فاطمة الزهراء.. منهج للحياة و طريق للجهاد
|
*الشيخ علي ياسر العكيلي
في ذكرى فاطمة عليها السلام، لايمكن ان يوجه الحديث للنساء فقط، وان كانت الزهراء سيدة نساء العالمين الا انها ايضا ابنة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله الذي اخذها معه للحرب والهجرة، وهي ايضا زوجة الامام علي عليه السلام و رفيقته في مسيرة الجهاد والتحدي. ثم هي مربية الابطال الذين سجلوا الملاحم الخالدة في الجهاد والثورة.
اذن؛ هي الابنة البارّة التي رعت أباها الذي أحيا مجتمع الجاهلية وحمل رسالة الحياة للانسانية جمعاء وتحمل في سبيل ذلك أعظم الاذى حتى قال: (ما أوذي نبي مثل ما أُوذيت). كانت تستقبله وقد مُلئت جسمه الجراحات فتداويه. وبعد معركة اُحد التي حضرتها فاطمة عليهاالسلام نظرت الى جراحات جبهة الرسول صلى الله عليه وآله والى الدماء على وجهه الطاهر فقامت تمسح الدم وتقول: (اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله).
وهي الزوجة المخلصة التي شاركت زوجها عليه السلام درب الجهاد بكل آلامه. جاءها الامام علي عليه السلام يوماً فقال لها: (يا فاطمة هل عندك شيء نأكله.. .؟ قالت: والدي عظم حقك، ما كان عندنا منذ ثلاثة ايام شيء نقرك به. قال عليه السلام: أفلا خبرتني.. .؟! قالت عليها السلام: ان أبي رسول الله صلى الله عليه وآله نهاني ان اسألك شيئاً، وقال لي: ان جاءك بشيء وإلا فلا تسأليه.
كانت تتحمل الجوع على ان لاترهق زوجها بالطلبات وتشغله عن امر الجهاد والعمل المتواصل في سبيل الله ولخدمة ابناء الامة. وكانت في ليلة هجرة أبيها رسول الله من مكة تعيش القلق وتتوقع هجوم الاعداء عليه في أية لحظة. ورغم ان العدو منعها ومن الهجرة في سبيل الله لكي تلتحق برسول الله، الا انها صممت على الهجرة فكان التقدير أن يرافقها ابن عمّها علي بن أبي طالب الذي اصبح فيما بعد في المدينة القرين والزوج الذي اختارته السماء.
هذا الموقف الجهادي والبطولي من الزهراء عليها السلام امام مشركي مكة، تكرر مع آخرين في المدينة لكن بعد رحيل المحامي العظيم السد المنيع أباها رسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك عندما حاول أذناب الجاهلية الاولى لأخذ الامام علي عليه السلام مخفوراً الى المسجد النبوي ليبايع على ما لم تتفق عليه الأمة من بعد النبي الأكرم. فكانت الموقف الشجاع والبطولي من الزهراء حيث وقفت خلف الباب معلنة رفضها تسليم زوجها، أول القوم اسلاماً وأقومهم لدين الله وقرين الحق والقرآن الكريم. لكن نزوة السلطة والحكم أعمت عيونهم وبدلت قلوبهم فهي كالحجارة بل هي أشد قسوة. فما كان منهم إلا ان اقتحموا دار الإمامة والولاية منتهكين حرمة نبيهم ودينهم، فقد دفعوا الباب التي كانت تقف خلفه الصديقة الطاهرة، وهو نفس الباب الذي كان يقف على عتبته خاتم الانبياء وسيد المرسلين وحبيب اله العالمين، يستأذن للدخول علماً انه بيت ابنته فاطمة. فيا لمهزلة الانسانية والاخلاق المشوهة.
ان مواقف الزهراء البطولية في (واقعة الدار)، هي بالحقيقة دروس وعبر لنا، فهي سلام الله عليها بما تحملته عسف الجبناء وتلويعها بالسياط ودفعها ما بين الحائط والباب و كسر ضلعها واسقاط جنينها، تعلمنا درساً في عدم الاستسلام للطاغوت وطلاب السلطة، وبعد اختطاف الامام عليه السلام من الدار لحقت بهم لتزيدهم فضيحة على ما هم عليه من انتهاك للقيم والمبادئ التي تركها له رسول الله وهو بعد لم يمض على رحيله أيام. و ماعادت الزهراء البطلة الى البيت الا و زوجها معها.
وهنا لابد من الاشارة الى مايذهب اليه البعض من الحديث عن سبب ركون الامام علي عليه السلام وعدم اتخاذ الموقف اللازم ورد الفعل إزاء الاعتداء الذي تعرضت له الزهراء عليها السلام. والحقيقة فان الامام عليه السلام كان في تلك الفترة حريصاً كل الحرص على وحدة المسلمين وكانت وصية الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله نصب عينيه بان يصبر على كل ما سيلاقيه.
كانت بطولة الامام علي يومها في صبره. فهو الشجاع، المقدام، وبيده السيف البتّار باعتراف كل المسلمين والمؤرخين الذين يتساءلون عن سبب عدم اشهار الامام السيف بوجوه المعتدين على داره. لكنهم يجهلون دائماً في الأمس واليوم وربما الى يوم الدين، عمق الايمان بل تجلّي الايمان والقيم والدين في شخصية علي بن أبي طالب، فهم يريدون ان يكون مثلهم يشهر سيفه بوجه من يثير غضبهم ويستفزهم، فتكون اراقة الدماء واثارة العداوات والخلافات المستديمة وهو ما لايوجد لا في قاموس الامام عليها السلام ولا في قاموس الاسلام بتاتاً.
إذن، هناك فرق كبير بين من يصبر على الأذى محتسباً راضياً بقضاء الله تعالى، ومن موقع القوة والاقتدار، وبين من يجلس في بيته متقاعساً عن المواجهة والمجاهرة بالحق والفضيلة أمام السلطان الجائر او الواقع الفاسد، بحجة أن لاحول له ولا قوة، وهو عذر غير مقبول في الاسلام.
كانت الزهراء عليها السلام تحمل مشعل الرسالة التي خلفها أبوها رسول الله لأهل بيته، كما كانت تحمل شجاعة واقدام زوجها أمير المؤمنين عليه السلام. وما مطالبتها بـ(فدك) إلا مطالبة بحق الخلافة وقد قالت الزهراء بكل صراحة وهي تخاطب نساءً لها من المهاجرين و الانصار: أنّى زحزحوها – أي الخلافة- عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والولاية ومهبط الروح الامين.. .).
ولم تكتفِ بمقاومتها للانحراف والمؤامرات بنفهسا، بل صنعت خطاً مستقيماً يمتد عبر الزمن لمقاومة الانحراف في الامة، وهو باقٍ الى يوم الدين، يقول الرسول صلى الله عليه وآله: (يافاطمة...! ان الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)، ولا شك ان فاطمة عليها السلام تغضب على المتخاذلين.
اللهم لاتجعلنا من المتخاذلين عن نصرة الحق فيشملنا كلام فاطمة الزهراء عليها السلام والعياذ بالله، اللهم اجعلنا ممن ترضى عنه ابنة بنت نبيك صلى الله عليه وآله.
|
|