب مكسورة. هل المستشفى يشكو ضعف الحال المادي؟ وجهت السؤال الى مسؤول في وزارة الصحة فقال ان الاموال متوفرة والمستلزمات تملأ المخازن !.
عندما كنت أعترض على سوء المعاملة والاهمال بادرني أحد الاطباء: وهل تعتقد اننا في أميركا ؟ رددت عليه : وما الذي ينقصنا لكي نكون بشرا طبيعيين ؟ لكن الجواب معروف سلفا ً. ينقصنا الضمير الغائب بفعل عملية التدمير الانساني التي تعرضنا اليها على مدى عقود، ومن هنا يجب ان تبدأ عملية إعادة البناء.
|
|