قسم: الاول | قبل بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

قوة الحزم من قوة العزيمة
لمشاهدة الصورة لحجم اكبر إضغط علي الصورة *طاهر القزويني
نجد في بعض الأحيان أن كتّاباً وأدباء يناقشون أموراً تاريخية فينفون وقوع بعض الوقائع التاريخية ويثبتون أخرى من غير دراية أو تحقيق شامل وهذا بلاشك يوقعهم في الشبهات إذ انهم سينفون أشياء قد حصلت في الواقع، أو يثبتون أشياء لم تحصل، وتكون القضية أكثر خطورة عندما يرتبط الموضوع بالعقيدة.
يقف الإنسان عند محطات في ذاكرته، ويتأسف على ما فرط في أمور كان لو قام بها في وقتها، لحقق اليوم إنجازاًَ كبيراً، ولاشك أن كل واحد لاشك وقد ضيّع فرصاً كثيرة في حياته وهو الآن يتأسف عليها ويتمنى انه لو يعود به التاريخ إلى الوراء حتى يتخذ الموقف المناسب ويكسب تلك الفرصة الضائعة! لكن هل يمكن أن يحصل ذلك؟! كلا بالطبع، لأن عقارب الساعة لايمكن أن تعود الى الوراء، كما ان التاريخ لن يعود إلى الوراء لكن هناك امكانية لأن يتعلم الإنسان كيف يقتنص تلك الفرص ويربي نفسه على إقتحام الأمور واتخاذ القرارات الصعبة من أجل الفوز بالفرص الثمينة.
ويقدم آل البيت صلوات الله عليهم قائمة بالصفات التي تفتح آفاقاً واسعة لحياة الإنسان وتربيه وتعلمه حتى يكون الأفضل بين أقرانه ونظرائه في سعادته وأخلاقه وتعامله مع الناس وفي كل شيء، وعندما نرى ذلك الشيعي وهو بمستوى المثل والقدوة في منطقته وحيه ومدينته نقول أن الشيعة حقاً هم أتباع أهل بيت النبوة صلوات الله عليهم ذلك أنهم يسيرون على منهجهم خطوة بخطوة.
وفي إطار موضوع تضييع الفرص، وعدم التساهل في إتخاذ القرار، يوصي الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم شيعتهم باتخاذ الحزم في الأمور كافة وقد ورد عن الإمام الهادي عليه السلام (أذكر حسرات التفريط بأخذ تقديم الحزم) بحارالانوار، ج78، ص370.
نحن ندرس التاريخ، ونضع اصبعنا على الخطأ ثم نقول ماذا نفعل لعدم تكرار ذلك الخطأ؟ لأن الفرص قد تصادفنا مرة أخرى، والمشكلة هي ليست في تلك الفرص إنما هي فينا إذ لم نتمكن من استيعابها والاستفادة منها، فعليه يجب أن نبحث عن نقطة الضعف في شخصيتنا وهي التي فوتت علينا تلك الفرص، وأهمها التراخي وعدم الحزم في الأمور.
وقد جاء في الأحاديث الشريفة أن (الحزم صناعة) بمعنى أن نسعى لأن نحظى بهذه الصفة حتى تفيدنا في حياتنا وتجلب لنا خير الدنيا والآخرة، ولاشك أن النصر حليف الحازم الذي لايثقله العجز نحو الخنوع والتردد.
وهناك علاقة ثابتة بين الحزم والعزيمة، فالعزيمة تسبق الحزم وهي مقدمتها، ومن يريد أن يكون حازماً في أمره ينبغي أن يكون ذو عزيمة، ومن قويت عزيمته قوي حزمه، وقد بيّن الإمام علي عليه السلام في حديث له: (أن الحزم له ركنان أولها: إنتظار الفرصة وثانيهما: التعجيل بها)، فالحازم يعرف أن هذه الفرصة هي فرصته ويجب أن يقتنصها قبل فواتها.
إن المسارعة في الأمور وهي من مقتضيات الحزم، لاتعني عدم الاستشارة والاستبداد بالرأي، فإلى جانب من ذكرنا من ضرورة إنتظار الفرصة والاسراع في اقتناصها يجب على المرء أن لاينسى الاستشارة لأنها جزء من الحزم كما جاء في حديث الإمام الباقر عليه السلام عن رسول الله (ص): قيل لرسول الله صلى الله عليه وآله: ما الحزم؟ قال مشاورة ذوي الرأي واتباعهم) بحارالانوار، ج75، ص100.
ومن الحزم عدم التفريط بالاشياء الحسنة التي لديك، وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام انه (من الحزم حفظ التجربة) لأنها ذخيرة الإنسان لحاضره ومستقبله وهي تفيده بأن لايكرر أخطاءه، ومنها أيضاً، حفظ ما كلّف به المرء من أعمال و واجبات فهو لايفرط بها لأنه حازم مع نفسه، ولايفسح لها المجال لأن تتطاول عليه وتفرض عليه ترك تلك التكليفات، وهذا هو مؤشر جيد لمن يريد معرفة الحزم في شخصيته، فمستوى إلتزامه بالتكليفات الدينية هو مؤشر على قوة أو ضعف حزمه في الأمور، ولذا قال الإمام علي عليه السلام (إنما الحزم طاعة الله ومعصية النفس).
ونصل إلى مستوى أدق في صفة الحزم، وذلك عندما يكون المرء بين مفترق طريقين أحدهما فيه شبهة ويحقق مصلحة لنفسه، فمن كان ذا حزم فهو يقف عند الشبهة ولايتردد في رفضها أما الآخر الذي يفتقد الحزم لايرتدع عن الدخول في الشبهات، وهذه المسألة قد تكون محل ابتلاء العلماء والمفكرين، إذ يواجهون في أبحاثهم الكثير من الشبهات التي قد تبعدهم عن الحق، ولهذا يجب أن يتحاشوا الدخول في تلك الأمور حتى يحصلوا على الأجوبة المقنعة، ونجد في بعض الأحيان أن كتاباً وأدباء يناقشون أموراً تاريخية فينفون وقوع بعض الوقائع التاريخية ويثبتون أخرى من غير دراية أو تحقيق شامل وهذا بلاشك يوقعهم في الشبهات إذ انهم سينفون أشياء قد حصلت في الواقع، أو يثبتون أشياء لم تحصل، وتكون القضية أكثر خطورة عندما ترتبط بالعقيدة.
وكما هو واضح فان الحزم يكون للدنيا والآخرة، فهو إذن لايقتصر على الأمور المادية فقط، بل يشمل الأمور المعنوية والفكرية والأخروية، فالحازم هو الذي ينتفع من حزمه لدنياه وآخرته، فهو يستفيد من الدنيا لأن بهارجها لاتغره ولاتلهيه عن ذكر آخرته، وهو يشغل نفسه باصلاحها ويجعل من همته لآخرته وجدّه في العمل من أجلها، وقد وصف الإمام علي عليه السلام هذا الإنسان وقال عنه (إنما الحازم من كان بنفسه كل شغله، ولدينه كل همته ولآخرته كل جده).
وخلاصة القول أن الغاية من الحزم هو جني المكاسب المادية والمعنوية، لكن هذا بحاجة إلى مقدمات وتوفر شروط، فمن مقدمات الحزم امتلاك العزيمة و سداد الرأي واستشارة ذوي الحكمة ومعرفة الزمان، ومن شروط الحزم نفسه: انتظار الفرصة وتعجيل العمل وأيضاً الحيطة والحذر و خوض التجربة وتكريس الخبرة.