قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

المراهقة ، مجهود نفسي يحتضنه الكبار
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *سعد مغيمش الشمري
ما أن يصل الطفل الى سن الثانية عشرة من العمر حتى يبدأ مرحلة جديدة في حياته تتصف بظهور العواطف الجيّاشة والمشاعر المختلفة والمتناقضة أحياناً، وهي مرحلة ينسلخ فيها – ذكراً أو أنثى- عن مرحلة الطفولة ليدخل مرحلة الرشد والنضج، وهي تسمى بـ (المراهقة)، والكلمة من ظاهرها تعني أن ثمة إجهاداً وإرهاقاً يواجهه الانسان في هذه المرحلة العمرية ليقف عند محطة جديدة في مسيرة حياته. ومن ابرز سمات هذه المرحلة هي الانعزالية والانطواء والسعي لاقتناء الامور الخاصة والحذر من اشتراك الآخرين فيها، وهي مسألة طبيعية من الناحية الفطرية والمنطقية، حيث الانسان الذي يريد ان يستشرف المستقبل ويفكر ان يضع نفسه وسط الأسرة والمجتمع، لابد وان يكون بمنأى عن الجميع بشكل من الاشكال، حتى يتسنّى له التفكير والتأمل بارتياح.
وعندما يكون المراهق على هذا الوضع، فان اول شيء يكون أمامه هو اختيار الاصدقاء، لاسيما من هم في سنّه وعمره، وهذه القضية تعد بالنسبة اليه بمنزلة الواحة التي سوف تقوم خلال الفترة الزمنية المقبلة بدور تنظيم مشاعر المراهق واحاسيسه وتترك تأثيرها على نفسيته، فان كانت صحيحة فخير، أما اذا كانت على غير الصراط المستقيم فانها ستجر هذا المراهق في المستقبل الى الانحراف عن الطريق.
*الطريق الآمن نحو الصداقة
إن اول نقطة خلاف او تقاطع تحصل بين الابوين وابنهم المراهق، هو هوية الاصدقاء الذين يختارهم سواء في أجواء المدرسية أم في المنطقة السكنية أو محيط العمل، لكن قبل أي شيء لابد أن نعرف حقيقة مهمة عن المراهق، انه في هذه المرحلة العمرية التي تتراوح بين الثانية عشر والخامشة عشر من العمر، يعد نفسه قد تجاوز مرحلة الطفولة، وان بامكانه فتح باب البيت والخروج لوحده والتجول هنا وهناك، وان أي ضغط سواء من الأب او الأم سيعده نوعاً من الاستصغار ومحاولة إعادته الى مرحلة الطفولة او ابقائه على هذه الحالة، وقد لا تنفع دائماً تأكيدات الوالدين بانهما يريدان مصلحته وخيره، لأن المشكلة ان الابن (المراهق) لا يرى سوى نفسه، فتبقى المشكلة معلقة، وربما تكون في كثير من الاحيان على شاكلة (حوار الطرشان)!!
هنا يبرز دور الوالدين أو حتى الأخ الكبير بمسايرة ولدهم اليافع، واحتوائه بغير قليل من العاطفة والحنان والاهتمام، فاذا كان هو يعد نفسه مهماً وجديراً بالاحترام والالتفات من خلال الاهتمام بمظهره وسلوكه وحركاته، فيجب على الكبير ذي الخبرة والتجربة أن يسبقه في ذلك، فيحظيه بالاهتمام والرعاية باكثر مما هو يتوقع، طبعاً مع مراعاة جانب الاعتدال وعدم التطرف. فالعواطف والمشاعر التي يظهرها المراهق لقرينه او صديقه، يمكن بكل سهولة قراءتها من قبل الكبير ومن ثم التجاوب معه بنفس اللهجة والمنطق، كأن يقوم الأبوان أو الاخ بدور المرآة الناصعة والصادقة. أما اذا تراكم على هذه المرآة الشوائب والغبار بسبب سوء الاجواء الأسرية وانعدام التعامل الاخلاقي والانساني، فان المراهق سيجد نفسه متحرراً عندما يجد اصدقاءه بنفسه ومن يفضي اليهم باسراره وافكاره وطموحاته، وهذا بلا شك يكون أحد ابواب المنزلقات والانحرافات التي يشهدها مجتمعنا.
من هنا يكون دور الابوين والأخ الكبير بل لنقل حتى القريب الى الأسرة مثل الخال أو العم والجد، مؤثراً جداً ومصيرياً بالنسبة للمراهق في علمية اختياره لاصدقائه واقرانه في العمر. وهم في ذلك وباسلوبهم الذكي والحكيم يمكنهم ابعاد أي خطر مستقبلي على ابنهم الفتي.
*المراهق و الاستعراض
ذكرنا آنفاً ان اول ما يتصف به المراهق هو الايحاء للآخرين بالاستقلالية وانه لم يعد طفلاً صغيراً، فيكون حساساً إزاء ما يتفوه به وما يقوم به من حركات ومواقف سواء داخل البيت أو خارجه، مع افراد أسرته أو مع اصدقائه وأقربائه، لذا نجد انه يحاول دائماً ان يوحي للآخرين انه ذو شأن وله الحق في اختيار الملابس التي تعجبه، او تسريحة الشعر التي يحبها، والأهم من ذلك، الكلام والحديث بما يرغب ويراه جيداً، حتى وان الكلام يتعلق باسرار البيت والاسرة، فهو بذلك يجد انه بلغ مرحلة يتحدث بما يتحدث به الكبار.
وبما ان علاقات الصداقة في هذه الفترة العمرية الحساسة معرضة للتغير والتبدّل تبعاً لتبدل العواطف والمشاعر بين المراهقين، فان البوح ببعض الاسرار العائلية يمكن ان يورط المراهق في مآزق خطيرة، فقد يأتي يوم تكون فيه علاقة الصداقة منقلبة رأساً على عقب، فيعمد الصديق القديم للانتقام من صاحبه باذاعة اسرار عائلته او اسراره الخاصة للآخرين، الامر الذي يصيب المراهق بصدمة عنيفة ربما تأخذ به الى حيث اتخاذ مواقف غير عقلانية ورد فعل عنيف ليواجه الموقف، فيبحث عن ثغراث واسرار عن صاحبه او حتى يعمد لاتهامه وإلصاق تهم او صفات معينة اليه لاراحة نفسه من اللوم والتقريع، لكن في هذه الحالة تكون النتيجة مدمرة للجميع بمن فيهم المراهق واصحابه.
إذن، المسؤولية تعود مرة أخرى على الوالدين والكبار في الأسرة، بأن لا يجعلوا المراهق دائماً متفرجاً على جولات من المشاحنات والنقاشات الحادة داخل الأسرة، حيث يتم تبادل قضايا خاصة عديدة تتعلق بالمال والممتلكات والاعراض وغير ذلك. والمراهق هنا – طبعاً الذكر او الأنثى- ليس له سوى السماع والتفرّج على الجو المشحون وتسجيل المواقف والمعلومات، وعندما لايمكنه المشاركة برأي أمام الكبار داخل البيت، فانه سيعمد لذلك خارج البيت.
أمرٌ بين أمرين
نلاحظ حالات عديدة من تعامل الآباء مع المراهقين أو الأمهات مع المراهقات تتجاوز حدود التوجيه والتعليم المنطقي الصحيح، وهذه الحالة تنشأ بالدرجة الاولى من عدم الفهم الصحيح لحالة المراهقة بالأساس، فتارةً يكون الشعور عند البعض بان هذه الحالة هي باب خطير لابد من غلقه بقوة التهديد والضرب واستخدام الكلمات الجارحة، وتارةً يكون الشعور عند البعض الآخر بانه فرصة جميلة لأن يفتخرون بابنهم أو ابنتهم عندما تستعرض شخصيتها أمام المجتمع، والحالتان مرفوضتان، إنما الصحيح هو تحكيم القيم والمبادئ والاعراف الاجتماعية البناءة، وعلى ضوئها يمكن تنوير المراهق والمراهقة لتتجه صوب الطريق الصحيح، لنأخذ مثلاً، وسائل النقل من سيارة أو دراجة نارية بالنسبة للمراهق وكذلك الملبس والمظهر، وجهاز الحاسوب والقنوات الفضائية بالنسبة للمراهقة. فهذه الوسائل وغيرها، في ظاهرها ليست مضرة، لكن عدم وجود الأطر الصحيحة لاستخدامها يؤدي الى تلقي المراهق والمراهقة لدروس ومفاهيم خاطئة ليست من سنخ المجتمع ولا هويته.
إن القنوات الفضائية بحاجة الى اتجاه معين ودقيق جداً وأيضاً الى رقم خاص للتردد والترميز وغير ذلك حتى يتسنّى استقبال محطة معينة، هذا بالنسبة لقناة تلفزيونية، فهل من المعقول ان تكون تصرفات الانسان وقناعاته فوضوية وبعيدة عن النظام والاصول؟