الغرب والفتنة
|
د.أحمد راسم النفيس (*)
تمر السياسة الأميركية في المنطقة بأزمة خريف القوة بعد أن تبين عجزها عن مواصلة شن الحروب واضطرارها للبحث عن خطط بديلة للتواجد العسكري المباشر. أن تُسقط أميركا خيار الحرب على إيران فهذا لا يعني تخليها عن بقية الخيارات العدوانية ومن بينها تفجير العالم الإسلامي من داخله وإبقاؤه ضعيفا منقسما، ليبقى الكيان الصهيوني آمنا مطمئنا.
في السودان: تبدو الولايات المتحدة متلهفة لرؤية هذا البلد العربي وقد جرى تقسيمه إلى شمال وجنوب وهو ما يؤدي حتما لإضعاف الشقيقة الشمالية الكبرى مصر التي تعاني أزمة خطيرة بسبب مطالبة دول حوض النيل بإعادة تقسيم موارده، حيث صرحت وزيرة الخارجية الأميركية أن تقسيم هذا البلد أصبح حتمية تاريخية ثم تمادت أبعد من هذا عارضة حزمة من الإغراءات للرئيس السوداني من أجل تسهيل الانفصال، منها إعادة كاملة للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين وإعفاء السودان من ديونه الأجنبية، وصدور قرار من مجلس الأمن بتأجيل تنفيذ قرار محكمة الجنايات الدولية باعتقال الرئيس البشير لمدة عام، إضافة لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب الأميركية. إنه التقسيم والتفتيت إلى شمال وجنوب وعرب وأفارقة!!. وفي باكستان وأثناء احتفال الشيعة في هذا البلد بذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام ليلة الحادي والعشرين من رمضان جرى تفجير المحتشدين في هذه المناسبة فسقط المئات بين شهيد وجريح. وبعد أيام قلائل جرى تفجير المشاركين في يوم القدس العالمي الذي يجري الاحتفاء به يوم الجمعة الأخيرة من رمضان فسقط عدد مماثل من الجرحى والشهداء.
أما في العراق فما زال مخطط تفجير الفتنة المذهبية متواصلا وإن كان بوتيرة أقل مما كان عليه بسبب الضربات التي تلقاها تنظيم القاعدة الحليف البيولوجي للكيان الصهيوني. قبل عامين من الآن كشف أحد كبار المخططين الصهاينة (آفي ديختر) عن رؤية هذا الكيان لمستقبل العراق وضرورة إبقائه مقسما عبر تأجيج الصراع بين السنة والشيعة والعرب والكرد. أما في مصر فذلك الشيخ يواصل إطلالاته عبر الفضائيات، وآخرها تلك التهجمات التي دعا فيها إلى (شن هجوم بيولوجي إلهي شامل) على الشيعة يفضي لإصابتهم بالسرطان والطاعون وتخثر للدماء في عروقهم فضلا عن استغاثاته المتواصلة بالسلطان برقوق وأخيه قلاوون ليقوما بإبادة (الرافضة)، تماما كما فعل جده (شيخ الإسلام) الذي قاد بنفسه واحدة من أبشع حملات إهلاك الحرث والنسل قبل سبعمائة عام في جبال كسروان!!.
نحن إذا أمام مصلحة غربية صهيونية مؤكدة لإشعال حرب أهلية بين المسلمين على خلفية مذهبية أو عرقية أو تفجير صراعات سياسية بينهم لئلا تقوم لهم قائمة ولتواصل هذه الدول انحلالها وتفتتها بوتيرة أسرع مما هو عليه الآن لتكون كلمة الصهاينة هي العليا. وبينما سارعت المرجعيات الدينية الشيعية لإدانة بعض التفوهات اللا منطقية الصادرة من لندنستان لم نسمع يوما ما إدانة حازمة لحملات القتل والإبادة الجماعية التي يمارسها هؤلاء البرابرة في باكستان وأفغانستان والعراق أو لدعوات الهجوم البيولوجي السرطاني الشامل فضلا عن مصادرة الحقوق السياسية والإنسانية للمسلمين الشيعة وتهميشهم في أوطانهم رغم شرعية مطالبهم واتساقها مع الدين والقانون. لا نعتقد أن بيانات الإدانة أو اجتماعات تبويس اللحى تقدم جوابا صحيحا على حالة الفتنة المزرية التي يصرون على جرنا إليها فالإجابة المطلوبة تتمثل في التأكيد النظري والعملي على وحدة الأمة كفرض إلهي وضرورة بقاء في مواجهة العدوان الغربي المتواصل على الأمة الإسلامية وعقيدتها وقرآنها.
(*) باحث وكاتب مصري
|
|