تحت الضوء
الهياج الاعلامي
|
*محمد علي جواد تقي
يذكرني الهياج الاعلامي بنشر اسماء المبعدين من لائحة الترشيح لانتخابات الدورة النيابية الجديدة في العراق، بحالة بعض التلاميذ المجدّين أيام زمان بعد استلامهم شهادة النجاح بتفوق وهم يلوّحون بها بأيدٍ وبأيدٍ أخرى يمسكون بمقود الدراجة الهوائية معلنين هذا الفوز والنجاح لأكبر عدد ممكن من الناس، لكن مناظر كهذه كانت تنتهي أحياناً بمشاهد مأساوية حيث يصطدم الفرح والابتهاج بشاحنة أو سيارة في الشارع أو قد يفقد الشاب توازنه ويسقط أرضاً أو يرتطم بحافة الشارع الكونكريتية ويتحول الابتهاج الى عزاء.
من حق هيئة المساءلة والعدالة أن تدلو بدلوها في (العرس الديمقراطي) وتنظم قائمة باشخاص لا يصلحون أن يكونوا نواباً للشعب العراقي ويحصلوا على شرف الخدمة والمسؤولية، لكن هل لاحظت الهيئة عامل الزمن؟ فالناس بعد لم يتخلصوا من أصداء المشادات الكلامية بين طارق الهاشمي والبرلمان على قضية قانون الانتخابات، حتى تطرق مسامعهم إثارات اعلامية جديدة، وهذه المرة عن عزل هذا وتزكية ذاك، فأين كانت طيلة هذه المدة؟ وهذا كان عتاب الناس على الهاشمي عندما أثار قضية البند المتعلق بعراقيي الخارج والمقاعد التعويضية وغيرها، حتى كاد قانون الانتخابات أن يسقط ويهشم كل طموحات الناس وآمالهم بالاستقرار السياسي والاجتماعي.
إن الرقم الذي سربته وسائل الاعلام الى الرأي العام كبير جداً (511) مرشحاً من كيانات مختلفة، ومن المؤكد بين هذه الاسماء من يستحق الابعاد عن الساحة الديمقراطية وعن الإئتمان على مقدرات الشعب العراقي ومصيره، لكن ماذا عن الآخرين؟ علماً أن القرار يمثل دعوة قضائية، أي انها ستكون ملزمة ونهائية بعد أن تأخذ مسارها القضائي ويصدر القضاء الأعلى رأيه النهائي بشأنها، وحسناً قال النائب سامي الاتروشي في التحالف الكردستاني بان الهيئة ربما ستكون أمام موقف محرج اذا خرج قرار التمييز في المحكمة لصالح بعض الاسماء المبعدة وعادت الى الحملة الانتخابية.
يبدو ان المشكلة ليست جديدة، فمعظم وسائل الاعلام إن لم نقل جميعها، تتسابق في دسّ الأنف الصحفي والعيون والآذان في أروقة مجلس النواب وبين الدوائر الحكومية وحتى القوات المسلحة بحثاً عن الجديد والمثير لعرضه في سوق الاعلام الهائج والمائج بالاثارات من مختلف الانواع والاشكال، بل المشكلة باعتقادي أعمق تضرب بجذورها في المنهج الذي يدرسه الاعلاميون، فهم يقرأون ويحفظون أن الخبر الناجح ليس (كلبٌ عضّ رجلاً) إنما (رجلٌ عضّ كلباً)! فالاثارة للاثارة وحسب، حتى وإن تسبب هذا في إصابة القراء بلوثة ذهنية فيؤمنون بأن تحولاً حصل في السمات البشرية، فالرجل ربما يعضّ يوماً ما!!
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، لم يهتدِ الناس حتى الآن الى الطريق الأقصر والأفضل لمعرفة مرشحهم وممثلهم ليدلي برأيه لصالحهم، واعتقد أن أمام هؤلاء المرشحين أو ممثلي الشعب في المستقبل، مهمة مزدوجة: إنارة الطريق أمام الناس لسهولة اللقاء والتعارف، وفي الوقت نفسه وضع الفلترات على مصادر الاخبار، لحين تمكنهم من إقرار عيون الناس بقانون الاعلام في الدورة البرلمانية الجديدة، حتى يعرف الاعلام موقعه من المجتمع، ويعرف المجتمع موقعه من الاعلام.
|
|