الدعاء في القرآن الكريم
"رَبِّ اغْفِرْ لِي"
|
*صادق الحسيني
اللجوء الى التوبة بعد ارتكاب المعصية والذنب، ثم الاستغفار، يُعد عملية شحن للذات بالقوة المعنوية، ذلك ان طلب المغفرة وما يعقبه من اصلاح للذات هو طريق التقدم من اجل تحقيق الاهداف السامية.. ولذلك تجد الانبياء و من بعدهم الائمة المعصومون عليهم السلام. يقدمون الاستغفار ويبتدؤون ابتهالاتهم بطلب المغفرة ونلاحظ ذلك بدءاً من النبي آدم وزوجته عليهما السلام، حيث قالا بعد أكلهما لما نُهيا عنه: "قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (الاعراف /23)، ومروراً بالنبي نوح اذ قال: "رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً" (نوح /28)، والنبي سليمان اذ قال: "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ" (ص /35)، و النبي ابراهيم حين قال: "رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ" (إبراهيم /41). و وصولاً الى دعاء المؤمنين حيث تقول الآية الكريمة على لسانهم: "وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ" (آل عمران /147)، ويتأكد ذلك حين يأمر الله نبيه الخاتم بالاستغفار بقوله تعالى: "وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ" (المؤمنون /118).
وليس اعتباطاً التأكيد على طلب الاستغفار حتى انه ورد في الرواية انه افضل الدعاء. كل ذلك لتنبيه الغافلين على اهمية طلب الغفران، ذلك أن طلب الانبياء للاستغفار و هم معصومون من الزلل و منزهون عن الخطيئة دليل على حاجاتنا الكبيرة والقصوى للاستغفار لسببين :
الاول : أنّ الانسان مهما بلغ في طهارته الروحانية و عزوفه عن الشهوات النفسانية الّا انه يظل معرضاً للخطيئة، فهاهم الانبياء قد يرتكبون ما يوجب توبيخهم بتركهم للاولى، فما بالنا نحن الذين لا نملك نور النبوة و لا العصمة.. لذلك على الجميع أن يطلب الغفران من ولي الاحسان وهذا هو الطريق الاوحد للانابة الى الخالق باستمرار.
ثانياً: أنّ وصف الانسان المخلوق الضعيف لربه العظيم هو بذاته يستدعي الاستغفار حتى لو كان ضمن الصلاة و العبادة، لأنّه بعقله المحدود و لسانه المذنب و نفسه المشوبة بالمعاصي يذكر الله جبار السموات والارض من هنا فحتى مع الطاعة يحتاج الانسان الى طلب المغفرة ونجد ذلك بأبهى صورة في مناجاة الذاكرين للامام زين العابدين حيث يقول : (إلهِي لَوْلا الْواجِبُ مِنْ قَبُولِ أمْرِكَ لَنَزَّهْتُكَ مِنْ ذِكْرِي إيَّاكَ، عَلى أَنَّ ذِكْرِي لَكَ بِقَدْرِي، لا بِقَدْرِكَ، وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ مِقْدارِي، حَتّى أُجْعَلَ مَحَلاًّ لِتَقْدِيسِكَ. وهذا هو سرّ طلب الغفران للانبياء عليهم الصلاة و السلام.
و اما المؤمنون السائرون على خطى الانبياء فهم يرددون هذا الدعاء مراراً ليكفر الله عنهم ما سلف منهم مستذكرين المعاصي التي ارتكبوها ذلك أنّ الانسان لو لم يعتقد بظلمه فممّ يستغفر ؟ انما عليه الاعتراف بذنوبه و الندم عليها و يجلس امام خالقه العظيم جلوس العبد الذليل امام المولى الرحيم و من ثم يطلب الغفران منه عزوجل، و هكذا فعل النبي موسى عليه السلام حين قال: "قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (القصص /16).
فكما انه تعالى غفر لموسى عليه السلام، فانه يغفر للمذنبين العاصين لأنّ رحمة الله وسعت كل شيء. من هنا فاننا نتعلم أن علينا الدعاء دائماً لأنفسنا ولاخواننا المؤمنين في نفس الوقت، وهذا من شأنه ازالة الشوائب والحواجز النفسية بين الاخوان المؤمنين، يقول الحديث الشريف: (حب لأخيك ما تحب لنفسك). فكثير من الناس يلجأون الى الله بجاه أوليائه الصالحين من الأئمة المعصومين والمتعلقين بأهل البيت عليهم السلام، ويطلبون حوائجهم الملحّة سواء الشخصية مثل غفران الذنوب او لشفاء مريض او قضاء حوائج مختلفة. فالمرجو هو الدعاء لجميع المؤمنين بغفران الذنوب وقضاء جميع الحوائج، لعل الله تعالى وكرامةً لهذه الروح الجماعية الجميلة ان يستجيب لدعائنا وتضرعنا.
|
|