محاضرة يلقيها.. سَمَاحَةُ المَرجِعِ الدّيني آيةُ اللهِ العُظمى السَيد مُحَمّد تَقِي المُدَرّسِي
الحِج .. محطة للوحدة و فرصة للبناء الذاتي
|
إعداد / بشير عباس
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان اللعين الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
"وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ" الحج (27-28)
آمنا بالله
صدق الله العلي العظيم
لقد أخرج الله سبحانه وتعالى من البشرية أمة كانت خير أمة أخرجت للناس.. أمة حملت راية الإيمان والعدل والسلام الى الأمم جميعاً، "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً"، هذه الأمة - إذا درست التاريخ- عاشت وسادت ستمئة عام وفي ظلها عاش العالم المزيد من الطمأنينة والسلام، وبالرغم من أنها كانت لا تخلو من منغصات ونواقص نعترف بها، ولكنها بالنتيجة كانت "خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ"، هنا سؤال:
ماذا كانت ركائز هذه الأمة الأساسية التي ينبغي علينا اليوم أن نؤكد عليها؟
إن الصلاة والصيام والزكاة و..... هذه الركائز العبادية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الركائز السياسية والعسكرية، ولكن من أبرز هذه الركائز، هي الوحدة التي تتمتع بها الأمة.
تعرفون أن الأمة لم تكن من عرق واحد أو من إقليم جغرافي واحد، إنما كانت ممتدة على ثلث البسيطة، من وسط أفريقيا الى وسط آسيا تقريباً، وهذه المنطقة كانت تضم أجزاء كبيرة من اوربا ومن آسيا ومن افريقيا، وكانت الأمة الاسلامية على إمتداد واسع تضم الأعراق المختلفة والقوميات المختلفة والمناطق المتباينة ولكنها وحدت نفسها، لكن بماذا؟ وكيف؟
تعرفون أن المصالح تتضارب والآراء تختلف والمشاكل التي تحدث.. وإذا نظرت الى بلد من البلاد وقد يكون بلداً محدوداً لكنك تجد عوامل الخلاف تنهش في جسد هذا البلد حتى تجعله يعيش في حالة من الاضطراب، فكيف بالأمة التي كانت في ذلك اليوم تضم حسب التقسيمات الجغرافية الحالية حوالي خمسين دولة، ولكنها كانت واحدة، و ربنا سبحانه وتعالى يقول عنها: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ"، فمن أبرز وأهم ركائز الوحدة في الأمة الاسلامية كان الحِج أولاً.. فحينما ينطلق الانسان.. أي انسان من بلده ويقطع مسافات شاسعة وبعيدة متوجهاً الى الله، كلما تقدم الى بيت الله الحرام خطوة كلما ذابت في داخله العنصريات والذاتيات والحزبيات والانانيات، حتى إذا وصل الى ذلك البحر المتلاطم وإذا يجد الانسان نفسه يطوف حول الكعبة وعلى جانبه الأيمن قد يكون رجلاً من آسيا أو من أفريقيا أو اوربا وعلى جانبه الأيسر يجد الغني و الفقير و الصغير و الكبير و القائد و السلطان.. كلهم في حالة واحدة يهتفون: (لبيك اللهم لبيك).. إن هذه الكلمة تهزّ المشاعر والاعماق، و تصهر الجميع في بوتقة الإيمان، وإذا بهم يخرجون الى بلادهم مرة أخرى ويحملون معهم تلك الروح الواحدة الكبيرة والانسانية التي تتجاوز الحواجز الصغيرة والمحدودة وأنّى كانت. "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ" هذا الخطاب ممن؟ ولمن؟
إن هذا الخطاب جاء من ربّ العزة سبحانه وتعالى لنبيه إبراهيم (عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام) بعدما بنى الكعبة هو وأبنه اسماعيل وهو يدعو ربنا "أَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا"، فهم يدعون ويقومون بهذا العمل الكبير والجبار والذي بارك لهم، ثم قال له هل بنيت الكعبة يا إبراهيم؟ قال له: نعم ياربّ. قال سبحانه له: أذهب وأدعو الناس الى ضيافتي وانت وكيلي ستستضيفهم في هذا البيت، فقال يارب أين الناس؟ لا أرى حولي أحد سوى جبال عالية لا ضرع فيها ولا زرع ولا ماء ولا كلأ، فأين أدعوهم؟ فأجابه الله: يا ابراهيم افعل ما أقول لك فعليك البلاغ وعلينا الاداء - سبحان الله – فذهب ابراهيم على جبل قبيس، وهو الجبل المشرف على الكعبة فقال: أيها الناس هلّم الحج، أي تعالوا الى الحج.. وأخذ ينادي من جميع الإتجاهات، ولكن لم يكن هناك جواب عليه، فربما صدى الجبال كانت ترد عليه ولكن لا جواب من أحد، يقول الإمام الصادق (ع): فسمعه الناس وهم في اصلاب الرجال وأرحام النساء، وانت اليوم عندما تذهب الى الحج تلبي نداء ربك لذلك أنت تقول: (لبيك اللهم لبيك)، وهي الكلمة التي رددها الحاج أول ما يصل الى الميقات يقول لبيك يعني انت دعوتني والآن انا أتيت استجيب دعوتك، "وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً" بمعنى مشاة، وهذا يشمل الرجال والنساء - سبحان الله - والله لم يقل يأتوك ركباناً، فأول شيء قال يأتوك رجالاً وهذه في الحقيقة كلمة الربّ وكلمة والقرآن تأتينا بأن السير الاقدام الى المراقد المقدسة لها أهمية خاصة، سواء أكان الى الزيارة أم المسجد أو العالم أو الى أي مكان مقدس وبكل خطوة يعطيك الله سبحانه أجراً "يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ"، وهو بمعنى الإبل الضامر من كثر ما مشى في هذه الجبال والوديان والمفاوز فضمر وصار ضعيفاً جداً "يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ"، إلهي تجمع الناس حول بيتك بواد غير ذي زرع عند بيتك الحرام.. ربّ لماذا تجمعهم هنا؟ يقول ربك: "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ" فما هي هذه المنافع؟ هل هو مركز تجاري؟ كلا، وهل هو مكان جميل والناس تستمتع فيه؟ كلا، إنما المنافع الأساسية هي أنهم يزدادون إيماناً وتقوى وتتقوى العلاقة بين بعضهم البعض، فيوحدون أنفسهم كقوة هائلة كبيرة من خلالها يصنعون الحضارات البشرية.
قد يقول القائل: نحن الآن على اعتاب أيام الحج والقوافل الآن متوجهة من كل بلد – سبحان الله – لعله من مئة وخمسين دولة في العالم الآن تجد أناساً متوجهين الى الحج، ولعله من كل قرية ومدينة ومنطقة من هذا العالم يكونون حجاج، وقد تكون علاقتي بهؤلاء الجالسون في العراق أو ايران أو سوريا أو مصر أو في بلدان أخرى.. كلا يا أخي، فهذا الذي يذهب يكون وفدك، بمعنى أن الذين يذهبون للحج يمثلون الباقين، لذلك فان الذي يذهب الى الحج يطوف عن نفسه أولاً، ومن ثم يطوف عن والديه وعن اصحابه الذين كانوا في منطقته ومسجده والحي الذي يسكن فيه وفي مدرسته وزملائه، فإنه يطوف عنهم ويدعو لهم والله سبحانه وتعالى يؤلف هذه القلوب، ويوحد هذه النفوس ويعطي للحاج روحية عالية، وهناك يأخذ الروحية، الى أين يأخذها؟ انه تعلم في المدرسة الإلهية الربانية، فهو يرجع وهذه المدرسة يجعلها للجميع، لذلك تجد الحاج كما جاء في الروايات أنه عندما يخرج من بيته -حسب رواية الظاهر الشبلي- متجه الى بيت الله الحرام يأتيه الخطاب الإلهي: (غفرت لك ذنوبك،) والناس الجالسين في البلد الذين لم يذهبوا معه ولكن يتمنون الذهاب الى هناك فيخدمون عائلته، فإن الله يكتب لهم الثواب، لذلك فإن الحاج رحمة إلهية، كما جاء في الحديث: (الكعبة أمان لأهل الأرض إن هُدمت لم يناظروا)، أي انها - لا سمح الله - إذا هدمت الكعبة من الارض فإن الله سيأخذ أمانته من الأرض فالذي يذنب ذنباً واحداً سيؤخذ بذنبه مباشرة، أما الآن فإن الذي يذنب ذنباً فإن الله يستر عليه ويعطيه مهلة لعله يتوب، لكن ذلك اليوم إذا حدث مكروه للكعبة المشرفة – لاسمح الله – وإن شاء الله لا يحدث سنكون على هذه الحالة.
قبل أسابيع تحدثت في هذه الجلسة وقلت للناس: بأن هناك بعض الأيادي تحاول أن تحدد الحج باسم انفلونزا (H1N1) وأن هذه الأنفلونزا قد تسبب وبائاً، فقلت للناس أذهبوا والله معكم يؤيدكم وتعودون سالمين غانمين، حِجّوا تصح أبدانكم وتدر أرزاقكم، الحج صحة ورزق، وأنا قليل ما رأيت هناك حاج فقير، سبحان الله.. فعندما يذهب الحاج الى الحج ويعود يطلقون عليه (حجي) يعني له خصوصية، البشر قد يكون غني أو فقير ولكن هذا (الحجي) ماهي خصوصيته هي أنه يعطيك الغنى والصحة وطول العمر إذن "لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ"، في ثلاثة أيام أو خمسة أوعشرة، وكلهم يجتمعون في تلك الوديان الوعرة ولكنهم لا تحملهم الى تلك البلاد مصالح خاصة ولا رغبة في التنزه، إنما تحملهم الى تلك البلاد التقوى وحب الله سبحانه وتعالى، "عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ".
نحن الآن وفي هذه العجالة لي نصائح اوجهها الى الحجاج الكرام ولي نصائح لذويهم وأهليهم الذين بعثوهم وفداً لهم الى الرحمن والحاج يُسمى وفد الرحمن، يعني وفد من الناس توجهوا الى ربّ العزّة:
النصيحة الأولى: للحاج بأن يعرف أين ذاهب هو الآن وعند من وماذا تفعل؟ فالإمام الصادق (ع) كان يحرم من ميقات مسجد الشجرة ومن جملة ما كان يقول وهو يحرم راكباً على دابة: لبيك اللهم لبيك، ولكن لا يفصح عنها من كثرة البكاء ويهتز جسمه ويقول لبيك.. والكلمة لا تخرج من فمه الشريف بسبب انفعاله مع هذه الكلمة حتى كاد يسقط من دابته، فقيل له يا بن رسول الله مابك؟ وماذا حدث؟ قال (ع): أخشى أن أقول لبيك فيأتيني النداء لا لبيك ولا سعديك! - أعوذ بالله – طبعاً الإمام الصادق ماكان يأتيه هذا النداء، لكن ينبغي أن تكون هذه الحالة الإيمانية العرفانية عند الإنسان، لذلك الحاج يجب أن يتوجه الى حج بيت الله الحرام وكله عرفان وإيمان ونية خالصة لأنه ذاهب عند جبار السماوات والأرض ربّ العزة والكريم وأكرم الكرماء وأجود الأجودين، هذا واحد.
النصيحة الثانية:
ليحاول الانسان في الحج أن يدرس في هذه المدرسة، كيف؟ بأن يلغي من داخله الحواجز النفسية تجاه الآخرين، أيها الأخوة.. نحن نعيش حياة نكدة بسبب حواجزنا، أي انه بسبب شخص حاسد على آخر وشخص حاقد وآخر طمّاع، فاننا نعيش حياتنا في النكد لماذا؟! فقد تكون الاسباب تافهة، وهذه الاسباب التافهة ربما تسبب لك السجن، علماً أنه لم يسجنك غير نفسك فانت ساجن نفسك بسبب بعض المصالح الضيقة والآراء الضيقة، بأن تقول فلان... لم يسلم عليّ أو فلان لم يقم لي بالواجب وغيرها.. دع عنك هذه الأشياء وانطلق في رحاب الحقيقة وعش عيشتك المريحة، فعندما يتجرد الشخص من هذه الأنانيات يشعر بالارتياح، وأنا وفقني الله للحج والحمد لله مرات وحينما أذهب أرى كل انسان يعيش البهجة والسرور يعني هو حاج والمشاكل البيئية كثيرة إما غبار أو تعب وإما غيرها.. ومع ذلك تجده في أروع حالة وإذا سألته كيف حالك؟ يقول: أحسن من هذا لا أكون قط، ربما بدنه لا يكون في راحة، لكن روحه عند رب العالمين لأنه تخلّص من هذه الأغلال والأسر والذاتيات وهذه الذاتيات ويجب على الشخص أن يتخلص منها ويعيش في مدرسة الحق، وإذا رجع يحافظ على حالة محبة الناس.
أيها الأخوة.. عندما تحافظ على محبة الناس أولاً فهم يحبونك أيضاً، والشيء الثاني، عندما تحب الناس ترى الراحة وترتاح أما إذا ترى شخصاً يبغض الناس لسبب تافه فقد يمكن أن يكون هذا يبغض ذلك لأن ذلك الشخص يملك بيتاً وهذا لايملك بيتاً، فلماذا تبغض هذا المسكين لمجرد أنه يملك بيتاً؟! إن هذا مجرد حسد، وذلك الشخص لا يعلم بأن هذا يبغضه ولكن الله أعطاه بيتاً وجمالاً وجاهاً وحكماً، وفي الحقيقة عندما تحسده فإنك تنكّد عيشك بنفسك، إن الذي يعيش الراحة النفسية هذا لأنه ينطلق من محبة الناس والألفة معهم.
الوصية الثالثة:
إن الحج مدرسة الفقه، أي ان الانسان في هذه الفرصة يصحح سيرته، فأنا رأيت في الحج يأتيني شخص ويقول لي: انا عندما كنت طفلاً كسرت زجاج جيراننا! لاحظ.. انه وبعد مرور سبعين سنة من العمر يعود كل هذه الفترة الطويلة ويتذكر أنه كسر زجاجة من بيت جيرانه، أو عندما كان يلعب (...) فضرب الحجارة نافذة الجيران وحدث ما حدث، وبالنتيحة فأن هذا الانسان يفكر في تصحيح مسيرته، فالانسان يجب أن يصحح مسيرته وكأنه يولد من جديد لذلك جاء في الحديث: (أن الحاج عندما تغيب الشمس في يوم عرفة على حجاج بيت الله الحرام وهم في وادي عرفات يأتيهم نداء، ولكل شخص نداء خاص له يقول: ياعبدي استأنف العمل غُفِرت لك ذنوبك)، فقد أصبحت صحيفتك بيضاء ومالك تكوّن من جديد وامض من الآن فصاعداً واحسب حسابك.. ربما شخص يقول: يا إمامنا إذا كان هناك شخص غير متدين ولديه أفكار مختلفة أو حالات خاصة، فيقول الإمام: لا تسألني فليس هناك من يقف هذا الموقف إلا يقول الله له استأنف العمل ثم قال له: يابن رسول الله أشد الناس ذنباً من هو؟ قال له الإمام: الذي جاء وطاف حول هذا البيت و وقف هذا الموقف ثم ظن أن الله لم يتب عليه، أي ان هذا ذنب كبير لأنه ظن أن الله لم يتب عليه، فيجب أن يعتقد مئة بالمئة بأن الله تاب عليه، هذا بالنسبة للحاج، أما بالنسبة لي ولك ونحن جالسون هنا ونتحسر:
أولاً: إن حسرتنا على الحج ثواب بحد ذاته، فكل انسان في حياته يجب أن ينوي الحج، وحتى لو لم يتوفق، فيجب عليه أن ينوي ويسعى ويدعو ربه، فهذا الذي يدعو ربه يوفقه الله في نهاية المطاف، ولا تقول أنا غير موفق، كلا، سيكون لك في يوم ما، نية الحج (أن لكل إمرء ما نوى)، لكن نيتك هذه تجعلك في عداد الحجاج لكن لا يكتبونك في رأس القائمة بل يكتبونك في الهوامش بأنه فلان.. أراد أن يأتي لكنه لم يتوفق.
ثانياً: أن نتفاعل خصوصاً في أيام الحج، وهي أيام الحج الحقيقية التي تبدأ من يوم التروية 8و9و10و11و12 ذي الحجة، فهذه الأيام الأساسية ابتداءً من الصعود الى عرفات وانتهاءً بالنفرة الكبرى الى مكة المكرمة.. هذه الأيام يجب على كل واحد أن يعيش وكأنه مع الحجاج يعني روحه تعيش هناك لأنه إذا عمل هكذا فإنه سيحصل على الثواب العظيم، والشيء الآخر، وهو حينما يأتي الحاج نحاول أن نأخذ منه كل ماعنده من هذه الروح الكبيرة، وفي الحديث الشريف: (من زار حاجاً كان كمن أستلم الحجر الاسود)، وفي حديث آخر: (حجوا ثم يقول: زوروا الحاج قبل أن تخالطه الذنوب)، فهو الآن جاء ابيض ناصع، وانك ترى واحدا من أهل الجنة فأذهب وزُره قبل أن يرتكب ذنباً ويرجع قلبه أسوداً، وفي رواية: أن الحاج لا يكتب عليه ذنب الى اربعة اشهر وبعد هذه الاربعة اشهر تسجل عليه، اذا غلط غلطة اخرى لا سمح الله.
وتأكيداً على تكريس روح الوحدة والإيمان والمحبة والتقوى، أيها الأخوة: دعوا قلوبنا تصفى، "وعلى نياتكم ترزقون" فإذا كان عشرة أو خمسة عشر أو عشرون ألف شخص يعيشون في قرية ومتحابون مع بعضهم فأن الله سيرزقهم من حيث لايحتسبون ويبارك في حلالهم وفي كل شيء، أما اذا كانوا متباغضين فإن الله يتركهم لشأنهم، نحن الآن نواجه فترة عصيبة في حياة الشعب العراقي، وأنا اقول بصراحة: إننا مقبلون على انتخابات، والانتخابات موجودة في كل دول العالم، الآن فيه انتخابات، والاحزاب مختلفة أيضاً، وهذا ليس بمشكلة، فكل حزب له رأي معين و رؤية معينة واساليب معينة، كذلك ليس هناك مشكلة.
أيها الأخوة .. لا تبغضوا بعضكم، فالذي يفوز ويحصل على كرسي المسؤولية، هنأوه وتعاونوا معه وقد تكون أنت تحت الكرسي، لكنك قد تخدم اكثر من الذي فوق الكرسي، إذن تعاونوا ولا يفكر أحدنا بأن يكون الرقم الأول والرقم الثاني والرقم الثالث كذلك، فإذا ركبت السيارة او الطائرة ولم تجلس في الكرسي الأول، إنما جلست في الكرسي الأخير، فإنك ستصل بالنتيجة.
أيها الأخوة.. إن هذا وطننا وهذه امة واحدة، واذا اردنا ان نتعامل مع بعضنا بهذا الاسلوب: أنت وأنا وجماعة فلان... و... فإننا لن نعيش، لابأس بأن تعملوا انتخابات وأبدأوا بها بصناديق الاقتراع وان شاء الله لا يحدث فيها تزوير، فمن يخرج من هذه الصناديق فائزاً فأهلاً به ولنتعاون معه، وما ذلّ قوم تعاونوا، أي ان الذين يتعاونون فإن الله لا يذلهم. ويقول ربنا سبحانه: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ".
وفي فترة الحملة الدعائية يجب ان لا يكون يسود التسقيط - أعوذ بالله- بأن تكون انت المرشح تتكلم على غيرك كلاماً غير صحيحاً كأن تتهمه ويمكن أن يصعد هو أو انت، فإذا صعد هو ستكون انت قد ارتكبت ذنباً على نفسك، ولم تعمل أي شيء، واذا حصل العكس وصعدت الى هذا الكرسي ستكون مغشوش بالظلم، لانك ظلمت الآخرين بكلامك، فإذا جئتك بقدح ماء وقلت لك أن هذا الماء مسموماً فهل تشربه؟!
أيها الأخوة.. إن الحرام مثل السمّ، فما هو الفرق بينهما، فهل تقبل أن تجلس انت في بيت جيرانك ظلما وعدوانا؟! إذن، كيف تقبل ان تجلس على كرسي لا يعود لك وانت تعلم بأنك أخطأت في طريقة الوصول له، فهذه مسائل شرعية يجب ان نهتم بها، وهذا الشرع انزله ربنا علينا من أجل مصلحتنا ورب العزة غني عن العباد سواء أكنت أعبد أم اشرك، فهو غني عنا، إنما أنا استفيد من هذه التوجيهات الإلهية ولا يكون عندنا رغبة نفسية وانا يجب ان اكون من البداية عندما ادخل ساحة الانتخابات سواء كمرشح أم كمؤيد لمرشح يجب ان افكر دائماً في سبيل الله إن نجحت أو نجح صاحبي خير وبركة، وأما اذا بالعكس فأنا سأكون قد حصلت على ثواب.
أسأل الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا وإياكم في هذه الأيام والأشهر الحرم ذي القعدة وذي الحجة ومحرم الحرام وان يتقبل طاعاتنا ويغفر ذنوبنا ويبارك في انفسنا وقلوبنا واخلاقنا ويجعل حياتنا طيبة حسنة بعيدة عن النكد والاخلاق السيئة إنه ولي التوفيق.
وصلى الله على نبيه وآل بيته الطيبين الطاهرين
|
|