قسم: الاول | قبل | بعد | الاخير | عناوين اقسام | عناوين جميع اقسام

دور الثقافة في المجتمع
المحمدي
هناك مجتمعات تتحكم فيها (العقد) تحكما كبيرا، حتى لو أخذت هذه العقد أشكالا ومزاعم مقدسة، تبقى عقدا، ولهذه (العقد) الدور الأكبر في تشكيل طبيعة العلاقات الداخلية فيه، ولها الدور الأكبر في تشكيل ثقافة المجتمع وسلوكياته خصوصا مع تفشي الجهل والأنانيات والإشكال السطحية من التدين، وغياب التوجيه، والاسوأ من ذلك عندما تكون هناك محاولات لتوظيف تلك السلبيات وإقرارها على أنها نوع من القيم الذاتية لبعض الجماعات ومحاولة الانتصار والبروز من خلالها.
المجتمع الرباني تتحكم فيه القيم الدينية والأخلاق و (قيمة كل أمرئ ما يحسنه) و (أكرمكم عند الله أتقاكم)، ولا تتحكم فيه عقد الانتماء وعقد المنافسة وعقد الأكثرية والأقلية، لأنه – ببساطة - رب العالمين لم يتعهد لأحد أن يجعل (المتقين) في انتماء حزبي أو فكري أو سياسي معين، ولم يتعهد رب العالمين أن يمنع بروز الأتقى والأفضل والأجدر والأحسن لمن يريد أن يختار وأن يجتهد وأن يكون كذلك من بين عباده. إن المشكلة التي تقف أمام بروز مجتمع قوي متماسك قادر على استيعاب التعددية في الرؤى والأفكار والبرامج والمناهج بروح انسيابية وايجابية، هي مشكلة ثقافة المجتمع. والثقافة هنا تعني طريقة المجتمع في التعاطي مع الاختلافات ونوع الأخلاقيات السائدة بين الناس، وطريقة تحويل المجتمع لحالة التعددية المشروعة إلى حالة من القوة.
في المجتمع المبتلى بالثقافة السلبية، تشيع حالات الانغلاق والتنافر والتدابر وتكثر العقد وتتحول القطيعة إلى وسيلة تعاطٍ وإلى دين ومذهب مقدس لدى جماعات هذا المجتمع تجاه بعضها البعض وتجاه من يختلف معها، ويتحول أدنى مستوى من الاختلاف فيه إلى انشقاق جديد، وعقدة جديدة ينقسم عليها المجتمع مرات ومرات، يعيش أبناء هذا المجتمع عادة تابعين لتوجيهات الكره والبغض بلا عقل أو الحب بلا حساب تجاه الآخرين. بينما في المجتمع ذي الثقافة الايجابية، هناك ثوابت دينية ومحاور واضحة يدور في مدارها الجميع ولا يأخذ مكانها شيء أو احد، وهناك مساحة مدروسة متاحة من الاختلاف الايجابي والمشروع، لا تأخذ فيه الاختلافات اكبر من حجمها، ولا تتحول فيه الاختلافات إلى ميادين حرب وصراع ولا إلى مذاهب مقدسة، بل تتحول فيه إلى حالة من الإثراء في الأفكار وحالة من الايجابية في التعاطي الحر والاختياري معها، يعيش أبناء هذا المجتمع عادة تابعين لتوجيهات القيم الأخلاقية والدينية في طبيعة علاقاتهم، حبا أو كرها للآخرين. فالمجتمع ذو الثقافة الايجابية تقل فيه العقد وتنتعش فيه الحرية والإرادة والاختيار وأبناؤه لهم القدرة الكاملة على التعبير عن أنفسهم بشكل حر ومستقل. والمجتمع ذو الثقافة السلبية، أبناؤه مسلوبو الإرادة وتابعون لما يمليه الجو العام من مشاعر تجاه الاختلافات وأبناؤه اقل قدرة على التعبير عن أنفسهم بشكل حر ومستقل. إن ما نشاهده اليوم من مآسٍ في العلاقات حتى بين الأخوة في التيار الواحد لهو نتيجة لتلك العقد وتحكمها في واقعنا وعلاقاتنا ونتيجة لصياغتها لثقافتنا الاجتماعية، ونتيجة للتجاهل ولغياب الدور المسؤول في توجيه المجتمع توجيها أخلاقيا ودينيا يبعده عن تلك الآفات والمنزلقات ويخرجه من تلك العقد التي نحصد نتائجها اليوم من خلال بروز مظاهر القطيعة والتدابر والنزاع حتى بين الإخوان.