الحزن.. مرضٌ مدمر أو عِبرة للنجاة
|
*يونس الموسوي
الحزن.. تارةً يكون حالة مرضية لأشخاص فيذيب أجسادهم ويغير أخلاقهم ويهدم نفوسهم، وتارةً يكون لأفراد آخرين حالة نفسية ايجابية لها علاقة بمستويات من معارفهم الإيمانية، فهم يحزنون على ما فرطوا في جنب الله من ارتكاب الذنوب والتقصير في العمل، فهذا حزنهم حتى وإن أضعف أبدانهم فهو ممدوح لأنه يساعدهم على السمو والمضي في طريق التكامل في عالم الإيمان والأخلاق.
لكن في كثير من الاحيان نرى ظاهرة الحزن والشجن تخيم على وجوه الكثير، وهو ما يسبب الألم والمعاناة للإنسان في نفسه وبدنه، وهذا هو الحزن المرتبط بحب الدنيا، والناتج عن الأسف والأسى لقلة ما في اليد من النعم والخيرات التي منّها الله على عباده، فهو يتأسف لأنه لم يتمكن من تحقيق الأمنيات التي كانت لديه من شراء السيارة أو البيت أو المزرعة أو ما إلى ذلك من نعم الدنيا، فهو حزين لأنه يفتقدها ولم يحصل على شيء منها، وهذا الحزن يذيب الجسد ويصيب النفس بالمرض ويسقم القلوب كما قال الإمام الصادق عليه السلام: (الأحزان أسقام القلوب كما أن الأمراض أسقام الأبدان).
وكما سبق فأن حب الدنيا هو عامل مهم من عوامل تسلط الحزن على قلب الإنسان، وهناك عوامل أخرى ومنها الحسد، فالنظر إلى ما في أيدي الناس من النعم والخيرات كلها تدخل الحزن على قلب هذا الرجل وتنغص عليه عيشته إذ إنه يرى أصدقاءه أو أشقاءه ينعمون بالخير والبركة بينما هو يعيش في وضع صعب، فهو لهذا الشيء سيشعر بالحسد وثم الحزن لذلك، وهو في حقيقة أمره إنسان ظالم لأنه يطمح من دون حق أن يستولي على أموال من يحسدهم بالباطل وقد ذكر الإمام علي عليه السلام (ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم منه الحاسد.. نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم).
والحاسد يعذب نفسه من غير أن يشعر، لأنه يزيد هماً فوق همه، ويزيد في غيضه وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وآله حال هذا الإنسان بخير وصف عندما نزلت هذه الآية: "لاتمدنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم ولاتحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين"، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن رمى ببصره إلى ما في يد غيره كثر همّه ولم يشف غيظه). بحارالانوار، ج77، ص166.
وهناك رجل آخر يشبه الحاسد في أنه لايستطيع لذلك بحزن شديد وهو الذي غضب على أحد من دون استطاعة للنيل منه وقد ذكره الإمام علي عليه السلام في قوله (من غضب على من لايقدر أن يضره طال حزنه وعذب نفسه) فالأجدر بهذا أن ينزع الغضب من قلبه حتى يريح نفسه من هذا الحزن الذي لاينطفئ.
وفضلاً عن ما قلنا فهناك شخص آخر هو دائم الحزن، ذلك هو المقصر في عمله، فالذي لايؤدي واجبه بالشكل الصحيح هو أيضاً يشعر بتأنيب الضمير والحزن لذلك، خاصة إذا إتفق ذلك مع خسارة مالية وروحية، ومن هذا الباب فإن المذنب المقصر في واجباته أمام الله عزوجل هو أيضاً يشعر بالحزن لذلك التقصير وكلما ذكر ذنبه أصابه الحزن.
وكما يبدو فإنه ليس كل الحزن مرضاً، فإن فيه ما ينفع الإنسان، لكننا هنا نريد أن نعرف الطرق المناسبة لمواجهة الحزن في جانبه السلبي والمرضي الذي يثقل على الإنسان ويحول حياته إلى تعاسة؟
لمواجهة الحزن المرضي نحتاج إلى عدة أمور:
1- المعرفة..
أن نعرف حقيقة الدنيا وأسرارها الخفية المرتبطة بتقسيم الرزق والثروة، فمن يعرف بأن هذه الدنيا تسير وفق نظام التقدير الإلهي و يعرف جيداً بأن الرزق مقسوم وأن ما وصل إليه من الرزق ما كان سيخطأه، وأن ما زوي عنه ما كان سيصل إليه لأنه لم يكن مقسوماً له، فمن يعرف الدنيا بهذا القانون يكون مرتاح البال ولايشغل باله كثيراً في البحث عن مصادر الرزق لأنه يعلم جيداً بأن منبعها عند الله وهو الذي يقسم الأرزاق كيف يشاء.
ولذا لابد وأن يجرب المرء في هذه الحياة مؤمناً كان أم فاسقاً كل ألوان الحياة السعيدة وغير السعيدة، ومن يعرف الدنيا بهذا الحال فهو في أحسن حال، ويكون مرتاحاً أيضاً، ومن يعرف الدنيا أنها يومان: يوم لك ويوم عليك، فإذا كان الذي إليك فلا تبطر فيه ولاتفرح لأنه سيأتي الذي عليك فلا تضجر فيه ولاتجزع.
ونتيجة لهذه المعرفة سيحصل الإنسان على طاقتين: أولها روحية وهي الصبر، فإنه عندما يواجه اليوم الأسود الذي له يدرك أنه يومه وما كان سيخطأه وليس لدى الإنسان حيلة في ذلك فما عليه إلا الصبر، وأما الطاقة الثانية التي سيكسبها نتيجة لمعرفته بأحوال الدنيا هي طاقة فكرية تتمثل (باليقين) فهو يعرف تماماً بأن الرزق مقسوم والدنيا فيها يوم أسود وآخر أبيض، وفيها الشدّة والرخاء، وأن ذلك كله يسير وفق نظام تقدير إلهي دقيق، لذا فهو مستعد لأحلك الظروف وأسوئها في آن واحد.
وقد وصف الله عزوجل أحوال أناس لايصيبهم الحزن أبداً حيث قال رب العزة: "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" (يونس/ 62) انهم لايحزنون على ما فاتهم من النعم في الدنيا لأن لديهم اليقين بأن مافاتهم لم يكن من نصيبهم، وهم لايفرحون بما أتاهم لأن آمالهم منعقدة بالآخرة فهمهم وحزنهم على الآخرة ولذلك هم يسعون إليها سعيها، ومن هنا فإنه لايصيبهم الحزن الأكبر وهو حزن يوم القيامة.
وبشكل عام فإن الناس في قضية الحزن يصنفون إلى صنفين: صنف يعتمد اليقين في قلبه، فهؤلاء لايصيبهم الحزن إلا على شكل سحابة صيف عابرة وذلك أن الله سبحانه وتعالى جعل الاتراح والافراح في اليقين، وصنف آخر قد تمكن الشك من قلوبهم فحولها محلاً للسخط والهم والحزن، ومن أبلغ الكلام ما جاء في الحزن والفرح هو ما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في كتاب كتبه لأحد أصحابه (أما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته، ويسوؤه فوت مالم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكف أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلاتكثرنّ به فرحاً، وما فاتك منه فلا تأس عليه جزعاً، وليكن همك فيما بعد الموت والسلام.) بحارالانوار، ج78، ص8.
|
|